المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

131- ولا تتعَدَّ بنظرك إلي ما متَّعنا به أصنافاً من الكافرين ، لأن هذا المتاع زينة الحياة الدنيا وزخرفها ، يمتحن الله به عباده في الدنيا ، ويدِّخر الله لك في الآخرة ما هو خير وأبقى من هذا المتاع .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

99

اتجه إلى ربك بالعبادة ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم )من عرض الحياة الدنيا ، من زينة ومتاع ومال وأولاد وجاه وسلطان . ( زهرة الحياة الدنيا )التي تطلعها كما يطلع النبات زهرته لامعة جذابة . والزهرة سريعة الذبول على ما بها من رواء وزواق . فإنما نمتعهم بها ابتلاء ( لنفتنهم فيه )فنكشف عن معادنهم ، بسلوكهم مع هذه النعمة وذلك المتاع . وهو متاع زائل كالزهرة سرعان ما تذبل ( ورزق ربك خير وأبقى )وهو رزق للنعمة لا للفتنة . رزق طيب خير باق لا يذبل ولا يخدع ولا يفتن .

وما هي دعوة للزهد في طيبات الحياة ، ولكنها دعوة إلى الاعتزاز بالقيم الأصيلة الباقية وبالصلة بالله والرضى به . فلا تتهاوى النفوس أمام زينة الثراء ، ولا تفقد اعتزازها بالقيم العليا ، وتبقى دائما تحس حرية الاستعلاء على الزخارف الباطلة التي تبهر الأنظار . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إِلَىَ مَا مَتّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولا تنظر إلى ما جعلنا لضُرباء هؤلاء المعرضين عن آيات ربهم وأشكالهم ، مُتْعة في حياتهم الدنيا ، يتمتعون بها ، من زهرة عاجل الدنيا ونضرتها لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ يقول : لنختبرهم فيما متعناهم به من ذلك ، ونبتليهم ، فإِن ذلك فانٍ زائل ، وغُرور وخُدَع تضمحلّ وَرِزْقُ رَبّكَ الذي وعدك أن يرزقكه في الاَخرة حتى ترضى ، وهو ثوابه إياه خَيْرٌ لك مما متعناهم به من زهرة الحياة الدنيا . وأبْقَى يقول : وأدوم ، لأنه لانقطاع له ولا نفاذ . وذُكر أن هذه الاَية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهوديّ يستسلف منه طعاما ، فأبى أن يُسْلفه إلاّ برهن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن موسى بن عبيدة ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي رافع ، قال : أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهودي يستسلفه ، فأبى أن يعطيه إلاّ برهن ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : وَلا تَمُدّنّ عَيَنَيْكَ إلى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنهُمْ زَهْرَةَ الحَياةِ الدّنْيا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أبي رافع ، قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف ، فأرسلني إلى يهوديّ بالمدينة يستسلفه ، فأتيته ، فقال : لا أسلفه إلاّ برهن ، فأخبرته بذلك ، فقال : «إنّي لأَمِينٌ فِي أهْلِ السّماءِ وفِي أهْلِ الأرْضِ ، فاحْمِلْ دِرْعِي إلَيْهِ » فنزلت : " وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعا مِنَ المَثانِي والقُرآنَ العَظِيمِ " .

وقوله : " وَلا تَمُدّنّ عَيَنَيْكَ إلى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ زَهْرةَ الحَياةِ الدّنْيا " إلى قوله : " وَالعاقِبَةُ للتّقْوَى " .

ويعني بقوله : أزْوَاجا مِنْهُمْ رجالاً منهم أشكالاً ، وبزهرة الحياة الدنيا : زينة الحياة الدنيا . كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : زَهْرَةَ الحَياةِ الدّنْيا : أي زينة الحياة الدنيا .

