محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

ثم أشار تعالى إلى أن ما متع به الكفار من الزخارف ، إنما هو فتنة لهم فلا ينبغي الرغبة فيه ، وإن ما أوتيه أجل وأسمى ، بقوله سبحانه :

{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( 131 ) } .

{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ } أي أصنافا من الكفرة { زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا } أي زينتها . منصوب على البدلية من { أزواجا } أو ب { متعنا } على تضمينه معنى : أعطينا وخولنا { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي لنختبرهم فيما متعناهم به من ذلك ونبتليهم . فإن ذلك فان وزائل وغرور وخدع تضمحل .

قال أبو السعود : { لنفتنهم } متعلق ب { متعنا } جيء به للتنفير عنه ببيان سوء عاقبته مآلا ، إثر إظهار بهجته حالا . أي لنعاملهم معاملة من يبتليهم ويختبرهم فيه . أو لنعذبهم في الآخرة بسببه : { وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } أي ثوابه الأخروي خير في نفسه مما متعوا به وأدوم ، كقوله تعالى : { ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا } أو المعنى ما أوتيت من النبوة والهدى ، خير مما فتنوا به وأبقى ، لأنه لا مناسبة بين الهدى الذي تتبعه السعادة في الدارين ، وبين زهرة يتمتع بها مدة ثم تذبل وتفنى . وفي التعبير ب ( الزهرة ) إشارة لسرعة الاضمحلال ، فإن أجلها قريب . ومن لطائف الآية ما قاله الزمخشري رحمه الله ، ونصه : مد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده استحسانا للمنظور إليه ، وإعجابا به وتمنيا أن يكون له . كما فعل نظارة قارون حين قالوا : { يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم } حتى واجههم أولوا العلم والإيمان ب { ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا } .

وفيه : أن النظر غير الممدود معفو عنه . وذلك مثل نظر من باده الشيء بالنظر ثم غض الطرف . ولما كان النظر إلى الزخارف كالمرموز في الطباع ، وإن من أبصر منها شيئا أحب أن يمد إليه نظره ويملأ منه عينيه ، قيل : ولا تمدن عينيك . أي لا تفعل ما أنت معتاد له وضار به . ولقد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة ، وعدد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك ، لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة ، فالناظر إليها محصل لغرضهم ، وكالمغري لهم على اتخاذها .