5- إن الناس يطوون صدورهم كاتمين لما يجول فيها ، مجتهدين في كتمانهم ، زاعمين أن عاقبة ذلك أن تستخفي خلجات صدورهم عن الله ! ألا فليعلم هؤلاء أنهم إن آووا إلى فراشهم لابسين لباس النوم ، فاستتروا بظلام الليل والنوم وطي ما في الصدور ، فإن الله عليم بهم ، في سرهم وعلنهم ، لأنه يعلم ما يصاحب الصدور ويطوى فيها .
{ 5 } { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
يخبر تعالى عن جهل المشركين ، وشدة ضلالهم ، أنهم { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } أي : يميلونها { لِيَسْتَخْفُوا } من الله ، فتقع صدورهم حاجبة لعلم الله بأحوالهم ، وبصره لهيئاتهم .
قال تعالى -مبينا خطأهم في هذا الظن- { أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } أي : يتغطون بها ، يعلمهم في تلك الحال ، التي هي من أخفى الأشياء .
بل { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } من الأقوال والأفعال { وَمَا يُعْلِنُونَ } منها ، بل ما هو أبلغ من ذلك ، وهو : { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : بما فيها من الإرادات ، والوساوس ، والأفكار ، التي لم ينطقوا بها ، سرا ولا جهرا ، فكيف تخفى عليه حالكم ، إذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه .
ويحتمل أن المعنى في هذا أن الله يذكر إعراض المكذبين للرسول الغافلين عن دعوته ، أنهم -من شدة إعراضهم- يثنون صدورهم ، أي : يحدودبون حين يرون الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يراهم ويسمعهم دعوته ، ويعظهم بما ينفعهم ، فهل فوق هذا الإعراض شيء ؟ "
ثم توعدهم بعلمه تعالى بجميع أحوالهم ، وأنهم لا يخفون عليه ، وسيجازيهم بصنيعهم .
قال ابن عباس : كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم ، وحال وقاعهم ، فأنزل الله هذه الآية . رواه البخاري من حديث ابن جُرَيْج ، عن محمد بن عباد بن جعفر ؛ أن ابن عباس قرأ : " أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني{[14478]} صُدُورهُم " ، فقلت : يا أبا عباس ، ما تثنوني{[14479]} صدورهم ؟ قال : الرجل كان يجامع امرأته فيستحيي - أو : يتخلى فيستحيي فنزلت : " أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني{[14480]} صُدُورهُم " .
وفي لفظ آخر له : قال ابن عباس : أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا ، فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ، فنزل ذلك فيهم .
ثم قال : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو قال : قرأ{[14481]} ابن عباس " أَلا إِنِّهُمْ يَثْنوني صُدُورهُم لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتغْشُونَ ثِيَابَهُم " .
قال البخاري : وقال غيره ، عن ابن عباس : { يَسْتَغْشُونَ } يغطون رءوسهم{[14482]} وقال ابن عباس في رواية أخرى في تفسير هذه الآية : يعني به الشك في الله ، وعمل السيئات ، وكذا روي عن مجاهد ، والحسن ، وغيرهم : أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئًا أو عملوه ، يظنون أنهم يستخفون من الله بذلك ، فأعلمهم الله تعالى أنهم{[14483]} حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل ، { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } {[14484]} من القول : { وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : يعلم ما تكن صدورهم من النيات والضمائر والسرائر . وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة :
فَلا تَكْتُمُنَّ الله ما في نفوسكم *** ليخفى ، فمهما يُكتم{[14485]} الله يَعْلم
يُؤخَر فيوضَع في كتاب فَيُدخَر*** ليوم حساب ، أو يُعَجل فَيُنْقمِ{[14486]}-{[14487]}
فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع وعلمه بالجزئيات ، وبالمعاد وبالجزاء ، وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة .
وقال عبد الله بن شداد : كان أحدهم إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى{[14488]} صدره ، وغطى رأسه فأنزل الله ذلك .
وعود الضمير{[14489]} على الله أولى ؛ لقوله : { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } .
وقرأ ابن عباس : " أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني{[14490]} صُدُورُهُم " ، برفع الصدور على الفاعلية ، وهو قريب المعنى .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلا إِنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } .
اختلف القرّاء في قراءة قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ فقرأته عامة الأمصار : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ على تقدير يفعلون من «ثنيت » ، والصدور منصوبة .
واختلفت قارئو ذلك كذلك في تأويله ، فقال بعضهم : ذلك كان من فعل بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم غطى وجهه وثنى ظهره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن حصين ، عن عبد الله بن شدّاد في قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال : كان أحدهم إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بثوبه على وجهه وثنى ظهره .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال : من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان المنافقون إذا مرّوا به ثنى أحدهم صدره ويطأطىء رأسه ، فقال الله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ . . . الآية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن حصين ، قال : سمعت عبد الله بن شداد يقول ، في قوله : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال : كان أحدهم إذا مرّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ثنى صدره ، وتغشى بثوبه كي لا يراه النبيّ صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم بالله وظنّا أن الله يخفى عليه ما تضمره صدورهم إذا فعلوا ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال : شكا وامتراء في الحقّ ، ليستخفوا من الله إن استطاعوا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ شكّا وامتراء في الحقّ . لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال : من الله إن استطاعوا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال : تضيق شكّا .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال : تضيق شكّا وامتراء في الحقّ ، قال : لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال : من الله إن استطاعوا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال : من جهالتهم به ، قال الله : ألاَ حِينَ يَسْتَغْثُونَ ثِيَابَهُمْ في ظلمة الليل في أجوف بيوتهم ، يَعْلَمُ تلك الساعة ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ إنّهُ عَلِيمٌ بذاتِ الصّدُور .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال : كان أحدهم يحني ظهره ويستغشي بثوبه .
