لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

فضل الرؤية فيما لا يُحْتَاجُ إليه معلولٌ كفَضْلِ الكلامِ ، والذي له عند الله مَنْزِلٌ وقَدْرٌ فَلِلْحَقٌ على جميع أحواله غَيْرَةٌ ، إذ لا يَرْضَى منه أنْ يبذل شيئاً من حركاته وسكناته وجميع حالاته فيما ليس الله - سبحانه - فيه رِضاءٌ ، وفي معناه أنشدوا :

فعيني إذا اسْتَحْسَنتْ غَيرَكم *** أَمَرْتُ الدموعَ بتأديبها

ويقال لمّا أَدَّبَه في ألا ينظرَ إلى زينة الدنيا بكمال نظره وَقَفَ على وجه الأرض بِفَرْدِ قَدَمٍ تصاوناً عنها حتى قيل له " طه " أي طَأْ الأرضَ بِقَدَمِك . . ولِمَ كلُّ هذه المجاهدة وكل هذا التباعد حتى تقف بفَرْدٍ قَدَمٍ ؟ طَأْ الأرض بقدميك .

{ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا . . . } الفتنة ما يُشْغَل به عن الحقِّ ، ويستولي حُبُّه على القلب ، ويُجَسِّر وجودُه على العصيان ، ويحمل الاستمتاع به على البَطَر والأشَر .

قوله جلّ ذكره : { وَرِزْقُ رَبِِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } .

القليلُ من الحلال - وفيه رضاءُ الرحمن- خيرٌ من الكثير من الحرام والحطام . . ومعه سُخْطُه . ويقال قليلٌ يُشْهِدُكَ ربَّكَ خيرٌ مِنْ كثير يُنْسِيكَ ربَّك .