24- يا أيها الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له ، أجيبوا الله في اتجاه قلبي إلى ما يأمركم به ، وأجيبوا الرسول في تبليغه ما يأمر به الله إذا دعاكم إلى أوامر الله بالأحكام التي فيها حياة أجسامكم وأرواحكم وعقولكم وقلوبكم ، واعلموا علم اليقين أن الله تعالى قائم على قلوبكم ، يوجهها كما يشاء فيحول بينكم وبين قلوبكم إذا أقبل عليها الهوى ، فهو منقذكم منه إن اتجهتم إلى الطريق المستقيم ، وإنكم جميعاً ستجمعون يوم القيامة فيكون الجزاء .
ومرة أخرى يتكرر الهتاف للذين آمنوا . الهتاف بهم ليستجيبوا لله والرسول ، مع الترغيب في الاستجابة والترهيب من الإعراض ؛ والتذكير بنعمة الله عليهم حين استجابوا لله وللرسول :
( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه . وأنه إليه تحشرون . واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، واعلموا أن الله شديد العقاب . واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس ، فآواكم وأيدكم بنصره ، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) . .
إن رسول الله [ ص ] إنما يدعوهم إلى ما يحييهم . . إنها دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة ، وبكل معاني الحياة . .
إنه يدعوهم إلى عقيدة تحيي القلوب والعقول ، وتطلقها من أوهاق الجهل والخرافة ؛ ومن ضغط الوهم والأسطورة ، ومن الخضوع المذل للأسباب الظاهرة والحتميات القاهرة ، ومن العبودية لغير الله والمذلة للعبد أو للشهوات سواء . .
ويدعوهم إلى شريعة من عند الله ؛ تعلن تحرر " الإنسان " وتكريمه بصدورها عن الله وحده ، ووقوف البشر كلهم صفا متساوين في مواجهتها ؛ لا يتحكم فرد في شعب ، ولا طبقة في أمة ، ولا جنس في جنس ، ولا قوم في قوم . . ولكنهم ينطلقون كلهم أحراراً متساوين في ظل شريعة صاحبها الله رب العباد .
ويدعوهم إلى منهج للحياة ، ومنهج للفكر ، ومنهج للتصور ؛ يطلقهم من كل قيد إلا ضوابط الفطرة ، المتمثلة في الضوابط التي وضعها خالق الإنسان ، العليم بما خلق ؛ هذه الضوابط التي تصون الطاقة البانية من التبدد ؛ ولا تكبت هذه الطاقة ولا تحطمها ولا تكفها عن النشاط الإيجابي البناء .
ويدعوهم إلى القوة والعزة والاستعلاء بعقيدتهم ومنهجهم ، والثقة بدينهم وبربهم ، والانطلاق في " الأرض " كلها لتحرير " الإنسان " بجملته ؛ وإخراجه من عبودية العباد إلى عبودية الله وحده ؛ وتحقيق إنسانيته العليا التي وهبها له الله ، فاستلبها منه الطغاة !
ويدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله ، لتقرير ألوهية الله سبحانه - في الأرض وفي حياة الناس ؛ وتحطيم ألوهية العبيد المدعاة ؛ ومطاردة هؤلاء المعتدين على ألوهية الله - سبحانه - وحاكميته وسلطانه ؛ حتى يفيئوا إلى حاكمية الله وحده ؛ وعندئذ يكون الدين كله لله . حتى إذا أصابهم الموت في هذا الجهاد كان لهم في الشهادة حياة .
ذلك مجمل ما يدعوهم إليه الرسول [ ص ] وهو دعوة إلى الحياة بكل معاني الحياة .
إن هذا الدين منهج حياة كاملة ، لا مجرد عقيدة مستسرة . منهج واقعي تنمو الحياة في ظله وتترقى . ومن ثم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 24 ) وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 25 )
هو دعوة إلى الحياة في كل صورها وأشكالها . وفي كل مجالاتها ودلالاتها . والتعبير القرآني يجمل هذا كله في كلمات قليلة موحية :
( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) . .
استجيبوا له طائعين مختارين ؛ وإن كان الله - سبحانه - قادراً على قهركم على الهدى لو أراد :
( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) . .
ويا لها من صورة رهيبة مخيفة للقدرة القاهرة اللطيفة . . ( يحول بين المرء وقلبه )فيفصل بينه وبين قلبه ؛ ويستحوذ على هذا القلب ويحتجزه ، ويصرفه كيف شاء ، ويقلبه كما يريد . وصاحبه لا يملك منه شيئا وهو قلبه الذي بين جنبيه !