ونصب زهرة الحياة الدنيا على الخروج من الهاء التي في قوله به من مَتّعْنا بِهِ ، كما يقال : مررت به الشريف الكريم ، فنصب الشريف الكريم على فعل مررت ، وكذلك قوله : إلى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُم زَهْرَةَ الحَياةِ الدّنْيا تنصب على الفعل بمعنى : متعناهم به زهرة الحياة الدنيا وزينة لهم فِيها . وذكر الفراء أن بعض بني فقعس أنشده :

أبَعْدَ الّذِي بالسّفْحِ سَفْحِ كُوَاكِبٍ *** رَهِينَةَ رَمْسٍ مِنْ تُرابٍ وَجَنْدَلِ

فنصب رهينة على الفعل من قوله : «أبعد الذي بالسفح » ، وهذا لا شكّ أنه أضعف في العمل نصبا من قوله : مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ لأن العامل في الاسم وهو رهينة ، حرف خافض لا ناصب . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ قال : لنبتليهم فيه وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وأبقَى مما متّعنا به هؤلاء من هذه الدنيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

قال بعض الناس سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزل به ضيف فلم يكن عنده شيء فبعث إلى يهودي ليسلفه شعيراً فأبى اليهودي إلا برهن فبلغ الرسول بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال «والله إني لأمين في السماء وأمين في الأرض » فرهنه درعه فنزلت الآية في ذلك{[8183]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا معترض أن يكون سبباً لأن السورة مكية والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنَّه مات ودرعه مرهونة بهذه القصة التي ذكرت ، وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها وذلك أن الله تعالى وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل ثم أمر نبيه بالاحتقار لشأنهم والصبر على أقوالهم والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا إذ ذاك منحصر عندهم صائر بهم إلى خزي{[8184]} ، وقوله { ولا تمدن عينيك } أبلغ من ولا تنظر ، لأن الذي يمد بصره إنما يحمله على ذلك حرص مقترن ، والذي ينظر قد لا يكون ذلك معه . و «الأزواج » الأنواع فكأنه قال { إلى ما متعنا به } أقواماً منهم وأصنافاً . وقوله تعالى : { زهرة الحياة الدنيا } شبه نعم هؤلاء الكفار بالزهر وهو ما اصفر من النور ، وقيل «الزهر » النور جملة لأن الزهر له منظر ثم يضمحل فكذلك حال هؤلاء ، ونصب { زهرة } يجوز أن ينصب على الحال وذلك أن تعرفها ليس بمحض{[8185]} ، وقرأت فرقة «زهْرة » بسكون الهاء ، وفرقة «زهَرة » بفتح الهاء{[8186]} ثم أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن ذلك إنما هو ليختبرهم به ويجعله فتنة لهم وأمراً يجازون عليه بالسوء لفساد تقلبهم فيه ، { ورزق } الله تعالى الذي أحله للمتقين من عباده { خير وأبقى } أي رزق الدنيا ورزق الآخرة أبقى وبين أنه خير من رزق الدنيا .


[8183]:أخرجه ابن أبي شيبة، وابن راهويه، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخرائطي، وأبو نعيم، عن رافع. (فتح القدير والدر المنثور).
[8184]:نقل القرطبي كلام ابن عطية هذا، ثم عقب عليه بقوله: "قلت: وكذلك ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه مر بإبل بني المصطلق وقد عبست في أبوالها وأبعارها من السمن فتقنع بثوبه ثم مضى لقوله عزز وجل: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم} الآية ". ومعنى "عبست في أبوالها": أن أبوالها وأبعارها قد جفت على أفخاذها، وهذا يكون من الشحم.
[8185]:كثرت الآراء في إعراب قوله تعالى: [زهرة] ـ فقيل: هي مفعول ثان لـ (متعنا) على تضمينه معنى (أعطينا)، وقيل: منصوبة على الذم، وقيل: بل هي بدل من محل الجار والمجرور، وقيل: هي بدل من [أزواجا] على تقدير: ذوي زهرة، وقيل غير ذلك.
[8186]:أجاز الزمخشري في [زهرة] بفتح الهاء أن تكون جمع زاهر، مثل كافر وكفرة، قال: "وصفهم بأنهم زاهرو هذه الدنيا لصفاء ألوانهم مما يلهون ويتمتعون، وتهلل وجوههم، وبهاء زيهم، بخلاف ما عليه المؤمنون من شحوب الألوان وتشقف الثياب.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

أُعقب أمره بالصبر على ما يقولونه بنهيه عن الإعجاب بما يَنْعَم به من تَنعّم من المشركين بأموال وبنين في حين كفرهم بالله بأن ذلك لحِكَم يعلمها الله تعالى ، منها إقامة الحجّة عليهم ، كما قال تعالى : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } المؤمنون : 55 ، 56 ) .

