31- فلما سمعت باغتيابهن وسوء كلامهن فيها ، دعتهن إلى بيتها ، وأعدت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد والنمارق ، وأعطت كل واحدة منهن سكيناً ، بعد أن حضرن وجلسن متكئات ، وقُدِّم لهن الطعام ليأكلن بالسكاكين ما تناله منه أيديهن . وقالت ليوسف : اخرج عليهن ، فلما ظهر ورأينه أعظمنه وأخذهن حسنُه الرائع وجماله البارع ، فجرحن أيديهن من فرط الدهشة والذهول ، وهن يأكلنْ طعامهن ، قلن متعجبات مندهشات : تنزيهاً لله ، ما هذا الذي نراه بشراً ؛ لأن البشر لا يكون على هذا الحسن والجمال والصفاء والنقاء ، ما هذا إلا ملك كثير المحاسن طيب الشمائل ، سخي الصفات .
{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } تدعوهن إلى منزلها للضيافة .
{ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً } أي : محلا مهيأ بأنواع الفرش والوسائد ، وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة ، وكان في جملة ما أتت به وأحضرته في تلك الضيافة ، طعام يحتاج إلى سكين ، إما أترج ، أو غيره ، { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا } ليقطعن فيها ذلك الطعام { وَقَالَتِ } ليوسف : { اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } في حالة جماله وبهائه .
{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي : أعظمنه في صدورهن ، ورأين منظرا فائقا لم يشاهدن مثله ، { وَقَطَّعْنَ } من الدهش { أَيْدِيَهُنَّ } بتلك السكاكين اللاتي معهن ، { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ } أي : تنزيها لله { مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } وذلك أن يوسف أعطي من الجمال الفائق والنور والبهاء ، ما كان به آية للناظرين ، وعبرة للمتأملين .
{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } قال بعضهم : بقولهن . وقال محمد بن إسحاق : بل{[15145]} بَلَغهُنَّ حُسْنُ يوسف ، فأحببن أن يرينه ، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته ، فعند ذلك { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي : دعتهن إلى منزلها لتضيفهن { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً }
قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والحسن ، والسدي ، وغيرهم : هو المجلس المعد ، فيه مفارش ومخاد وطعام ، فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج{[15146]} ونحوه . ولهذا قال تعالى : { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا } وكان هذا مكيدة منها ، ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته ، { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر ، { فَلَمَّا } خرج و { رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي : أعظمن شأنه ، وأجللن قدره ؛ وجعلن يقطعن أيديهن دَهَشا برؤيته ، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج{[15147]} بالسكاكين ، والمراد : أنهن حززن أيديهن بها ، قاله غير واحد .
وعن مجاهد ، وقتادة : قطعن أيديهن حتى ألقينها ، فالله{[15148]} أعلم .
وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن ، ثم وضعت بين أيديهن أترجا{[15149]} وآتت كل واحدة منهن سكينا : هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن : نعم . فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن{[15150]} فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن ، ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبلا ومدبرا ، وهن يحززن في أيديهن ، فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن ، فقالت : أنتن من نظرة واحدة فعلتن هكذا ، فكيف ألام أنا ؟ فقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ، ثم قلن لها : وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا ، لأنهن لم يرين في البشر شبهه ولا قريبا منه ، فإنه ، صلوات الله عليه وسلم{[15151]} كان قد أعطي شطر الحسن ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف ، عليه السلام ، في السماء الثالثة ، قال : " فإذا هو قد أعطي شطر الحسن " {[15152]} وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطي يوسف وأمه شطر الحسن " {[15153]} وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن .
وقال أبو إسحاق أيضا ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : كان وجه يوسف مثل البرق ، وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به .
ورواه الحسن البصري مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ، وأعطى الناس الثلثين - أو قال : أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث " {[15154]} وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ربيعة الجُرَشي قال : قسم الحسن نصفين ، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن . والنصف الآخر بين سائر الخلق .