إنها صورة رهيبة حقاً ؛ يتمثلها القلب في النص القرآني ، ولكن التعبير البشري يعجز عن تصوير إيقاعها في هذا القلب ، ووصف هذا الإيقاع في العصب والحس !
إنها صورة تستوجب اليقظة الدائمة ، والحذر الدائم ، والاحتياط الدائم . اليقظة لخلجات القلب وخفقاته ولفتاته ؛ والحذر من كل هاجسة فيه وكل ميل مخافة أن يكون انزلاقا ؛ والاحتياط الدائم للمزالق والهواتف والهواجس . . والتعلق الدائم بالله - سبحانه - مخافة أن يقلب هذا القلب في سهوة من سهواته ، أو غفلة من غفلاته ، أو دفعة من دفعاته . .
ولقد كان رسول الله [ ص ] وهو رسول الله المعصوم يكثر من دعاء ربه : " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " . . فكيف بالناس ، وهم غير مرسلين ولا معصومين ? !
إنها صورة تهز القلب حقا ؛ ويجد لها المؤمن رجفة في كيانه حين يخلو إليها لحظات ، ناظرا إلى قلبه الذي بين جنبيه ، وهو في قبضة القاهر الجبار ؛ وهو لا يملك منه شيئا ، وإن كان يحمله بين جنبيه ويسير !
صورة يعرضها على الذين آمنوا وهو يناديهم :
( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) . .
ليقول لهم : إن الله قادر على أن يقهركم على الهدى - لو كان يريد - وعلى الاستجابة التي يدعوكم إليها هذه الدعوة ، ولكنه - سبحانه - يكرمكم ؛ فيدعوكم لتستجيبوا عن طواعية تنالون عليها الأجر ؛ وعن إرادة تعلو بها إنسانيتكم وترتفع إلى مستوى الأمانة التي ناطها الله بهذا الخلق المسمى بالإنسان . . أمانة الهداية المختارة ؛ وأمانة الخلافة الواعية ، وأمانة الإرادة المتصرفة عن قصد ومعرفة .
فقلوبكم بين يديه . وأنتم بعد ذلك محشورون إليه . فما لكم منه مفر . لا في دنيا ولا في آخرة . وهو مع هذا يدعوكم لتستجيبوا استجابة الحر المأجور ، لا استجابة العبد المقهور .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } . .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ فقال بعضهم : معناه : استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم للإيمان . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : أما يحييكم فهو الإسلام ، أحياهم بعد موتهم ، بعد كفرهم .
وقال آخرون : للحقّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : الحقّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : الحقّ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : للحقّ .
وقال آخرون : معناه : إذا دعاكم إلى ما في القرآن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : هو هذا القرآن فيه الحياة والعفة والعصمة في الدنيا والاَخرة .
وقال آخرون : معناه : إذا دعاكم إلى الحرب وجهاد العدوّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ : أي للحرب الذي أعزّكم الله بها بعد الذلّ ، وقوّاكم بعد الضعف ، ومنعكم بها من عدوّكم بعد القهر منهم لكم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم الرسول لِما يحييكم من الحقّ . وذلك أن ذلك إذا كان معناه كان داخلاً فيه الأمر بإجابتهم لقتال العدوّ والجهاد ، والإجابة إذا دعاكم إلى حكم القرآن ، وفي الإجابة إلى كلّ ذلك حياة المجيب . أما في الدنيا ، فيقال : الذكر الجميل ، وذلك له فيه حياة . وأما في الاَخرة ، فحياة الأبد في الجنان والخلود فيها .
وأما قول من قال : معناه الإسلام ، فقول لا معنى له لأن الله قد وصفهم بالإيمان بقوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ فلا وجه لأن يقال للمؤمن استجب لله وللرسول إذا دعاك إلى الإسلام والإيمان .
حدثنا أحمد بن المقدام العجلي ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا روح بن القاسم ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ وهو يصلي ، فدعاه : «أي أبيّ » فالتفت إليه أبيّ ، ولم يجبه . ثم إن أبيّا خفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك أي رسول الله قال : «وَعَلَيْكَ ما مَنَعَكَ إذْ دَعَوْتُكَ أنْ تُجِيبَنِي ؟ » قال : يا رسول الله كنت أصلي . قال : «أفَلَمْ تَجِدْ فِيما أُوحِيَ إليّ اسْتَجُيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ؟ » قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، عن محمد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ وهو قائم يصلي ، فصرخ به ، فلم يجبه ، ثم جاء فقال : «يا أبيّ ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك ، أليس الله يقول يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ؟ » قال أبيّ : لا جرم يا رسول الله ، لا تدعوني إلاّ أجبت ، وإن كنت أصلي .
