المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

5- إن الناس يطوون صدورهم كاتمين لما يجول فيها ، مجتهدين في كتمانهم ، زاعمين أن عاقبة ذلك أن تستخفي خلجات صدورهم عن الله ! ألا فليعلم هؤلاء أنهم إن آووا إلى فراشهم لابسين لباس النوم ، فاستتروا بظلام الليل والنوم وطي ما في الصدور ، فإن الله عليم بهم ، في سرهم وعلنهم ، لأنه يعلم ما يصاحب الصدور ويطوى فيها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

{ 5 } { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }

يخبر تعالى عن جهل المشركين ، وشدة ضلالهم ، أنهم { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } أي : يميلونها { لِيَسْتَخْفُوا } من الله ، فتقع صدورهم حاجبة لعلم الله بأحوالهم ، وبصره لهيئاتهم .

قال تعالى -مبينا خطأهم في هذا الظن- { أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } أي : يتغطون بها ، يعلمهم في تلك الحال ، التي هي من أخفى الأشياء .

بل { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } من الأقوال والأفعال { وَمَا يُعْلِنُونَ } منها ، بل ما هو أبلغ من ذلك ، وهو : { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : بما فيها من الإرادات ، والوساوس ، والأفكار ، التي لم ينطقوا بها ، سرا ولا جهرا ، فكيف تخفى عليه حالكم ، إذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه .

ويحتمل أن المعنى في هذا أن الله يذكر إعراض المكذبين للرسول الغافلين عن دعوته ، أنهم -من شدة إعراضهم- يثنون صدورهم ، أي : يحدودبون حين يرون الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يراهم ويسمعهم دعوته ، ويعظهم بما ينفعهم ، فهل فوق هذا الإعراض شيء ؟ "

ثم توعدهم بعلمه تعالى بجميع أحوالهم ، وأنهم لا يخفون عليه ، وسيجازيهم بصنيعهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

ثم حكى - سبحانه - جانبا من جهالات المنحرفين عن الحق ، ومن أوهامهم الباطلة فقال - تعالى - :

{ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } .

وقوله : { يَثْنُونَ } من الثنى بمعنى الطى والستر . يقال : ثتنيت الثوب إذا طويته على ما فيه من الأشياء المستورة .

وثنى الصدور : إمالتها وطأطأتهها وحنيها بحيث تكون القامة غير مستقيمة ، والاستخفاء : محاولة الاختفاء عن الأعين ، ومنه قوله - تعالى -

{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله وَهُوَ مَعَهُمْ . . } وقوله : { يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ . . } أى : يتدثرون ويتغطون بها ، مبالغة فى الاستخفاء عن الأعين . فالسين والتاء فيه للتأكيد ، كما فى قوله - تعالى - { واستغشوا ثِيَابَهُمْ . . . } أى : جعلوا كالغشاء عليهم .

وقد ذكر بعض المفسرين فى سبب نزول هذه الآية روايات منها : أنه كان الرجل من الكفار يدخل بينه ، ويرخى ستره ، ويحنى ظهره ، ويتغشى بثوبه ثم يقول : هل يعلم الله ما فى قلبى فنزلت هذه الآية .

وقيل : نزلت فى المنافقين ، كان أحدهم إذا مر بالنبى - صلى الله عليه وسلم - ثنى صدره ، وتغشى بثوبه لئلا يراه .

وقيل : " نزلت فى الأخنس بن شريق ، وكان رجلا حلو المنطق ، حسن السياق للحديث ، يظهر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحبة ، ويضمر فى قلبه ما يضادها . . "

وعلى أية الحال فإن الآية الكريمة تصور تصويرا بديعا جهالات بعض الضالين بعلم الله - تعالى - المحيط بكل شيء ، كما تصور تصويرا دقيقا أوضاعهم الحسية حين يأوون إلى فراشهم ، وحين يلتقون بالنبى - صلى الله عليه وسلم - .