وذكر الأزواج هنا لدلالته على العَائلات والبيوت ، أي إلى ما متعناهم وأزواجَهم به من المتع ؛ فكلّ زوج ممتّع بمتعة في زوجه مما يحسن في نظر كل من محاسن قرينه وما يقارن ذلك من محاسن مشتركة بين الزوجين كالبنين والرياش والمنازل والخدم .

ومدّ العينين : مستعمل في إطالة النظر للتعجيب لا للإعجاب ، شبه ذلك بمد اليد لتناول شيء مشتهى . وقد تقدم نظيره في آخر سورة الحِجْر .

والزَهرة بفتح الزاي وسكون الهاء : واحدة الزهْر ، وهو نَوْر الشجر والنباتتِ . وتستعار للزينة المعجِبة المبهتة ، لأن منظر الزّهرة يزين النبات ويُعجب الناظر ، فزهرة الحياة : زينة الحياة ، أي زينة أمور الحياة من اللّباس والأنعام والجنان والنساء والبنين ، كقوله تعالى : { فمتاع الحياة الدنيا وزينتها } [ القصص : 60 ] .

وانتصب { زهرة الحياة الدنيا } على الحال من اسم الموصول في قوله { ما متعنا به أزواجاً منهم . وقرأ الجمهور زهْرة بسكون الهاء . وقرأه يعقوب بفتح الهاء وهي لغة .

لنفتنهم } متعلق ب { متعنا } . و ( في ) للظرفية المجازية ، أي ليحصل فتنتهم في خلاله ، ففي كلّ صنف من ذلك المتاع فتنة مناسبة له . واللاّم للعلّة المجازية التي هي عاقبة الشيء ، مثل قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } [ القصص : 68 ] .

وإنما متّعهم الله بزهرة الدنيا لأسباب كثيرة متسلسلة عن نُظُم الاجتماع فكانت لهم فتنة في دينهم ، فجُعل الحاصلُ بمنزلة الباعث .

والفتنة : اضطراب النفس وتبلبل البال من خوف أو توقع أو التواء الأمور ، وكانوا لا يخلُون من ذلك ، فَلشركهم يقذف الله في قلوبهم الغم والتوقع ، وفتنتُهم في الآخرة ظاهرة . فالظرفية هنا كالتي في قول سبَرة بن عَمرو الفَقْعسي :

نُحابي بها أكفَاءَنا ونُهينها *** ونشرب في أثمانها ونقامر

وقوله تعالى : { وارزقوهم فيها واكسوهم } في سورة النساء ( 5 ) .

وجملة { ورزق ربك خير وأبقى } تذييل ، لأن قوله { ولا تمدن عينيك } إلى آخره يفيد أن ما يبدو للناظر من حسن شارتهم مشوب ومبطّن بفتنة في النفس وشقاء في العيش وعقاب عليه في الآخرة ، فذيل بأن الرزق الميسّر من الله للمؤمنين خير من ذلك وأبقى في الدنيا ومنفعته باقية في الآخرة لما يقارنه في الدنيا من الشكر .

فإضافة { رزق ربك } إضافة تشريف ، وإلا فإن الرزق كلّه من الله ، ولكن رزق الكافرين لما خالطه وحف به حال أصحابه من غضب الله عليهم ، ولما فيه من التبعة على أصحابه في الدنيا والآخرة لكفرانهم النعمة جعل كالمنكور انتسابه إلى الله ، وجعل رزق الله هو السالم من ملابسة الكفران ومن تبعات ذلك .

و { خير } تفضيل ، والخيرية حقيقة اعتبارية تختلف باختلاف نواحيها . فمنها : خير لصاحبه في العاجل شرّ عليه في الآجل ، ومنها خير مشوب بشرور وفتن ، وخير صَاف من ذلك ، ومنها ملائم ملاءَمَةً قوية ، وخير ملائم ملاءمة ضعيفة ، فالتفضيل باعتبار توفر السلامة من العواقب السيّئة والفتن كالمقرون بالقناعة ، فتفضيل الخيرية جاء مجملاً يظهر بالتدبر .

{ وأبقى } تفضيل على ما مُتّع به الكافرون لأنّ في رزق الكافرين بقاءً ، وهو أيضاً يظهر بقاؤه بالتدبّر فيما يحف به وعواقبه .