بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (153)

{ إِذْ تُصْعِدُونَ } يعني : إلى الجبل هاربين ، حيث صعدوا الجبل منهزمين من العدو ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم : « يَا معْشرَ المُسْلِمينَ أَنَا رَسُولُ الله » فلم يلتفت إليه أحد ، حتى أتوا على الجبل . فذلك قوله تعالى : { إِذْ تُصْعِدُونَ } يعني الجبل . وهذا قول الكلبي وقال الضحاك : { إذ تصعدون } في الوادي منهزمين . وقال القتبي : يعني تبعدون في الهزيمة ، يقال : أصعد في الأرض إذا أمعن في الهزيمة . وقرأ الحسن : { تَصْعَدُون } بنصب التاء ، أي تَصْعَدُون الجبل . وقرأ العامة بالضم { وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ } يقول : ولا تقيمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقال : لا يقيم بعضكم على بعض { والرسول يَدْعُوكُمْ في أُخْرَاكُمْ } يقول : مِنْ خَلْفِكم { فأثابكم غَمّاً بِغَمّ } يقول : جعل ثوابكم غماً على أثر الغم ، ويقال : جزاكم غماً على أثر الغم ، ويقال غماً متصلاً بالغم . فأما الغم الأول : فإشراف خالد بن الوليد بخيل المشركين وهم في ذلك الجبل قاله الكلبي . وقال مقاتل : الغم الأول ما فاتهم من الفتح والغنيمة ، فاجتمعوا وكانوا يذكرون فيما بينهم ما أصابهم في ذلك اليوم . والغم الثاني : إذ صعد خالد بن الوليد ، فلما عاينوه أَذْعَرهُم ذلك أي خوفهم ، فأنساهم ما كانوا فيه من الحزن ، فذلك قوله تعالى : { لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ على مَا فَاتَكُمْ } من الفتح والغنيمة { وَلاَ مَا أصابكم } من القتل والهزيمة .

ويقال : الغم الأول الجُرح والقتل ، والغم الثاني أنهم سمعوا بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد قتل فأنساهم الغم الأول . قال : { والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } يعني لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، فيجازيكم بها .