ما يبين عن أن المعنيّ بالاَية هم الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه حياتهم بإجابتهم إليه من الحقّ بعد إسلامهم ، لأن أبيّا لا شكّ أنه كان مسلما في الوقت الذي قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا في هذين الخبرين .
القول في تأويل قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وأنّهُ إلَيْه تُحْشَرُونَ .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : يحول بين الكافر والإيمان وبين المؤمن والكفر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جبير : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : بين الكافر أن يؤمن ، وبين المؤمن أن يكفر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قالا : حدثنا سفيان ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا الثوري ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جبير ، بنحوه .
حدثني أبو زائدة زكريا بن أبي زائدة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، مثله .
حدثني أبو السائب وابن وكيع ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بين الكافر والإيمان وطاعة الله .
قال : حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، وعبد العزيز بن أبي روّاد ، عن الضحاك ، في قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين الكافر وطاعته ، وبين المؤمن ومعصيته .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، بنحوه .
قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : يحول بين المرء وبين أن يكفر ، وبين الكافر وبين أن يؤمن .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي روّاد ، عن الضحاك بن مزاحم يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين الكافر وبين طاعة الله ، وبين المؤمن ومعصية الله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بن أبي روّاد ، عن الضحاك ، نحوه .
وحُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، يقول : فذكر نحوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن منهال ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عبد العزيز بن أبي روّاد يحدّث عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المؤمن ومعصيته .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، ويحول بين الكافر وبين الإيمان .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول : يحول بين الكافر وبين طاعته ، ويحول بين المؤمن وبين معصيته .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن ليث ، عن مجاهد : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان .
قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي روّاد ، عن الضحاك : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول : يحول بين الكافر وبين طاعته ، وبين المؤمن وبين معصيته .
قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بين المؤمن والمعاصي ، وبين الكافر والإيمان .
قال : حدثنا عبيدة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بينه وبين المعاصي .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يحول بين المرء وعقله ، فلا يدري ما يعمل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا عبد المجيد ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المرء وعقله .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ حتى يتركه لا يعقل .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : هي يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا معقل بن عبيد الله ، عن حميد ، عن مجاهد : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : إذا حال بينك وبين قلبك كيف تعمل .
قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين قلب الكافر ، وأن يعمل خيرا .
وقال آخرون : معناه يحول بين المرء وقلبه أن يقدر على إيمان أو كفر إلاّ بإذنه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه .
وقال آخرون : معنى ذلك أنه قريب من قلبه لا يخفى عليه شيء أظهره أو أسرّه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : هي كقوله أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ .
وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال : إن ذلك خبر من الله عزّ وجلّ أنه أملك لقلوب عباده منهم ، وإنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيمان أو كفر ، أو أن يعي به شيئا ، أو أن يفهم إلاّ بإذنه ومشيئته . وذلك أن الحول بين الشيء والشيء إنما هو الحجز بينهما ، وإذا حجز جلّ ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه ، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل ، وإذا كان ذلك معناه ، دخل في ذلك قول من قال : يحول بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان ، وقول من قال : يحول بينه وبين عقله ، وقول من قال : يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه لأن الله عزّ وجلّ إذا حال بين عبد وقلبه ، لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبينه ما منع إدراكه به على ما بينت . غير أنه ينبغي أن يقال : إن الله عمّ بقوله : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ الخبر عن أنه يحول بين العبد وقلبه ، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئا دون شيء ، والكلام محتمل كلّ هذه المعاني ، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يحب التسليم له .
وأما قوله : وأنّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ فإن معناه : واعلموا أيها المؤمنون أيضا مع العلم بأن الله يحول بين المرء وقلبه ، أن الله الذي يقدر على قلوبكم ، وهو أملك بها منكم ، إليه مصيركم ومرجعكم في القيامة ، فيوفيكم جزاء أعمالكم ، المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته ، فاتقوه وراقبوه فيما أمركم ونهاكم هو ورسوله أن تضيعوه ، وأن لا تستجيبوا لرسوله إذا دعاكم لما يحييكم ، فيوجب ذلك سخطه ، وتستحقوا به أليم عذابه حين تحشرون إليه .