فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (153)

إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون 153

( إذ تصعدون ) متعلق بقول صرفكم او بقوله ولقد عفا عنكم او بقوله ليبتليكم ، قاله الزمخشري ، وقال أبو البقاء : بقوله لعصيتم او تنازعتم أو فشلتم ، وكل هذه الوجوه سائغة ، وكونه ظرفا لصرفكم جيد من جهة المعنى ، ولعفا جيد من جهة القرب ، وعلى بعض هذه الأقوال تكون المسألة من باب التنازع ، وتكون على إعمال الأخير منها لعدم الإضمار في الأول ، ويكون التنازع في أكثر من عاملين .

قال أبو حاتم :يقال أصعدت إذا مضيت حيال وجهك ، وصعدت إذا ارتقيت في جبل ، فالإصعاد السير في مستوى الأرض وبطون الأودية ، والصعود الارتفاع على الجبال والسطوح والسلالم والدرج ، فيحتمل أن يكون صعودهم في الجبل بعد إصعادهم في الوادي .

وقال القتيبي :أصعد إذا أبعد في الذهاب وأمعن فيه ، وقال الفراء الإصعاد الابتداء في السفر ، والانحدار الرجوع منه يقال أصعدنا من بغداد إلى مكة وإلى خراسان وأشباه ذلك إذا خرجنا إليها وأخذنا في السفر ، وانحدرنا إذا رجعنا .

وقال المفضل :

صعد وأصعد بمعنى واحد ، وقرئ تصعدون بالتشديد وأصلها تتصعدون بتاء الخطاب ، وقرئ بياء الغيبة على الالتفات وهو حسن والضمير يعود على المؤمنين .

( ولا تلوون ) وقرئ بضم التاء من ألوي وهي لغة ففعل وأفعل بمعنى ، وقرئ بواو واحدة أي لا تعرجون من التعريج وهو الإقامة على الشئ فإن المعرج إلى الشئ يلوي إليه عنقه أو عنق دابته ، وكذا شأن المنتظر ، والمعنى لا تقيمون ( على أحد ) ممن معكم ، وقيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يلتفت بعضكم إلى بعض ولا يقف منكم لواحد ولا ينتظره هربا .

( والرسول يدعوكم في أخراكم ) في الطائفة المتأخرة منكم ، يقال جاء فلان في آخر الناس وأخرى الناس وأخريات الناس ، وقيل من ورائكم وقال أبو السعود في ساقتكم وجماعتكم الأخرى ، فكان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلي عباد الله أي ارجعوا .

( فأثابكم ) أي فجازاكم الله ( غما ) حين صرفكم عنهم بسبب غم أذقتموه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعصيانكم أو غما موصولا ( بغم ) بسبب ذلك الإرجاف والجرح والقتل وظفر المشركين ، والباء على هذا بمعنى على أي مضاعفا على غم فوت الغنيمة .

والغم في الأصل التغطية ، غميت الشئ غطيته ويوم غم وليلة غمة إذا كانا مظلمين ، ومنه غم الهلال ، وقيل الغم الأول الهزيمة ، والثاني إشراف أبي سفيان وخالد بن الوليد عليهم في الجبل ، وقيل الغم الأول هو ما فاتهم من الظفر ، والثاني ما نالهم من الهزيمة ، وقيل الأول ما أصابهم من القتل والجراح ، والثاني ما سمعوا بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد قتل ، وقيل الأول بسبب إشراف خالد بن الوليد مع خيل المشركين ، والثاني حين أشرف أبو سفيان .

وسميت العقوبة التي نزلت بهم ثوابا على سبيل المجاز لأن لفظ الثواب لا يستعمل في الأغلب إلا في الخير ، وقد يجوز استعماله في الشر لأنه مأخوذ من ثاب إذا رجع ، فأصل الثواب كل ما يعود إلى الفاعل من جزاء فعله سواء كان خيرا أو شرا ، فمتى حملنا لفظ الثواب على أصل اللغة كان حقيقة ، ومتى حملناه على الأغلب كان مجازا .

( لكيلا تحزنوا عل ما فاتكم ) من الغنيمة ( ولا ما أصابكم ) من الهزيمة تمرينا لكم على المصائب وتدريبا لاحتمال الشدائد ، وقال المفضل : لكي تحزنوا ولا زائدة كقوله أن لا تسجد وقوله ( لئلا يعلم ) أي أن تسجد وليعلم ( والله خبير بما تعملون ) من الأعمال خيرها وشرها فيجازيكم عليها .