{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور }
يذكرهم تعالى حالهم في وقت انهزامهم عن القتال ، ويعاتبهم على ذلك ، فقال : { إذ تصعدون } أي : تجدون في الهرب { ولا تلوون على أحد } أي : لا يلوي أحد منكم على أحد ، ولا ينظر إليه ، بل ليس لكم هم إلا الفرار والنجاء عن القتال .
والحال أنه ليس عليكم خطر كبير ، إذ لستم آخر الناس مما يلي الأعداء ، ويباشر الهيجاء ، بل { الرسول يدعوكم في أخراكم } أي : مما يلي القوم يقول : " إليَّ عباد الله " فلم تلتفتوا إليه ، ولا عرجتم عليه ، فالفرار نفسه موجب للوم ، ودعوة الرسول الموجبة لتقديمه على النفس ، أعظم لوما بتخلفكم عنها ، { فأثابكم } أي : جازاكم على فعلكم { غما بغم } أي : غما يتبع غما ، غم بفوات النصر وفوات الغنيمة ، وغم بانهزامكم ، وغم أنساكم كل غم ، وهو سماعكم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل .
ولكن الله -بلطفه وحسن نظره لعباده- جعل اجتماع هذه الأمور لعباده المؤمنين خيرا لهم ، فقال : { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } من النصر والظفر ، { ولا ما أصابكم } من الهزيمة والقتل والجراح ، إذا تحققتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل هانت عليكم تلك المصيبات ، واغتبطتم بوجوده المسلي عن كل مصيبة ومحنة ، فلله ما في ضمن البلايا والمحن من الأسرار والحكم ، وكل هذا صادر عن علمه وكمال خبرته بأعمالكم ، وظواهركم وبواطنكم ، ولهذا قال : { والله خبير بما تعملون }
ويحتمل أن معنى قوله : { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم } يعني : أنه قدَّر ذلك الغم والمصيبة عليكم ، لكي تتوطن نفوسكم ، وتمرنوا على الصبر على المصيبات ، ويخف عليكم تحمل المشقات
ويستحضر صورة الهزيمة حية متحركة :
( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ، والرسول يدعوكم في أخراكم ) . .
كي يعمق وقع المشهد في حسهم ؛ ويثير الخجل والحياء من الفعل ، ومقدماته التي نشأ عنها ، من الضعف والتنازع والعصيان . . والعبارة ترسم صورة حركتهم الحسية وحركتهم النفسية في الفاظ قلائل . . فهم مصعدون في الجبل هربا ، في اضطراب ورعب ودهش ، لا يلتفت أحد منهم إلى أحد ! ولا يجيب أحد منهم داعي أحد ! والرسول [ ص ] يدعوهم ، ليطمئنهم على حياته بعد ما صاح صائح : إن محمدا قد قتل ، فزلزل ذلك قلوبهم وأقدامهم . . إنه مشهد كامل في الفاظ قلائل . .
وكانت النهاية أن يجزيهم الله على الغم الذي تركوه في نفس الرسول [ ص ] بفرارهم ، غما يملأ نفوسهم على ما كان منهم ، وعلى تركهم رسولهم الحبيب يصيبه ما أصابه - وهو ثابت دونهم ، وهم عنه فارون - ذلك كي لا يحفلوا شيئا فاتهم ولا أذى أصابهم . فهذه التجربة التي مرت بهم ، وهذا الألم الذي أصاب نبيهم - وهو أشق عليهم من كل ما نزل بهم - وذلك الندم الذي ساور نفوسهم ، وذلك الغم الذي أصابهم . . كل ذلك سيصغر في نفوسهم كل ما يفوتهم من عرض ، وكل ما يصيبهم من مشقة :
( فأثابكم غما بغم ، لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ) . .
والله المطلع على الخفايا ، يعلم حقيقة أعمالكم ، ودوافع حركاتكم :
{ إذ تصعدون } متعلق بصرفكم ، أو ليبتليكم أو بمقدر كاذكروا . والإصعاد الذهاب والإبعاد في الأرض يقال : أصعدنا من مكة إلى المدينة . { ولا تلوون على أحد } لا يقف أحد لأحد ولا ينتظره . { والرسول يدعوكم } كان يقول إلي عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة . { في أخراكم } في ساقتكم أو في جماعتكم الأخرى { فأثابكم غما بغم } عطف على صرفكم ، والمعنى فجازاكم الله عن فشلكم وعصيانكم غما متصلا بغم ، من الاغتمام بالقتل والجرح وظفر المشركين والإرجاف بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو فجازاكم غما بسبب غم أذقتموه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصيانكم له . { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم } لتتمرنوا على الصبر في الشدائد فلا تحزنوا فيما بعد على نفع فائت ولا ضر لاحق . وقيل { لا } مزيدة والمعنى لتأسفوا على ما فاتكم من الظفر والغنيمة وعلى ما أصابكم من الجرح والهزيمة عقوبة لكم . وقيل الضمير في فأثابكم للرسول صلى الله عليه وسلم أي فآساكم في الاغتمام فاغتم بما نزل عليكم ، كما اغتممتم بما نزل عليه ولم يثر بكم على عصيانكم تسلية لكم كيلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر ولا على ما أصابكم من الهزيمة { والله خبير بما تعملون } عليم بأعمالكم وبما قصدتم بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.