فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

{ خزي } ذل وهوان .

{ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها } استفهام يراد به النفي فكأن المعنى لا أحد أشد ظلما من الذي يمنع الناس من مساجد الله وإتيانها والعكوف فيها كراهية أن يذكر فيها اسم الواحد المعبود الملك الحميد المجيد وسعي في خراب المساجد بانقطاع الذكر أو تخريب البنيان ( قيل أن قوله { ومن أظلم } الذي هو في قوة : ليس أحد أظلم ليس على عمومه لأن الشرك أعظم من هذا الفعل { . . إن الشرك لظلم عظيم }{[418]} وكذا الزنا وقتل النفس ؛ قلت أما استعمال لفظ الظلم في هذا المعنى ففي غاية الحسن لأن المسجد موضوع لذكر الله تعالى فيه لأن المانع من ذلك واضع للشيء في غير موضعه وأما أنه لا أظلم منه فلأنه إن كان مشركا فقد جمع مع شركه هذه الخصلة الشنعاء فلا أظلم منه وإن كان يدعي الإسلام ففعله مناقض لقوله لأن من اعتقد أن له معبودا عرف وجوب عبادته له عقلا أو شرعا ، والعبادة تستدعي معبدا لا محالة فتخريب المتعبد ينبئ عن إنكار العبادة وإنكار العبادة يستدعي إنكار المعبود فهذا الشخص لا يكون في الحقيقة مسلما وإنما هو منخرط في سلك أهل النفاق ، والمنافق كافر أسوأ حال من الكافر الأصلي باتفاق ) . {[419]}

{ أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } هؤلاء الذين سعوا في خرائب المساجد ليس لهم أن يدخلوها وهذا إن كان خبرا إلا أنه قد يراد به الأمر أي جاهدوهم واستأصلوهم حتى لا يدخل أحد منهم مساجد الله أو المسجد الحرام { لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم } وكل ساع في تخريب بيوت الله يناله الذل والصغار في الدنيا ويحل عليه في الآخرة عذاب شديد مقيم .


[418]:سورة لقمان من الآية 13.
[419]:ما بين العلامتين ( ) من تفسير غرائب القرآن.