والضمير المجررو فى قوله { منه } يعود إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وعليه يكون المعنى :

ألا إن هؤلاء المشركين يعرضون عن لقاء النبى - صلى الله عليه وسلم - ويطأطئون رءوسهم عند رؤيته ، ليستخفوا منه ، حتى لا يؤثر فيهم بسحر بيانه .

ومع أن كلا القولين له وجاهته وله من سبب النزول ما يؤيده ، إلا أننا نميل إلى كون الضمير يعود على الله - تعالى - لأن قوله - بعد ذلك { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } يؤيد عودة الضمير إليه - سبحانه - إذ علم السر والعلن مرده إليه وحده .

وافتتحت الآية الكريمة بحرف التنبيه { ألا } وجئ به مرة أخرى فى قوله { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ . . } للاهتمام بمضمون الكلام ، وللفت أنظار السامعين إلى ما بلغه هؤلاء الضالون من جهل وانطماس بصيرة .

ثم بين - سبحانه - أنه لا يخفى عليه شئ من أحوالهم فقال : { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } .

أى : ألا يعلم هؤلاء الجاهلون أنهم حين يأوون إلى فراشهم ، ويتدثرون بثيابهم ، يعلم الله - تعالى - ما يسرونه فى قلوبهم من أفكار ، وما يعلنونه بأفواههم من أقوال ، لأنه - سبحانه - محيط بهما تضمره النفوس من خفايا ، وما يدور بها من أسرار .

وجملة { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } تعليلية لتأكيد ما قبلها من علمه - سبحانه - بالسر والعلن . والمراد بذات الصدور : الأسرار المستكنة فيها .

هذا ، وقد ذكر ابن كثير رواية أخرى فى سبب نزول هذه الآية فقال : قال ابن عباس :

كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم وحال وقاعهم ، فأنزل الله هذه الآية رواه البخاري من حديث ابن جريج .

وفى لفظ آخر له قال ابن عباس : " أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ، فنزل ذلك فيهم . . . "

وظاهر من هذا الكلام المنقول عن ابن عباس أنها نزلت فى شأن جماعة من المسلمين هذا شأنهم ، ولعل مراده أن الآية تنطبق على صنيعهم وليس فعلهم هو سبب نزولها ، لأن الآية مسوقة للتوبيخ والذم ، والذين يستحقون ذلك هم أولئك المشركون وأشباههم الذين أعرضوا عن الحق ، وجهلوا صفات الله - تعالى - .

قال الجمل بعد أن ذكر قول ابن عباس : " وتنزيل الآية على هذا القول بعيد جدا ، لأن الاستحياء من الجماع وقضاء الحاجة فى حال كشف العورة إلى جهة السماء ، أمر مستحسن شرعا ، فكيف يلام عليه فاعله ويذم بمقتضى سياق الآية " .

وإذا فالذى يستدعيه السياق ويقتضيه ربط الآيات ، كون الآية فى ذم المشركين ومن على شاكلتهم من المنحرفين عن الطريق المستقيم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

قيل : إن هذه الآية نزلت في الكفار الذين كانوا إذا لقيهم رسول الله عليه وسلم تطامنوا وثنوا صدورهم كالمستتر{[6251]} ، وردوا إليه ظهورهم وغشوا وجوههم بثيابهم تباعداً منه وكراهة للقائه ، وهم يظنون أن ذلك يخفى عليه وعلى الله عز وجل فنزلت الآية في ذلك .

و { صدورهم } منصوبة على هذا ب { يثنون } . وقيل : هي استعارة للغل والحقد الذي كانوا ينطوون عليه كما تقول : فلان يطوي كشحه على عداوته ، ويثني صدره عيلها .

فمعنى الآية : ألا إنهم يسرون العداوة ويتكتمون بها لتخفى في ظنهم عن الله ، وهو تعالى حين تغشيهم بثيابهم وإبلاغهم في التستر يعلم ما يسرون .

