الآية 131 : وقوله تعالى : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } هذه الآية تحتمل وجهين :
أحدهما : { ولا تمدن عينيك } أي لا ترغبن في هذه الدنيا ، ولا تركنن إلى ما متعنا هؤلاء من ألوانها وبهرتها . وهو كقوله تعالى : { ولا تعجبك أموالهم وأولادهم } الآية [ التوبة : 85 ] .
والثاني : قوله : { ولا تمدن عينيك } على حقيقة مد البصر ، أي لا تمدن بصرك إلى أعين الدنيا وإلى ظاهر ما هم عليه من الغرور والتزيين . ولكن انظر إلى الدنيا ما جعلت الدنيا وإلى ما فيها من سمومها وتنغيصها على أهلها ؛ فإن من نظر إليها لما فيها من سمومها وتنغيصها زهد{[12508]} فيها ، ورغب عنها ، ومن نظر إليها وإلى عينها وظاهر ما هي عليها من الغرور والتزيين لاغتر بها ، ورغب فيها ، وركن إليها . ومن نظر إلى حقيقة ما هي عليه ، وجعلت ، عل ما ذكرنا زهد{[12509]} فيها ، ورغب عنها .
ثم معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمد بصره إلى الدنيا ، أو يركن إليها ، ويرغب فيها لها . ولكن{[12510]} إنما هو ابتداء نهي رسوله .
ومعلوم أيضا أنه لو رغب في شيء منها لم يكن يرغب ليتمتع هو به . إنما يرغب ، ويتناوله ليوسع به على أهل الحاجة والفقر ، ثم نهاه عن ذلك . فدل أن الزهد فيها والرغبة عنها خير من الأخذ منها والوضع في [ المستحقين ] {[12511]} نهاه عن ذلك على علم منه أنه لا يتناوله{[12512]} ليتمتع هو به ، ليوسع به على نفسه ، ولكن [ يأخذه ليضعه في المستحقين له ]{[12513]} .
ثم اختلف أهل التأويل في التقديم والتأخير . قال الحسن : هو على تقديم قوله : { أزواجا } يقول : تأويله : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا زهرة الحياة الدنيا . فعلى تأويله : أزواجا زهرة الحياة الدنيا : أي ألوانا وأصنافا من النبات . فذلك زهرة الحياة الدنيا .
قال بعضهم : على غير تقديم ، ولكن على سياق ما ذكر في الآية . فعلى هذا يكون تأويل الأزواج أي رجالا منهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { لنفتنهم فيه } قال أهل التأويل : أي لنبتليهم ، ونختبرهم . وكأن الفتنة ، هي المحنة التي فيها شدة وبلاء . كأنه أخبر أنه إنما متعهم بما متع من زهرة الحياة الدنيا ليمتحنهم فيها بالشدائد كقوله : { فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم } الآية [ التوبة : 55 ] .
وقال في آية أخرى { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } [ الأنبياء : 35 ] وقال : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } [ الأعراف : 168 ] ففي{[12514]} هذه الآيات دلالة أن السعة والضيق فيها ليس لفضل أهله ولأهوائهم . ولكن إنما هو محنة ، يمتحنهم ، فيمتحن [ بعضهم ] {[12515]} بالسعة والغنى ، وبعضهم بالشدة والضيق . فالتكلم بأن هذا خير من هذا [ وهذا أفضل من هذا ] {[12516]} لا معنى له مع ما ذكرنا من البيان في قوله : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به } أن الزهد في الدنيا وترك التناول منها خلالا{[12517]} خير من التناول منها [ حلالا ووضعه في موضعه ] {[12518]} .
وقوله تعالى : { ورزق ربك خير وأبقى } أي ما رزقك ربك من النبوة والرسالة والتوحيد له والإيمان به خير وأبقى مما متع هؤلاء من ألوان زهرة الحياة الدنيا وأصنافها .
وقال بعضهم : { ورزق ربك خير وأبقى } أي حظك من ربك خير في الخير في البقاء مما متع به هؤلاء من زهرة الدنيا . وهو قول أهل التأويل : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل به ضيف ، فاستلف من يهودي طعاما{[12519]} ، فأبى أن يعطيه إلا أن يرهن درعه عنده ، فنزل قوله : { ولا تمدن عينيك } الآية تعزية عن الدنيا . لكن لسنا نعرف [ سبب ] {[12520]} نزول الآية على ما ذُكر إلا أن يثبت ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.