المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

114- ومن مظاهر عدائهم بعضهم لبعض ؛ وعدائهم للمسلمين ، أن بعض طوائفهم خرَّبت معابد الطوائف الأخرى ، وأن المشركين منعوا المسلمين من المسجد الحرام ، وليس ثمة أحد أشد ظلماً ممن يحول دون ذكر الله في أماكن العبادة ويسعى في خرابها ، فأولئك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم . وما كان لهم أن يقترفوا مثل هذا الجرم الخطير ، وإنما كان ينبغي أن يحفظوا للمعابد حرمتها ، فلا يدخلوها إلا خاشعين ، ولا يمنعوا غيرهم أن يذكر فيها اسم الله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

أي : لا أحد أظلم وأشد جرما ، ممن منع مساجد الله ، عن ذكر الله فيها ، وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات .

{ وَسَعَى } أي : اجتهد وبذل وسعه { فِي خَرَابِهَا } الحسي والمعنوي ، فالخراب الحسي : هدمها وتخريبها ، وتقذيرها ، والخراب المعنوي : منع الذاكرين لاسم الله فيها ، وهذا عام ، لكل من اتصف بهذه الصفة ، فيدخل في ذلك أصحاب الفيل ، وقريش ، حين صدوا رسول الله عنها عام الحديبية ، والنصارى حين أخربوا بيت المقدس ، وغيرهم من أنواع الظلمة ، الساعين في خرابها ، محادة لله ، ومشاقة ، فجازاهم الله ، بأن منعهم دخولها شرعا وقدرا ، إلا خائفين ذليلين ، فلما أخافوا عباد الله ، أخافهم الله ، فالمشركون الذين صدوا رسوله ، لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا ، حتى أذن الله له في فتح مكة ، ومنع المشركين من قربان بيته ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }

وأصحاب الفيل ، قد ذكر الله ما جرى عليهم ، والنصارى ، سلط الله عليهم المؤمنين ، فأجلوهم عنه .

وهكذا كل من اتصف بوصفهم ، فلا بد أن يناله قسطه ، وهذا من الآيات العظيمة ، أخبر بها الباري قبل وقوعها ، فوقعت كما أخبر .

واستدل العلماء بالآية الكريمة ، على أنه لا يجوز تمكين الكفار من دخول المساجد .

{ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ } أي : فضيحة كما تقدم { وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، فلا أعظم إيمانا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية ، كما قال تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }

بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها ، فقال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ }

وللمساجد أحكام كثيرة ، يرجع حاصلها إلى مضون هذه الآيات الكريمة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله{[2542]} وسَعَوا في خرابها على قولين :

أحدهما : ما رواه العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس في قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } قال : هم النصارى . وقال مجاهد : هم النصاري ، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن قتادة في قوله : { وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } هو بُخْتَنَصَّر وأصحابه ، خَرَّب بيت المقدس ، وأعانه على ذلك النصارى .

وقال سعيد ، عن قتادة : قال : أولئك أعداء الله النصارى ، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس .

وقال السدي : كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس حتى خربه ، وأمر به أن تطرح فيه الجيف ، وإنما أعانه الروم على خرابه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا . وروي نحوه عن الحسن البصري .

القول الثاني : ما رواه ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } قال : هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، وبين أن يدخلوا مكة حتى نحر هديه بذي طُوَى وهادنهم ، وقال لهم : ما كان أحد يَصُد عن هذا البيت ، وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده . فقالوا : لا يدخل علينا مَنْ قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق .

وفي قوله : { وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } قال : إذ قطعوا من يَعْمُرُها بذكره ويأتيها للحج والعمرة .

وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن سلمة قال : قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن قُرَيشًا منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام ، فأنزل الله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ }

ثم اختار ابن جرير القول الأول ، واحتج بأن قريشًا لم تسع في خراب الكعبة . وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس .

قلت : الذي{[2543]} يظهر - والله أعلم - القول الثاني ، كما قاله ابن زيد ، وروي عن ابن عباس ؛ لأن النصارى إذا منعت اليهود الصلاة في البيت المقدس ، كأن دينهم أقوم من دين اليهود ، وكانوا أقرب منهم ، ولم يكن ذكر الله من اليهود مقبولا إذ ذاك ؛ لأنهم لعنوا من قبل على لسان داود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . وأيضا فإنه تعالى لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى ، شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة ، ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام ، وأما اعتماده على أن قريشا لم تسع في خراب الكعبة ، فأي خراب أعظم مما فعلوا ؟ أخرجوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم ، كما قال تعالى : { وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [ الأنفال : 34 ] ، وقال تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } [ التوبة : 17 ، 18 ] ، وقال تعالى : { هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فتَصُيِبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [ الفتح : 25 ] ، فقال تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ } [ التوبة : 18 ] ، فإذا كان من هو كذلك مطرودًا منها مصدودًا عنها ، فأي خراب لها أعظم من ذلك ؟ وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط ، إنما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها ، ورفعها عن الدنس والشرك .

وقوله تعالى : { أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ } هذا خبر معناه الطلب ، أي لا تُمَكِّنوا هؤلاء - إذا قَدَرُتم عليهم - من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية . ولهذا لما فتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكة أمر من العام القابل في سنة تسع أن ينادى برحاب منى : " ألا لا يَحُجَّن{[2544]} بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عُريان ، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته " . وهذا كان تصديقًا وعملا بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } الآية [ التوبة : 28 ] ، وقال بعضهم : ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين على حال التهيب ، وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلا أن يستولوا عليها ويمنعوا{[2545]} المؤمنين منها . والمعنى : ما كان الحق والواجب إلا ذلك ، لولا ظلم الكفرة وغيرهم .

وقيل : إن هذا بشارة من الله للمسلمين أنه سيُظْهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد ، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفا ، يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم . وقد أنجز الله هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام ، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبقى بجزيرة العرب دينان ، وأن تجلى اليهود والنصارى منها ، ولله الحمد والمنة . وما ذاك إلا تشريف أكناف المسجد الحرام وتطهير البقعة [ المباركة ]{[2546]} التي بعث [ الله ]{[2547]} فيها رسوله إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا صلوات الله وسلامه عليه{[2548]} . وهذا هو الخزي لهم في الدنيا ؛ لأن الجزاء من جنس العمل . فكما صدوا المؤمنين{[2549]} عن المسجد الحرام ، صُدوا عنه ، وكما أجلوهم من مكة أجلوا منها { وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } على ما انتهكوا من حرمة البيت ، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله ، والدعاء إلى غير الله عنده والطواف به عريا ، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله .

وأما من فَسَّر بيت{[2550]} المقدس ، فقال كعب الأحبار : إن النصارى لما ظهروا على بيت المقدس خربوه{[2551]} فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ } الآية ، فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفا .

وقال السدي : فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن يُضْرَب{[2552]} عُنُقُه ، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها .

وقال قتادة : لا يدخلون المساجد إلا مسارقة .

قلت : وهذا لا ينفي أن يكون داخلا في معنى عموم الآية فإن النصارى ما ظلموا بيت المقدس ، بامتهان الصخرة التي كانت يصلي{[2553]} إليها اليهود ، عوقبوا شرعًا وقَدَرا بالذلة فيه ، إلا في أحيان من الدهر امتحن{[2554]} بهم بيت المقدس وكذلك اليهودُ لما عَصَوا الله فيه أيضا أعظم من عصيان النصارى كانت عقوبتهم أعظم والله أعلم .

وفسر هؤلاء الخزي من الدنيا ، بخروج المهدي عند السدي ، وعكرمة ، ووائل بن داود . وفسره قتادة بأداء الجزية عن يد وهم صاغرون .