وقال الإمام أبو القاسم السهيلي : معناه : أن يوسف كان على النصف من حسن آدم ، عليه السلام ، فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها ، ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله ، وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه .
فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته : { حَاشَ لِلَّهِ } قال مجاهد وغير واحد : معاذ الله ، { مَا هَذَا بَشَرًا } وقرأ بعضهم : " ما هذا بِشِرىً " أي : بمشترى .
{ إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن يحبّ لجماله وكماله .
{ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } أي : فامتنع . قال بعضهم : لما رأين جماله الظاهر ، أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن ، وهي{[15155]} العفة مع هذا الجمال ، ثم قالت تتوعد{[15156]} { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ } فعند ذلك استعاذ يوسف ، عليه السلام ، من شرهن وكيدهن ، وقال : { رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } أي : من الفاحشة ، { وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } أي : إن وكلتني إلى نفسي ، فليس لي من نفسي قدرة ، ولا أملك لها ضرا ولا نفعا إلا بحولك وقوتك ، أنت المستعان وعليك التكلان ، فلا تكلني إلى نفسي .
{ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وذلك أن يوسف ، عليه السلام ، عَصَمه الله عصمة عظيمة ، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع ، واختار السجن على ذلك ، وهذا في غاية مقامات الكمال : أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته ، وهي امرأة عزيز مصر ، وهي مع هذا في{[15157]} غاية الجمال والمال ، والرياسة ويمتنع من ذلك ، ويختار السجن على ذلك ، خوفا من الله ورجاء ثوابه .
ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله{[15158]} ورجل قلبه معلق بالمسجد{[15159]} إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا{[15160]} عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب ، فقال : إني أخاف الله " {[15161]}
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئاً وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مّنْهُنّ سِكّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنّ فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطّعْنَ أَيْدِيَهُنّ وَقُلْنَ حَاشَ للّهِ مَا هََذَا بَشَراً إِنْ هََذَآ إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : فلما سمعت امرأة العزيز بمكر النسوة اللاتي قلن في المدينة ما ذكره الله عزّ وجلّ عنهنّ . وكان مكرهنّ ما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ } ، يقول : بقولهنّ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما أظهر النساء ذلك من قولهنّ : تراود عبدها مكرا بها لتريهنّ يوسف ، وكان يوصف لهنّ بحسنه وجماله ، { فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ أرْسَلَتْ إلَيْهِنّ وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا } .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ } ، أي : بحديثهنّ ، { أرْسَلَتْ إلَيْهِنّ } ، يقول : أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدّثن بشأنها وشأن يوسف .
{ وأعْتَدَتْ } : أفعلت من العتاد ، وهو العدّة ، ومعناه : أعدّت لهنّ متكئا ، يعني : مجلسا للطعام ، وما يتكئن عليه من النمارق والوسائد ، وهو مفتعل من قول القائل : اتكأت ، يقال : ألقِ له مُتّكَئا ، يعني : ما يتكىء عليه .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن اليمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سيعد : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا } ، قال : طعاما وشرابا ومتكئا .
قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : يتكئن عليه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية . عن عليّ ، عن ابن عباس : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكأً } ، قال : مجلسا .
قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن أنه كان يقرأ : { مُتّكَأً } ، ويقول : هو المجلس ، والطعام .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد : من قرأ : { مُتكَأً } ، خفيفة ، يعني : طعاما ، ومن قرأ : { مُتّكَأً } ، يعني : المتكأ .
فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه من تأويل هذه الكلمة ، هو معنى الكلمة وتأويل المتكأ ، وأنها أعدّت للنسوة مجلسا فيه متكأً ، وطعام ، وشراب ، وأترجّ . ثم فسّر بعضهم المتكأ بأنه الطعام على وجه الخبر عن الذين أعدّ من أجله المتكأ ، وبعضهم عن الخبر عن الأترجّ ، إذ كان في الكلام : { وآتت كلّ واحدة منهن سكينا } ، لأن السكين إنما تعدّ للأترجّ وما أشبهه مما يقطع به . وبعضهم على : البزماورد .