وقرأ سعيد بن جبير «يُثنُون » بضم الياء والنون من أثنى ، وقرأ ابن عباس «ليثنوه » ، وقرأ ابن عباس أيضاً ومجاهد وابن يعمر{[6252]} وابن بزي ونصر بن عاصم والجحدري وابن إسحاق وابن رزين{[6253]} ، وعلي بن الحسين وأبو جعفر محمد بن علي ويزيد بن علي وجعفر بن محمد وأبو الأسود{[6254]} والضحاك . «تثنوني صدورُهم » برفع الصدور وهي تحتمل المعنيين المتقدمين في { يثنون } وزنها تفوعل على بناء مبالغة لتكرار الأمر ، كما تقول اعشوشبت الأرض واحلولت الدنيا ونحو ذلك{[6255]} . وحكى الطبري عن ابن عباس على هذه القراءة أن هذه الآية نزلت في أن قوماً كانوا لا يأتون النساء والحدث إلا ويتغشون ثيابهم كراهية أن يفضوا بفروجهم إلى السماء . وقرأ ابن عباس - فيما روى ابن عيينة - «تثنو » بتقديم الثاء على النون وبغير نون بعد الواو{[6256]} ، وقال أبو حاتم هذه القراءة غلط لا تتجه{[6257]} ، وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق «ينثوي » بتقديم النون على الثاء ، وقرأ عروة وابن أبي أبزى والأعشى «تثنَون » بثاء مثلثة بعدها نون مفتوحة بعدها واو مكسورة ، وقرأ أيضاً هما{[6258]} ومجاهد فيما روي عنه «تثنان » بهمزة بدل الواو وهاتان مشتقة من الثن وهي العشب المثني بسهولة{[6259]} ، فشبه صدورهم به إذ هي مجيبة إلى هذا الانطواء على المكر والخدع : وأصل «تثنون »{[6260]} تثنونن سكنت النون المكسورة ونقلت حركتها إلى الواو التي قبلها وأدغمت في النون التي بعدها ، وأما «تثنان » فأصلها تثنان مثل تحمار ثم قالوا : اثنانت كما قالوا احمار وابياض{[6261]} ، والضمير في { منه } عائد على الله تعالى ، هذا هو الأفصح الأجزل في المعنى وعلى بعض التأويلات يمكن أن يعود على محمد صلى الله عليه وسلم ، و { يستغشون } معناه يجعلونها أغشية وأغطية ومنه قول الخنساء : [ البسيط ]

أرعى النجوم وما كلّفت رعيتها*** وتارة اتَغَشَّى فضل أطماري{[6262]}

وقرأ ابن عباس «على حين يستغشون » ومن هذا الاستعمال قول النابغة : [ الطويل ]

على حين عاتبت المشيب على الصبا*** وقلت ألمّا أصحُ والشيبُ وازع{[6263]}

و { ذات الصدور } : ما فيها ، والذات تتصرف في الكلام على وجوه هذا أحدهما كقول العرب : الذئب مغبوط بذي بطنه{[6264]} أي بالذي فيه من النفخ وكقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه : إنما هو ذو بطن بنت خارجة ، والذات التي هي حقيقة الشيء ونفسه قلقة في هذا الموضع ؛ ويحتمل أن يفرق بين ذي بطنه وبين الذات وإنما يجمع بينهما المعنى .


