فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

هذا الاستفهام فيه أبلغ دلالة على أن هذا الظلم متناه ، وأنه بمنزلة لا ينبغي أن يلحقه سائر أنواع الظلم : أي : لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله ، واسم الاستفهام في محل رفع على الابتداء ، وأظلم خبره . وقوله : { أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه } قيل : هو بدل من مساجد . وقيل : إنه مفعول له بتقدير كراهية أن يذكر . وقيل : إن التقدير من أن يذكر ، ثم حذف حرف الجر لطول الكلام ؛ وقيل إنه مفعول ثان لقوله : { مَنَعَ } والمراد بمنع المساجد أن يذكر فيها اسم الله : منع من يأتي إليها للصلاة ، والتلاوة ، والذكر ، وتعليمه . والمراد بالسعي في خرابها : هو السعي في هدمها ، ورفع بنيانها ، ويجوز أن يراد بالخراب تعطيلها عن الطاعات التي وضعت لها ، فيكون أعم من قوله : { أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه } فيشمل جميع ما يمنع من الأمور التي بنيت لها المساجد ، كتعلم العلم وتعليمه ، والقعود للاعتكاف ، وانتظار الصلاة ، ويجوز أن يراد ما هو أعم من الأمرين من باب عموم المجاز ، كما قيل في قوله تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله } [ التوبة : 18 ] .

وقوله : { مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ } أي : ما كان ينبغي لهم دخولها إلا حال خوفهم ، وفيه إرشاد للعباد من الله عزّ وجل أنه ينبغي لهم أن يمنعوا مساجد الله من أهل الكفر من غير فرق بين مسجد ومسجد ، وبين كافر وكافر ، كما يفيده عموم اللفظ ، ولا ينافيه خصوص السبب ، وأن يجعلوهم بحالة إذا أرادوا الدخول كانوا على وجل وخوف ، من أن يفطن لهم أحد من المسلمين ، فينزلون بهم ما يوجب الإهانة ، والإذلال ، وليس فيه الإذن لنا بتمكينهم من ذلك حال خوفهم ، بل هو كناية عن المنع لهم منا عن دخول مساجدنا ، والخزي : قيل : هو ضرب الجزية عليهم ، وإذلالهم ، وقيل غير ذلك ، وقد تقدّم تفسيره .

/خ115