حدثني هارون بن حاتم المقرىء ، قال : حدثنا هشيم بن الزبرقان ، عن أبي روق عن الضحاك ، في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا } ، قال : البزماورد .
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : المتكأ : هو النّمرق يتكأ عليه . وقال : زعم قوم أنه الأترجّ ، قال : وهذا أبطل باطل في الأرض ، لكن عسى أن يكون مع المتكإ أترجّ يأكلونه . وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة ، ثم قال : والفقهاء أعلم بالتأويل منه . ثم قال : ولعله بعض ما ذهب من كلام العرب ، فإن الكسائي كان يقول : قد ذهب من كلام العرب شيء كثير انقرض أهله . والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة ، كما قال أبو عبيدة ، لا شكّ فيه ، غير أن أبا عبيدة لم يبعد من الصواب في هذا القول ، بل القول كما قال من أن من قال للمتكإ هو الأترجّ إنما بين المعدّ في المجلس الذي فيه المتكأ والذي من أجله أعطين السكاكين ، لأن السكاكين معلوم أنها لا تعدّ للمتكإ إلا لتخريقه ، ولم يُعْطَين السكاكين لذلك . ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ، من أن المتكإ هو : المجلس .
حدثني به سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا } ، قال : أعطتهنّ أترجّا ، وأعطت كل واحدة منهنّ سكينا .
فبين ابن عباس في رواية مجاهد هذه ما أعطت النسوة ، وأعرض عن ذكر بيان معنى المتكإ ، إذا كان معلوما معناه .
ذكر من قال في تأويل المتكإ ما ذكرنا :
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا } ، قال : التُّرُنْج .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، قال : حُدثت عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : { مُتْكا } ، مخففة ، ويقول : هو الأترجّ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : الطعام .
حدثني يعقوب والحسن بن محمد ، قالا : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : طعاما .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، مثله .
حدثنا ابن بشار وابن وكيع ، قالا : حدثنا غندر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : طعاما .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبيرة نحوه .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : من قرأ : { مُتّكَأً } ، فهو : الطعام ، ومن قرأها : { مُتّكا } ، فخففها ، فهو : الأترجّ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { مُتّكَأً } ، قال : طعاما .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد . وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو خالد القرشي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : من قرأ : { مُتْكأً } ، خفيفة ، فهو : الأترجّ .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، قال : سمعت بعضهم يقول : الأترجّ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، أي : طعاما .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
قال : حدثنا يزيد ، عن أبي رجاء ، عن عكرمة ، في قوله : { مُتّكَأً } ، قال : طعاما .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، يعني : الأترجّ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، والمتكأ : الطعام .
قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : الطعام .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : طعاما .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { مُتّكَأً } ، فهو كلّ شيء يجزّ بالسكين .
قال الله تعالى ذكره مخبرا عن امرأة العزيز والنسوة اللاتي تحدّثن بشأنها في المدينة : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا } ، يعني بذلك جلّ ثناؤه : وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتي حضرنها سكينا لتقطع به من الطعام ما تقطع به ، وذلك ما ذكرت أنها آتتهنّ ، إما من الأترجّ ، وإما من البزماورد ، أو غير ذلك مما يقطع بالسكين . كما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا } ، وأترجّا يأكلنه .
حدثنا سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكينا } ، قال : أعطتهن أترجّا ، وأعطت كل واحدة منهنّ سكينا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنُهْنّ سِكّينا } ، ليحتززن به من طعامهنّ .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا } : وأعطتهنّ ترنجا وعسلاً ، فكنّ يحززن الترنج بالسكين ، ويأكلن بالعسل .
