النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

قوله عز وجل : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنَ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } أما المساجد فهي مواضع العبادات ، وفي المراد بها هاهنا قولان :

أحدهما : ما نسب إلى التعبد من بيوت الله تعالى استعمالاً لحقيقة الاسم .

والثاني : أنَّ كُلَّ موضع من الأرض ، أقيمت فيه عبادة من بيوت الله وغيرها مسجد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " جُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِداً " . وفي المانع مساجد الله أن يُذْكَرَ فيها اسمه ، أربعة أقاويل :

أحدها : أنه بُخْتَ نصر وأصحابه من المجوس الذين خربوا بيت المقدس ، وهذا قول قتادة .

والثاني : أنهم النصارى الذين أعانوا ( بُخْتَ نَصّر ) على خرابه ، وهذا قول السدي .

والثالث : أنهم مشركو قريش ، منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام عام الحديبية ، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد .

والرابع : أنه عَامٌّ في كل مشرك ، منع من كل مسجد .

وفي قوله تعالى : { وَسَعَى في خَرَابِهَا } تأويلان :

أحدهما : بالمنع من ذكر الله فيها .

والثاني : بهدمها .

{ أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خَآئِفِينَ } فيه تأويلان :

أحدهما : خائفين بأداء الجزية ، وهذا قول السدي .

والثاني : خائفين من الرعب ، إن قُدر عليهم عوقبوا ، وهذا قول قتادة .

{ لَهُمْ في الدُّنْيَا خِزْيٌ } فيه تأويلان :

أحدهما : أنه قتل الحربي وجزية الذمي .

والثاني : أنه فتح مدائنهم عمورية ، وقسطنطينية ، ورومية ، وهذا قول ابن عباس .

{ وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } هو أشد من كل عذاب ، لأنهم أظلم من كل ظالم .