[6251]:- ثنى الشيء ثنيا: عطفه ورد بعضه على بعض، ويقال: ثنى صدره على كذا: طواه عليه وستره. (المعجم الوسيط).
[6252]:- اسمه يحيى بن يعمر بفتح الياء والميم وسكون العين بينهما، أبو سليمان العدواني البصري، تابعي جليل، عرض على عمر، وابن عباس، وأبي الأسود الدؤلي، وعرض عليه أبو عمرو بن العلاء، توفي سنة 90هـ- (طبقات ابن الجزري).
[6253]:-هو مسعود بن مالك، (ويقال: ابن عبد الله) أبو رزين الكوفي، روى عن ابن مسعود، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وروى عنه الأعمش (طبقات ابن الجزري)
[6254]:- هو ظالم بن عمرو بن سفيان أبو الأسود الدؤلي، ثقة جليل، أول من وضع مسائل في علم النحو بإشارة من علي بن أبي طالب، أخذ القراءة عرضا عن عثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهما، وروى القراءة عنه أبنه أبو حرب، ويحيى بن يعمر، توفي بالبصرة سنة 69هـ. (المصدر السابق).
[6255]:- كقولهم: "اخلولقت السماء للمطر"، إذا قويت أمارة ذلك، و"اغدودن الشعر" إذا طال واسترخى، وأنشد أبو علي لحسان: وقامت تُرائيك مغدودنا إذا ما تنوء به آدها ومنه قول الشاعر: لو كنت تعطي حين تسأل سامحت لك النفس واحلولاك كل خليل
[6256]:-قال أبو حيان في "البحر": على وزن ترعوي.
[6257]:- إنما قال ذلك لأنه لاحظ الواو في هذه الفعل، لا يقال: ثنوته فانثوى، كما يقال: رعوته فارعوى، أي: كففته فانكف. قاله في "البحر المحيط".
[6258]:-تأمل قوله: "هما"، والمتقدم ذكرهم ثلاثة هم: عروة، وابن أبزى، والأعمش، ولعله أراد الأخيرين فقط.
[6259]:-قال أبو الفتح في المحتسب: وتشنون وتثنئن من لفظ الثن ومعناه، وهو ما هش وضعف من الكلأ، وأنشد أبو زيد، ورويناه عنه: يأيها الفصيّل المعنّي إنك ريّان فصمت عني يكفي اللقوح أكلة من ثن والأبيات في (اللسان- ثنن)، وشرح ابن عطية للثنّ يلتقي مع هذا المعنى فهو العشب المثني بسهولة، وقد جاءت الكلمة في بعض النسخ: "العسيب" بدلا من "العشب"، وهي بعيدة في معناها عن المراد.
[6260]:- يعني على قراءة عروة، وابن أبزى، والأعمش.
[6261]:- قال أبو الفتح: "أصله (تثنان) فحركت الألف لسكونها وسكون النون الأولى، فانقلبت همزة، وعليه قول دكين: راكدة مخلاته ومحلبه وجله حتى ابيأض ملببه يريد: ابياض فحرك الألف فهمزها، والملبب: موضع اللّبّة، وهو وسط الصدر". ثم قال أبو الفتح: "ذهب أبو إسحاق إلى أن "تثنئنّ" أصلها: "تثنون" فهمزت الواو لانكسارها، ومذهب أبي إسحاق هذا مردود".
[6262]:- أنشد صاحب اللسان هذا البيت في (رعى) قال: ورعى النجوم رعيا وراعاها: راقبها وانتظر مغيبها، قالت الخنساء: أرعى النجوم..البيت. واستغشى بثوبه وتغشّى: تغطّى، والأطمار: جمع طمر وهو الثوب الخلق، ومنه الحديث (رب ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبرّه).
[6263]:-البيت من قصيدة للنابغة يمدح فيها النعمان، ويعتذر إليه مما وشت به بنو قريع، ومعنى (على) هنا: (في)، لأنه في البيت السابق يقول: فكفكفت مني عبرة فرددتها على النحر منها مستهل ودامع فهي مثل (على) في قوله تعالى: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها}، والمعنى: كفكفت الدمع في وقت عتابي لنفسي عند مشيبها، وقد جعل العتاب للمشيب على سبيل المجاز، و(على الصبا) متعلق بـ(عاتبتُ)، أي: عاتبته على فعل التصابي الذي لا يليق به، وقد تقدم الاستشهاد بالبيت عند تفسير قوله تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} الآية (119) من سورة (المائدة).
[6264]:-ويروى: "الذئب يغبط بغير بطنة"، و"ذو بطنة": ما في بطنه، ويقال: ذو البطن: اسم للغائط، يقال: ألقى ذا بطنه إذا أحدث، قال أبو عبيد: وذلك أنه ليس يظن به أبدا الجوع، إنما يظن به البطنة لأنه يعدو على الناس والماشية، قال الشاعر: ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ويغبط ما في بطنه وهو جائع وقال غيره: إنما قيل فيه ذلك لأنه عظيم الجفرة أبدا لا يبين عليه الضمور وإن جهده الجوع، وقال الشاعر: *لكا لذئب مغبوط الحشا وهو جائع* (مجمع) الأمثال للميداني. ج1 ص 387- الحياة. بيروت).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