قال أبو جعفر : وفي هذه الكلمة بيان صحة ما قلنا واخترنا في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ؛ وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن إيتاء امرأة العزيز النسوة السكاكين ، وترك ماله آتتهنّ السكاكين ، إذا كان معلوما أن السكاكين لاتدفع إلى من دعي إلى مجلس إلا لقطع ما يؤكل إذا قطع بها ، فاستغني بفهم السامع بذكر إيتائها صواحباتها السكاكين عن ذكر ماله آتتهنّ ذلك ، فكذلك استغني بذكر اعتدادها لهنّ المتكأ عن ذكر ما يعتدّ له المتكأ مما يحضر المجالس من الأطعمة والأشربة والفواكه وصنوف الالتهاء لفهم السامعين بالمراد من ذلك ، ودلالة قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } عليه . فأما نفس المتكأ ، فهو ما وصفنا خاصة دون غيره .
وقوله : { وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنّ فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، يقول تعالى ذكره : وقالت امرأة العزيز ليوسف : { اخْرُجْ عَلَيْهِنّ } ، فخرج عليهنّ يوسف ، { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، يقول جلّ ثناؤه : فلما رأين يوسف أعظمنه وأجللنه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { أكْبَرْنَهُ } : أعظمنه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح . قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، أي : أعظمنه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنّ } ، ليوسف ، { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } : عظمنه .
حدثنا إسماعيل بن سيف العجلي ، قال : حدثنا عليّ بن عابس ، قال : سمعت السديّ يقول في قوله : { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، قال : أعظمنه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { اخْرُجْ عَلَيْهِنّ } ، فخرج ، { فَلَمّا رأيْنَهُ } ، أعظمنه ، وبهتن .
حدثنا إسماعيل بن سيف ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عليّ الهاشميّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، في قوله : { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، قال : حِضْنَ .
حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، يقول : أعظمنه .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قال أبو جعفر : وهذا القول ، أعني القول الذي رُوي عن عبد الصمد ، عن أبيه ، عن جده ، في معنى : أكْبَرْنَهُ أنه حِضْنَ ، إن لم يكن عنى به أنهنّ حضن من إجلالهنّ يوسف وإعظامهنّ لما كان الله قسم له من البهاء والجمال ، ولما يجد من مثل ذلك النساء عند معايَنتهنّ إياه ، فقول لا معنى له لأن تأويل ذلك : فلما رأين يوسف أكبرنه ، فالهاء التي في أكبرنه من ذكر يوسف ، ولا شكّ أن من المحال أن يَحِضْن يوسف ، ولكن الخبر إن كان صحيحا عن ابن عباس على ما رُوي ، فخليق أن يكون كان معناه في ذلك أنهن حضن لما أكبرن من حُسن يوسف وجماله في أنفسهن ، ووجدن ما يجد النساء من مثل ذلك . وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده في " أكبرن " ، بمعنى : " حضن " ، بيتا لا أحسب أن له أصلاً ، لأنه ليس بالمعروف عند الرواة ، وذلك :
نَأْتِي النّسَاءَ على أطْهارِهِنّ وَلا *** نَأْتِي النّساءَ إذَا أكْبَرْنَ إكْبارا
وقوله : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : أنهن حززن بالسكين في أيديهن ، وهن يحسبن أنهنّ يقطعن الأترجّ .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، حزّا حزّا بالسكين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : حزّا حزّا بالسكاكين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : وثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : حزّا حزّا بالسكين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : جعل النسوة يحززن أيديهنّ ، يحسبن أنهن يقطعن الأترجّ .
حدثنا إسماعيل بن سيف ، قال : حدثنا عليّ بن عابس ، قال : سمعت السديّ يقول : كانت في أيديهن سكاكين مع الأترجّ ، فقطعن أيديهن ، وسالت الدماء ، فقلن : نحن نلومك على حبّ هذا الرجل ، ونحن قد قطّعنا أيدينا ، وسالت الدماء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : جعلن يَحِززن أيديهن بالسكين ، ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنج ، قد ذهبت عقولهنّ مما رأين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } : وحززن أيديهن .