وقال آخرون : إنما كانوا يفعلون ذلك لئلا يسمعوا كلام الله تعالى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ . . . الآية ، قال : كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله ، قال تعالى : ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا حنى صدره واستغشى بثوبه وأضمر همه في نفسه ، فإن الله لا يخفى ذلك عليه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال : أخفى ما يكون الإنسان إذا أسرّ في نفسه شيئا وتغطى بثوبه ، فذلك أخفى ما يكون ، والله يطلع على ما في نفوسهم ، والله يعلم ما يسرّون وما يعلنون .
وقال آخرون : إنما هذا إخبار من الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن المنافقين الذين كانوا يضمرون له العداوة والبغضاء ويبدون له المحبة والمودّة ، وأنهم معه وعلى دينه . يقول جلّ ثناؤه : ألا إنهم يطوون صدورهم على الكفر ليستخفوا من الله ، ثم أخبر جلّ ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرائرهم وعلانيتهم .
وقال آخرون : كانوا يفعلون ذلك إذا ناجى بعضهم بعضا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال : هذا حين يناجي بعضهم بعضا . وقرأ : ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ . . . الآية .
ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك : «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » على مثال : تَحْلَولِي التمرة : تَفْعَوعِل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سمعت ابن عباس يقرأ «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » قال : كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول : سمعت ابن عباس يقرؤها : «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » قال : سألته عنها ، فقال : كان ناس يستحيون أن يتخلّوا فيُفْضُوا إلى السماء ، وأن يصيبوا فيفضوا إلى السماء .
ورُوي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر ، وهو ما :
حدثنا به محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : أخبرت عن عكرمة ، أن ابن عباس ، قرأ «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » وقال ابن عباس : تثنوني صدورهم : الشك في الله وعمل السيئات . يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يستكبر ، أو يستكنّ من الله والله يراه ، يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » قال عكرمة : تثنوني صدورهم ، قال : الشك في الله وعمل السيئات ، فيستغشي ثيابه ويستكنّ من الله ، والله يعلم ما يسرّون وما يعلنون .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، وهو : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ على مثال «يفعلون » ، والصدور نصب بمعنى : يحنون صدورهم ويكنّونها . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقول : يكنّون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقول : يكتمون ما في قلوبهم . ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ ما عملوا بالليل والنهار .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقول : تثنوني صدورُهم .
وهذا التأويل الذي تأوّله الضحاك على مذهب قراءة ابن عباس ، إلا أن الذي حدثنا هكذا ذكر القراءة في الرواية . فإذا كانت القراءة التي ذكرنا أولى القراءتين في ذلك بالصواب لإجماع الحجة من القرّاء عليها . فأولى التأويلات بتأويل ذلك ، تأويل من قال : إنهم كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم بالله أنه يخفى عليه ما تضمره نفوسهم أو تناجوه بينهم .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالآية ، لأن قوله : لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ بمعنى : ليستخفوا من الله ، وأن الهاء في قوله : مِنْهُ عائدة على اسم الله ، ولم يجر لمحمد ذكر قبل ، . فيجعل من ذكره صلى الله عليه وسلم وهي في سياق الخبر عن الله . فإذا كان ذلك كذلك كانت بأن تكون من ذكر الله أولى . وإذا صحّ أن ذلك كذلك ، كان معلوما أنهم لم يحدّثوا أنفسهم أنهم يستخفون من الله إلا بجهلهم به ، فلما أخبرهم جلّ ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرّ أمورهم وعلانيتها على أيّ حال كانوا تغشوا بالثياب أو أظهروا بالبزار ، فقال : ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يعني : يتغشون ثيابهم يتغطونها ويلبسون ، يقال منه : استغشى ثوبه وتغشاه ، قال الله : واسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وقالت الخنساء :
أرْعَى النّجُومَ وَما كُلّفْتُ رِعْيَتَها *** وتارَةً أتَغشّى فَضْلَ أطْمارِى
يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ يقول جلّ ثناؤه : يعلم ما يسرّ هؤلاء الجهلة بربهم ، الظانون أن الله يخفى عليه ما أضمرته صدورهم إذا حنوها على ما فيها وثنوه ، وما تناجوه بينهم فأخفوه وما يُعْلِنُونَ سواء عنده سرائر عباده وعلانيتهم إنّه عَلِيمٌ بذَاتِ الصّدُورَ يقول تعالى ذكره : إن الله ذو علم بكلّ ما أخفته صدور خلقه من إيمان وكفر وحقّ وباطل وخير وشرّ ، وما تستجنّه مما لم يجنه بعد . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يقول : يغطون رؤسهم .
قال أبو جعفر ، فاحذروا أن يطلع عليكم ربكم وأنتم مضمرون في صُدُوركم الشكّ في شيء من توحيده أو أمره أو نهيه ، أو فيما ألزمكم الإيمان به والتصديق ، فتهلكوا باعتقادكم ذلك .
{ ألا إنهم يثنون صدورهم } يثنونها عن الحق وينحرفون عنه ، أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يولون ظهورهم . وقرئ " يثنوني " بالياء والتاء من اثنوني ، وهو بناء مبالغة و " تثنون " ، وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني ، و " تثنئن " من اثنأن كابياض بالهمزة و " تثنوي " . { ليستخفوا منه } من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه . قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا : إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم . وقيل نزلت في المنافقين وفيه نظر إذ الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة . { ألا حين يستغشون ثيابهم } ألا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم . { يعلم ما يسرّون } في قلوبهم . { وما يُعلنون } بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه . { إنه عليم بذات الصدور } بأسرار ذات الصدور أو بالقلوب وأحوالها .