حُول أسلوب الكلام عن مخاطبة النبي عليه الصلاة والسلام بما أمر بتبليغه إلى إعلامه بحال من أحوال الذين أمر بالتبليغ إليهم في جهلهم بإحاطة علم الله تعالى بكل حال من الكائنات من الذوات والأعمال ظاهرها وخفيها ، فقدم لذلك إبطال وهَم من أوْهام أهل الشرك أنهم في مكنة من إخفاء بعض أحوالهم عن الله تعالى ، فكان قوله : { ألا إنهم يثنون صدورهم } إلخ تمهيداً لقوله : { يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور } ، جمعاً بين إخبارهم بإحاطة علم الله بالأشياء وبين إبطال توهماتهم وجهلهم بصفات الله . وقد نشأ هذا الكلام عن قوله تعالى : { إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير } [ هود : 4 ] لمناسبة أن المرجوع إليه لما كان موصوفاً بتمام القدرة على كل شيء هو أيضاً موصوف بإحاطة علمه بكل شيء للتلازم بين تمام القدرة وتمام العلم .

وافتتاح الكلام بحرف التنبيه { ألا } للاهتمام بمضمونه لغرابة أمرهم المحكي وللعناية بتعليم إحاطة علم الله تعالى .

وضمائر الجماعة الغائبين عائدة إلى المشركين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإبلاغ إليهم في قوله : { أنْ لا تعبدوا إلا الله } [ هود : 2 ] وليس بالتفات . وضمائر الغيبة للمفرد عائدة إلى اسم الجلالة في قوله : { إلى الله مرجعكم } [ هود : 4 ] .

والثّنْي : الطّيُّ ، وأصل اشتقاقه من اسم الاثنين . يقال : ثَنَاه بالتخفيف ، إذا جعله ثانياً ، يقال : هذا وَاحد فاثْنِه ، أي كن ثانياً له ، فالذي يطوي الشيء يجعل أحد طاقيه ثانياً للذي قبلَه ؛ فثنيُ الصدور : إمالتها وحَنيها تشبيهاً بالطي . ومعنى ذلك الطأطأة .

وهذا الكلام يحتمل الإجراءَ على حقيقة ألفاظه من الثني والصدور . ويحتمل أن يكون تمثيلاً لهيئة نفسية بهيئة حسية .

فعلى الاحتمال الأول : يكون ذلك تعجيباً من جهالة أهل الشرك إذ كانوا يقيسون صفات الله تعالى على صفات الناس فيحسبون أن الله لا يطلع على ما يحجبونه عنه . وقد روي أن الآية أشارت إلى ما يفعله المشركون أن أحدهم يدخل بيته ويرخي الستر عليه ويستغشي ثوبه ويحني ظهره ويقول : هل يعلم الله ما في قلبي ؟ وذلك من جهلهم بعظمة الله .

ففي « البخاري » عن ابن مسعود : اجتمع عند البيت قريشيان وثقفي ، كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا . وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا . فأنزل الله تعالى : { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين } [ فصلت : 22 ، 23 ] .

وجميع أخطاء أهل الضلالة في الجاهلية والأديان الماضية تسري إلى عقولهم من النظر السقيم ، والأقيسة الفاسدة ، وتقدير الحقائق العالية بمقادير متعارفهم وعوائدهم ، وقياس الغائب على الشاهد .

وقد ضل كثير من فرق المسلمين في هذه المسالك لولا أنهم ينتهون إلى معلومات ضرورية من الدين تعصمهم عند الغاية عن الخروج عن دائرة الإسلام وقد جاء بعضهم وأوشك أن يقع .