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا ابن كدينة ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : جعلن يقطعن أيديهن ، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترجّ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : جعلن يحززن أيديهن ، ولا يشعرن بذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قالت ليوسف : اخرج عليهنّ فخرج عليهن ، فلما رأينه أكبرنه ، وغلبت عقولهن عجبا حين رأينه ، فجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن ما يعقلن شيئا مما يصنعن ، { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هَذَا بَشَرا } .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهن قطعن أيديهن حتى أبنّها ، وهن لا يشعرن .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : { قطّعن أيديهن } ، حتى ألقينها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : قطعن أيديهن حتى ألقينها .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عنهن أنهن قطعن أيديهن ، وهن لا يشعرن لإعظام يوسف ، وجائز أن يكون ذلك كان قطعا بإبانة ، وجائز أن يكون كان قطع حزّ وخدش ، ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنزيل .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبد الله ، مثله .
وبه عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : قسم ليوسف وأمه ثلثُ الحسن .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : أعطي يوسف وأمه ثلثَ حسن الخلق .
حدثني أحمد بن ثابت ، وعبد الله بن الرازيان ، قالا : حدثنا عفان ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا ثابت ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «أُعْطِيَ يُوسُفُ وأُمّهُ شَطْرَ الحُسْنِ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي معاذ ، عن يونس ، عن الحسن ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «أُعْطِيَ يُوسُفُ وأُمّهُ ثُلُثَ حُسْنِ أهْلِ الدّنْيا ، وأُعْطِيَ النّاسُ الثّلُثَيْنِ » ، أو قال : «أُعْطِيَ يُوسُفُ وأُمّهُ الثّلُثَيْنِ ، وأُعْطِيَ النّاسُ الثّلُثَ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ربيعة الجرشي ، قال : قسم الحسن نصفين ، فأعطي يوسف وأمه سارّة نصف الحسن ، والنصف الآخر بين سائر الخلق .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ربيعة الجرشي ، قال : قسم الحسن نصفين : فقسم ليوسف وأمه النصف ، والنصف لسائر الناس .
حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ربيعة الجرشي ، قال : قسم الحسن نصفين ، فجعل ليوسف وسارّة النصف ، وجعل لسائر الخلق نصف .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عيسى بن يزيد ، عن الحسن : أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا ، وأعطي الناس الثلثين .
وقوله : { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ } ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك :
فقرأته عامة قرأة الكوفيين : { حاشَ لِلّهِ } ، بفتح الشين وحذف الياء . وقرأه بعض البصريين بإثبات الياء : { حاشى لله } . وفيه لغات لم يقرأ بها : { حاشَى اللّهِ } ، كما قال الشاعر :
حاشَى أبي ثَوْبانَ إنّ بهِ *** ضَنّا عَنِ المَلْحاةِ والشّتْمِ
وذُكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة : { حاشْ اللّهَ } ، بتسكين السين والألف يجمع بين الساكنين . وأما القراءة فإنما هي بإحدى اللغتين الأوليين ، فمن قرأ : { حاشَ لِلّهِ } ، بفتح الشين وإسقاط الياء ، فإنه أراد لغة من قال : { حاشى لله } ، بإثبات الياء ، ولكنه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب ، كما حذفت العرب الألف من قولهم : لا أب لغيرك ، ولا أب لشانيك ، وهم يعنون : لا أبا لغيرك ، ولا أبا لشانيك .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يزعم أن لقولهم : «حاشى لله » ، موضعين في الكلام : أحدهما : التنزيه ، والآخر : الاستثناء ، وهو في هذا الموضع عندنا بمعنى : التنزيه لله ، كأنه قيل : معاذ الله .