والصحيح أن الخزي في الدنيا أعم من ذلك كله ، وقد ورد الحديث بالاستعاذة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة كما قال الإمام أحمد : حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا محمد بن أيوب بن ميسرة بن حَلبس{[2555]} سمعت أبي يحدث ، عن بُسْر{[2556]} بن أرطاة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة " {[2557]} .

وهذا حديث حسن ، وليس في شيء من الكتب الستة ، وليس لصحابيه وهو بسر{[2558]} بن أرطاة - ويقال : ابن أبي أرطاة - حديث سواه ، وسوى [ حديث ]{[2559]} " لا تقطع الأيدي في الغزو " .


[2542]:في جـ: "مساجد الله أن يذكر فيها اسمه".
[2543]:في ط، ب: "قلت والذي".
[2544]:في ب، و: "ألا لا يحج"، وفي أ: "أن لا يحج".
[2545]:في جـ، ط، ب: "ويمنعوا".
[2546]:زيادة من جـ.
[2547]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[2548]:في جـ، ب، و: "صلوات الله وسلامه عليه".
[2549]:في أ: "المسلمين".
[2550]:في ط، ب: "ببيت".
[2551]:في أ: حرقوه".
[2552]:في جـ، ط، ب: "أن تضرب".
[2553]:في جـ، ب، و: "كانت تصلى"، وفي أ: "كانت تصل".
[2554]:في أ: "سخر".
[2555]:في جـ، ط، ب: "بن حابس".
[2556]:في أ: "عن بشر".
[2557]:المسند (4/181).
[2558]:في أ: "وهو بشر".
[2559]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

{ ومن أظلم ممن منع مساجد الله } عام لكل من خرب مسجدا ، أو سعى في تعطيل مكان مرشح للصلاة . وإن نزل في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله ، أو في المشركين لما منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية { أن يذكر فيها اسمه } ثاني مفعولي منع { وسعى في خرابها } بالهدم ، أو التعطيل { أولئك } أي المانعون { ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخشوع فضلا عن أن يجترئوا على تخريبها ، أو ما كان الحق أن يدخلوها إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلا عن أن يمنعوهم منها ، أو ما كان لهم في علم الله وقضائه ، فيكون وعدا للمؤمنين بالنصرة واستخلاص المساجد منهم وقد نجز وعده . وقيل : معناه النهي عن تمكينهم من الدخول في المسجد ، واختلف الأئمة فيه فجوز أبو حنيفة ومنع مالك ، وفرق الشافعي بين المسجد الحرام وغيره { لهم في الدنيا خزي } قتل وسبي ، أو ذلك بضرب الجزية { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } بكفرهم وظلمهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ( 114 )

وقوله تعالى { ومن أظلم } الآية ، { من } رفع بالابتداء ، و { أظلم } خبره ، والمعنى لا أحد أظلم( {[1141]} ) .

واختلف في المشار إليه من هذا الصنف الظالم( {[1142]} ) ، فقال ابن عباس وغيره : المراد النصارى الذين كانوا يؤذون من يصلى ببيت المقدس ويطرحون فيه الأقذار ، وقال قتادة والسدي : المراد الروم الذين أعانوا بختنصر على تخريب بيت المقدس حين قتلت بنو إسرائيل يحيى بن زكرياء عليه السلام( {[1143]} ) ، وقيل : المعنّي بختنصر ، وقال ابن زيد : المراد كفار قريش حين صدوا رسول الله صلى عليه وسلم عن المسجد الحرام( {[1144]} ) ، وهذه الآية تتناول كل من منع من مسجد إلى يوم القيامة أو خرب مدينة إسلام ، لأنها مساجد ، وإن لم تكن موقوفة ، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة( {[1145]} ) ، والمشهور مسجد بكسر الجيم ، ومن العرب من يقول مسجد بفتحها ، و { أن يذكر } في موضع نصب : إما على تقدير حذف «من » وتسلط الفعل ، وإما على البدل من المساجد ، وهو بدل الاشتمال الذي شأن البدل في أن يتعلق بالمبدل منه ويختص به أو تقوم به صفة ، ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله( {[1146]} ) ، ويجوز أن تكون { أن } في موضع خفض على إسقاط حرف الجر ، ذكره سيبويه ، ومن قال من المفسرين إن الآية بسبب بيت المقدس جعل الخراب الحقيقي الموجود( {[1147]} ) ، ومن قال هي بسبب المسجد الحرام جعل منع عمارته خراباً ، إذ هو داع إليه ، ومن جعل الآية في النصارى روى أنه مر زمان بعد ذلك لا يدخل نصراني بيت المقدس إلا أوجع ضرباً ، قاله قتادة والسدي( {[1148]} ) ، ومن جعلها في قريش قال كذلك نودي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحج مشرك ، ( {[1149]} ) و { خائفين } نصب على الحال ، وهذه الآية ليست بأمر بين منعهم من المساجد ، لكنها تطرق إلى ذلك وبدأة فيها وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين( {[1150]} ) .

