الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } أي نظر عينيك : ومدّ النظر : تطويله ، وأن لا يكاد يرده ، استحساناً للمنظور إليه وإعجاباً به ، وتمنياً أن يكون له ، كما فعل نظارة قارون حين قالوا : { ياليت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قارون إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ } [ القصص : 79 ] حتى واجههم أولو العلم والإيمان ب { وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لّمَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صالحا } [ القصص : 80 ] وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه ، وذلك مثل نظر من باده الشيء بالنظر ثم غض الطرف ، ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطباع ، وأنّ من أبصر منها شيئاً أحب أن يمدّ إليه نظره ويملأ منه عينيه قيل : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } أي لا تفعل ما أنت معتاد له وضار به ، ولقد شدّد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك ، لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة ؛ فالناظر إليها محصل لغرضهم ، وكالمغري لهم على اتخاذها { أزواجا مّنْهُمْ } أصنافاً من الكفرة ويجوز أن ينتصب حالاً من هاء الضمير ، والفعل واقع على { مِنْهُمْ } كأنه قال : إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم وناساً منهم .

فإن قلت : علام انتصب { زَهْرَةَ } ؟ قلت : على أحد أربعة أوجه : على الذم وهو النصب على الاختصاص . وعلى تضمين { مَتَّعْنَا } معنى أعطينا وخوّلنا ، وكونه مفعولاً ثانياً له . وعلى إبداله من محل الجار والمجرور . وعلى إبداله من أزواجاً ، على تقدير ذوي زهرة .

فإن قلت : ما معنى الزهرة فيمن حرّك ؟ قلت : معنى الزهرة بعينه وهو الزينة والبهجة ، كما جاء في الْجَهْرَة الْجَهَرَة . وقرىء : { أَرِنَا الله } [ النساء : 153 ] . وأن تكون جمع زاهر ، وصفاً لهم بأنهم زاهرو هذه الدنيا ، لصفاء ألوانهم مما يلهون ويتنعمون ؛ وتهلل وجوههم وبهاء زيهم وشارتهم بخلاف ما عليه المؤمنون والصلحاء : من شحوب الألوان والتقشف في الثياب { لِنَفْتِنَهُمْ } لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب ، لوجود الكفران منهم . أو لنعذبهم في الآخرة بسببه { وَرِزْقُ رَبّكَ } هو ما ادّخر له من ثواب الآخرة الذي هو خير منه في نفسه وأدوم . وأو ما رزقه من نعمة الإسلام والنبوّة . أو لأن أموالهم الغالب عليها الغصب والسرقة والحرمة من بعض الوجوه ، والحلال { خَيْرٌ وأبقى } لأن الله لا ينسب إلى نفسه إلا ما حل وطاب دون ما حرم وخبث ، والحرام لا يسمى رزقاً أصلاً وعن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن [ أبي ] رافع قال : بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى يهودي وقال : « قلْ لَهُ يقولُ لَكَ رسولُ اللَّهِ أقرضْني إلى رجب » ، فقالَ : واللَّهِ لا أقرضُه إلاّ بِرْهَنَ ، فقالَ رسولُ اللَّهِ [ صلى الله عليه وسلم ] « إنِّي لأمينُ في السماءِ وإنِّي لأمين في الأرضِ ، احملْ إليهِ درعِي الحديدِ » فنزلَتْ ولا تمدّنَ عينيك .