وأما القول في قراءة ذلك ، فإنه يقال للقارىء ، في قراءته بأيّ القراءتين شاء ، إن شاء بقراءة الكوفيين ، وإن شاء بقراءة البصريين ، وهو : { حاشَ لِلّهِ } ، و{ حاشَى لِلّهِ } ؛ لأنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان بمعنى واحد ، وما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها ، لأنا لا نعلم قارئا قرأ بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ } ، قال : معاذ الله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { حاشَ لِلّهِ } : معاذ الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ } : معاذ الله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { حاشَ لِلّهِ } : معاذ الله .
قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن عمرو ، عن الحسن : { حَاشَ لِلّهِ } : معاذ الله .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقوله : { ما هَذَا بَشَرا } ، يقول : قلن : ما هذا بشرا ، لأنهنّ لم يرين في حسن صورته من البشر أحدا ، فقلن : لو كان من البشر لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر ، ولكنه من الملائكة لا من البشر . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هَذَا بَشَرا } : ما هكذا تكون البشر .
وبهذه القراءة قرأ عامة قرأة الأمصار . وقد :
حُدثت عن يحيى بن زياد الفراء ، قال : ثني دعامة بن رجاء التيمي ، وكان غرّا ، عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأ : { ما هَذَا بِشِرًى } ، أي : ما هذا بمشترًى ، يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثله مستعبدا يشتري ويباع . وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع قرأة الأمصار على خلافها . وقد بيّنا أن ما أجمعت عليه فغير جائز خلافها فيه . وأما نصب البشر ، فمن لغة أهل الحجاز إذا أسقطوا الباء من الخبر نصبوه ، فقالوا : ما عمرو قائما . وأما أهل نجد ، فإن من لغتهم رفعه ، يقولون : ما عمرو قائم ، ومنه قول بعضهم حيث يقول :
لَشَتّانَ ما أنْوِي وَينْوِي بنُو أبي *** جميعا ، فما هَذَانِ مُسْتَوِيانِ
تَمّنْوا لِيَ المْوتَ الذي يَشْعَبُ الفَتى *** وكُلّ فَتى والمَوْتُ يَلْتَقِيانِ
وأما القرآن ، فجاء بالنصب في كل ذلك ، لأنه نزل بلغة أهل الحجاز .
وقوله : { إنْ هَذَا إلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ، يقول : قلن ما هذا إلا ملَك من الملائكة . كما :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { إنْ هَذَا إلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ، قال : قلن : ملَك من الملائكة .
وقوله تعالى : { فلما سمعت بمكرهن } الآية ، إنما سمي قولهن مكراً من حيث أظهرن إنكار منكر وقصدن إثارة غيظها عليهن ، وقيل : { مكرهن } أنهن أفشين ذلك عنها وقد كانت أطلعتهن على ذلك واستكتمتهن إياه ، وهذا لا يكون مكراً إلا بأن يظهرن لها خلاف ذلك ويقصدن بالإفشاء أذاها .
ومعنى { أرسلت إليهن } أي ليحضرن ، و { أعتدت } معناه : أعدت ويسرت ، و { متكأ } ما يتكأ عليه من فرش ووسائد ، وعبر بذلك عن مجلس أعد لكرامة ، ومعلوم أن هذا النوع من الكرامات لا يخلو من الطعام والشراب ، فلذلك فسر مجاهد وعكرمة «المتكأ » بالطعام ؛ قال ابن عباس : { متكأ } معناه مجلساً ، ذكره الزهراوي . وقال القتبي : يقال : اتكأنا عند فلان أي أكلنا .
وقوله : { وآتت كل واحدة منهن سكيناً } يقتضي أنه كان في جملة الطعام ما يقطع بالسكاكين ، فقيل كان لحماً ، وكانوا لا ينتهسون اللحم وإنما كانوا يأكلونه حزاً بالسكاكين ؛ وقيل : كان أترجاً{[6658]} ، وقيل : كان زماورد{[6659]} ، وهو من نحو الأترج موجود في تلك البلاد ، وقيل : هو مصنوع من سكر ولوز وأخلاط .