ومن جعل الآية في النصارى قال : الخزي قتل الحربي وجزية الذمي ، وقيل : الفتوح الكائنة في الإسلام كعمورية وهرقلة( {[1151]} ) وغير ذلك ، ومن جعلها في قريش جعل الخزي غلبتهم في الفتح وقتلهم والعذاب في الآخرة لمن مات منهم كافراً ، و { خزي } رفع بالابتداء وخبره في المجرور .


[1141]:- يشير إلى أن الاستفهام ليس حقيقيا، بل هو بمعنى النفي، وذلك أبلغ دلالة على أن هذا الظلم بلغ الغاية والنهاية.
[1142]:- أي في المراد بقوله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله) الآية.
[1143]:- قال أبو بكر الرازي: لا خلاف بين أهل العلم بالسير أن عهد بخت نصر كان قبل مولد المسيح عليه السلام بدهر طويل.
[1144]:- هذا أرجح الأقوال كما للحافظ ابن (ك) رحمه الله، وتبعه العلامة القاسمي رحمه الله، فالآية توجه الذم إلى المشركين الذين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة، ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام، وصدوهم عنه عام الحديبية، وأي خراب أعظم من هذا؟ انظر ابن (ك). وحديث صد المسلمين عن بيت الله الحرام عام الحديبية أخرجه البخاري في "باب الشروط" في "الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب"، واعتنى به رحمه الله فساقه مطولا في عدة صفحات، وهو حديث عظيم يجمع فوائد ومعاني كثيرة.
[1145]:- لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند المحقيقين.
[1146]:- بتقدير: كراهية أن يُذكر.
[1147]:- أي الموجود في بيت المقدس من طرف البابليين أولا، ومن طرف الرومانيين ثانيا.
[1148]:- هذا وما بعده مرتب على قوله تعالى: (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين).
[1149]:- أي في السنة التاسعة نودي: «ألا لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته»، وهو حديث متفق عليه.
[1150]:- وعد للمؤمنين بإظهارهم على المسجد الحرام، ووعيد للمشركين بإذلالهم حتى لا يدخله واحد منهم إلا خائفا، وقد أنجز الله وعده فمنعهم من دخول المسجد الحرام ونادى فيهم (عام حج) أبو بكر رضي الله عنه: «ألا لا يحجن بعد العام مشرك». وفي حق المشركين يقول الله تعالى: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) وفي حق المؤمنين يقول: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله) الآية.
[1151]:- عمُّورية – بلدة في آسيا الصغرى وكانت حصنا منيعا من حصون الروم، فتحها (المعتصم) وخلدها هي ومعركة فتحها أبو تمام بقصيدته التي مطلعها: السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب وفيها يقول: يا يوم وقعة عمورية انصرفت عنك المنى حُفَّلا مَعْسولة الحلبِ أما (هرقلة) فتقع إلى الغرب من (أدنة) قرب الساحل الجنوبي لتركيا –جهة الشرق- على البحر المتوسط. وقد فتحها المأمون بنفسه.