معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (153)

وقوله : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ . . . }

الإصعاد في ابتداء الأسفار والمخارج . تقول : أصعدنا من مكة ومن بغداد إلى خراسان ، وشبيهَ ذلك . فإذا صعدت على السلم أو الدّرجة ونحوهما قلت : صعِدت ، ولم تقل أصعدت . وقرأ الحسن البصرىّ : " إِذ تَصْعَدون ولا تلوون " جعل الصعود في الجبل كالصعود في السلم .

وقوله : { وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } ومن العرب من يقول : أُخراتِكم ، ولا يجوز في القرآن ؛ لزيادة التاء فيه على كِتَاب المصاحف ؛ وقال الشاعر :

ويتّقى السيف بأُخْراتِه *** من دون كفّ الجارِ والمِعصمِ

وقوله : { فَأَثَابَكُمْ غَما بِغَمٍّ } الإثابة ها هنا [ في ] معنى عقاب ، ولكنه كما قال الشاعر :

أخاف زيادا أن يكون عطاؤه *** أداهِمَ سُوداً أو مُحَدْرَجَةً سُمْرَا

وقد يقول الرجل الذي قد اجترم إليك : لئن أتيتنى لأثِيبنّك ثوابك ، معناه لأعاقبنَّك ، وربما أنكره من لا يعرف مذاهب العربية . وقد قال الله تبارك وتعالى : { فَبَشِّرْهُمْ بعذَابٍ أليم } والبشارة إنما تكون في الخير ، فقد قيل ذاك في الشرّ .

ومعنى قوله { غَما بِغَمٍّ } ما أصابهم يوم أُحُد من الهزيمة والقتل ، ثم أشرف عليهم خالد بن الوليد بخيله فخافوه ، وغَمَّهم ذلك .

وقوله : { وَلاَ ما أَصَابَكُمْ } ( ما ) في موضع خفض على " ما فاتكم " أي ولا على ما أصابكم .