وقرأ ابن عباس ومجاهد والجحدري وابن عمر وقتادة والضحاك والكلبي وأبان بن تغلب «تُكاً » بضم الميم وتنوين الكاف . واختلف في معناه ، فقيل : هو الأترنج ، وقيل : هو اسم يعم ما يقطع بالسكين من الفواكه كالأترنج والتفاح وغيره ، وأنشد الطبري :
نشرب الإثم بالصواع جهاراً*** وترى المتك بيننا مستعارا{[6660]}
وقرأ الجمهور : «متَّكأ » بشد التاء المفتوحة والهمز والقصر ، وقرأ الزهري : «متّكا » مشدد التاء من غير همز - وهي قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح ، وقرأ الحسن «متكاء » بالمد على إشباع الحركة .
و «السكين » تذكر وتؤنث ، قاله الكسائي والفراء{[6661]} ، ولم يعرف الأصمعي إلا التذكير .
وقولها : { اخرج } أمر ليوسف ، وأطاعها بحسب الملك ، وقال مكي والمهدوي : قيل : إن في الآية تقديماً وتأخيراً في القصص ، وذلك أن قصة النسوة كانت قبل فضيحتها في القميص للسيد ، وباشتهار الأمر للسيد انقطع ما بينها وبين يوسف .
قال القاضي أبو محمد : وهذا محتمل إلا أنه لا يلزم من ألفاظ الآية ، بل يحتمل أن كانت قصة النساء بعد قصة القميص وذلك أن العزيز كان قليل الغيرة بل قومه أجمعين ، ألا ترى أن الإنكار في وقت القميص إنما كان بأن قيل : { إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم } [ يوسف : 28 ] وهذا يدل على قلة الغيرة ، ثم سكن الأمر بأن قال : { يوسف أعرض عن هذا } [ يوسف : 29 ] وأنت { استغفري } [ يوسف : 29 ] وهي لم تبق حينئذ إلا على إنكارها وإظهار الصحة ، فلذلك تغوفل عنها بعد ذلك ، لأن دليل القميص لم يكن قاطعاً وإنما كان أمارة ما ؛ هذا إن لم يكن المتكلم طفلاً .
وقوله : { أكبرنه } معناه : أعظمنه واستهولن جماله ، هذا قول الجمهور ، وقال عبد الصمد بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده : معناه : حضن ، وأنشد بعض الناس حجة لهذا التأويل : [ البسيط ]
يأتي النساء على أطهارهنّ ولا*** يأتي النساءَ إذا أكبرن إكبارا{[6662]}
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف من معناه منكور ، والبيت مصنوع مختلف - كذلك قال الطبري وغيره من المحققين ، وليس عبد الصمد من رواة العلم رحمه الله .
وقوله : { وقطّعن أيديهن } أي كثرن الحز فيها بالسكاكين ، وقال عكرمة : «الأيدي » هنا الأكمام ، وقال مجاهد هي الجوارح ، وقطعنها حتى ألقينها .
قال القاضي أبو محمد : فظاهر هذا أنه بانت الأيدي ، وذلك ضعيف من معناه ، وذلك أن قطع العظم لا يكون إلا بشدة ، ومحال أن يسهو أحد عنها ، والقطع على المفصل لا يتهيأ إلا بتلطف لا بد أن يقصد ، والذي يشبه أنهن حملن على أيديهن الحمل الذي كن يحملنه قبل المتك فكان ذلك حزاً ، وهذا قول الجماعة .
وضوعفت الطاء في { قطّعن } لكثرتهن وكثرة الحز فربما كان مراراً .
وقرأ أبو عمرو وحده «حاشى لله » وقرأ أبيّ وابن مسعود «حاشى الله » ، وقرأ سائر السبعة «حاش لله ، وفرقة » حشا{[6663]} لله «وهي لغة ، وقرأ الحسن » حاش لله{[6664]} «بسكون الشين وهي ضعيفة وقرأ الحسن - أيضاً - » حاش الإلاه «محذوفاً من » حاشى « . فأما » حاش «فهي حيث جرت حرف معناه الاستثناء ، كذا قال سيبويه ، وقد ينصب به ، تقول : حاشى زيد وحاشى زيداً ، قال المبرد : النصب أولى إذ قد صح أنها فعل بقولهم : حاش لزيد ، والحرف لا يحذف منه .
قال القاضي أبو محمد : يظهر من مجموع كلام سيبويه والمبرد أن الحرف يخفض به لا غير ، وأن الفعل هو الذي ينصب به ، فهذه اللفظة تستعمل فعلاً وحرفاً ، وهي في بعض المواضع فعل وزنه فاعل ، وذلك في قراءة من قرأ » حاشى لله{[6665]} «معناه مأخوذ من معنى الحرف ، وهو إزالة الشيء عن معنى مقرون به ، وهذا الفعل مأخوذ من الحشا أي هذا في حشى وهذا في حشى ، ومن ذلك قول الشاعر : [ المعطل الهذلي ] .
يقول الذي يمسي إلى الحرز أهله*** بأي الحشى صار الخليط المباين{[6666]}
ومنه الحاشية كأنها مباينة لسائر ما هي له ، ومن المواضع التي حاشى فيه فعل هذه الآية ، يدل على ذلك دخولها على حرف الجر ، والحروف لا تدخل بعضها على بعض ، ويدل على ذلك حذف الياء منها في قراءة الباقين » حاش «على نحو حذفهم من لا أبال ولا أدر ولو تر ، ولا يجوز الحذف من الحروف إلا إذا كان فيها تضعيف مثل : لعل ، فيحذف ، ويرجع عل ، ويعترض في هذا الشرط بمنذ وفد حذف دون تضعيف فتأمله .
قال القاضي أبو محمد : ومن ذلك في حديث خالد يوم مؤتة : فحاشى بالناس ، فمعنى » حاشى لله «أي حاش يوسف لطاعة الله أو لمكان من الله أو لترفيع الله له أن يرمي بما رميته به{[6667]} ، أو يدعى{[6668]} إله مثله لأن تلك أفعال البشر ، وهو ليس منهم إنما هو ملك - هكذا رتب أبو علي الفارسي معنى هذا الكلام ، على هاتين القراءتين اللتين في السبع{[6669]} - وأما قراءة أبي بن كعب وابن مسعود ، فعلى أن » حاشى «حرف استثناء - كما قال الشاعر [ ابن عطية ] : [ الكامل ]
حاشى أبي ثوبان إنَّ به*** ضنّاً عن الملحاة والشتم{[6670]}
وتسكين الشين في إحدى قراءتي الحسن ، ضعيف ، جمع بين ساكنين ، وقراءته الثانية محذوفة الألف من «حاشى » .
قال القاضي أبو محمد : والتشبيه بالملك هو من قبيل التشبيه بالمستعظمات وإن كانت لا ترى .
وقرأ أبو الحويرث الحنفي والحسن «ما هذا بشر إن هذا إلا ملِك كريم » بكسر اللام في «ملِك » ، وعلى هذه القراءة فالكلام فصيح لما استعظمن حسن صورته قلن : ما هذا إلا مما يصلح أن يكون عبد بشراء ، إن هذا مما يصلح أن يكون ملكاً كريماً .
ونصب «البشر » من قوله : { ما هذا بشراً } هو على لغة الحجاز شبهت { ما } بليس ، وأما تميم فترفع ، ولم يقرأ به{[6671]} .
وروي أن يوسف عليه السلام أعطي ثلث الحسن ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه أعطي نصف الحسن ، ففي بعض الأسانيد هو وأمه ، وفي بعضها هو وسارة جدة أبيه{[6672]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا على جهة التمثيل ، أي لو كان الحسن مما يقسم لكان حسن يوسف يقع في نصفه ، فالقصد أن يقع في نفس السامع عظم حسنه على نحو التشبيه برؤوس الشياطين وأنياب الأغوال{[6673]} .