وعلى الاحتمال الثاني : فهو تمثيل لحالة إضمارهم العداوة للنبيء صلى الله عليه وسلم في نفوسهم وتمويه ذلك عليه وعلى المؤمنين به بحال من يثني صدره ليخفيه ومن يستغشي ثوبه على ما يريد أن يستره به . وهذا الاحتمال لا يناسب كون الآية مكية إذ لم يكن المشركون يومئذٍ بمصانعين للنبيء صلى الله عليه وسلم وتأويلها بإرادة أهل النفاق يقتضي أن تكون الآية مدنية . وهذا نقله أحد من المفسرين الأولين . وفي « أسباب النزول » للواحدي أنها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زُهرة وكان رجلاً حُلو المنطق ، وكان يظهر المودة للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو منطو على عداوته ، أي عداوة الدين ، فضرب الله ثني الصدور مثلاً لإضماره بغض النبي صلى الله عليه وسلم فهو تمثيل وليس بحقيقة . وصيغة الجمع على هذا مستعملة في إرادة واحدة لقصد إبهامه على نحو قوله : { الذين قال لهم الناس } [ آل عمران : 173 ] قيل فإنه هو الأخنس بن شريق .

ووقع في « صحيح البخاري » أن ابن عباس سئل عن هذه الآية فقال : كان ناس من المسلمين يستخفون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزلت هذه الآية . وهذا التفسير لا يناسب موقع الآية ولا اتساق الضمائر . فلعل مراد ابن عباس أن الآية تنطبق على صنيع هؤلاء وليس فعلهم هو سبب نزولها . واعلم أن شأن دعوة الحق أن لا تذهب باطلاً حتى عند من لم يصدقوا بها ولم يتبعوها ، فإنها تَلفت عقولهم إلى فَرض صدقها أو الاستعداد إلى دفعها ، وكل ذلك يثير حقيقتها ويُشيع دراستها . وكم من معرضين عن دعوة حق ما وسعهم إلا التحفز لشأنها والإفاقة من غفلتهم عنها . وكذلك كان شأن المشركين حين سمعوا دعوة القرآن إذْ أخذوا يتدبرون وسائل مقاومتها ونقضها والتفهم في معانيها لإيجاد دفعها ، كحال العاصي بن وائل قال لخباب بن الأرَتّ حين تقاضاه أجرَ سيف صنعه فقال له : لا أقضيكه حتى تكفر بمحمد . فقال خَباب : لا أكفر به حتى يميتك الله ثم يحييك . فقال العَاصي له : إذا أحياني الله بعد موتي فسيكون لي مال فأقضيك منه . فنزل فيه قوله تعالى : { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً } [ مريم : 77 ] . وهذا من سوء فهمه لمعنى البعث وتوهمه أنه يُعاد لما كان حاله في الدنيا من أهل ومال .

والاستخفاء : الاختفاء ، فالسين والتاء فيه للتأكيد مثل استجاب واستأخر .

وجملة : { ألا حين يستغشون ثيابهم } الخ يجوز أن تكون إتماماً لجملة { ألا إنهم يثنون صدورهم } متصلة بها فيكون حرف { ألا } الثاني تأكيداً لنظيره الذي في الجملة قبله لزيادة تحقيق الخبر ، فيتعلق ظرف ( حين ) بفعل { يثنون صدورهم } ويتنازعه مع فعل { يَعلم ما يسرون } وتكون الحالة الموصوفة حالة واحدة مركبة من ثني الصدور واستغشاء الثياب .

والاستغشاء : التغشي بما يُغْشي ، أي يستر ، فالسين والتاء فيه للتأكيد مثل قوله : { واستغشوا ثيابهم } [ نوح : 7 ] ، مثل استجاب .

وزيادة { وما يعلنون } تصريح بما فهم من الكلام السابق لدفع توهم علمه بالخفيات دون الظاهر .

وجملة : { إنه عليم بذات الصدور } نتيجة وتعليل للجملة قبله ، أي يعلم سرهم وجهرهم لأنه شديد العلم بالخفي في النفوس وهو يعلم الجهر بالأوْلى .

فذات الصدور صفة لمحذوف يُعلم من السياق من قوله { عَليم } أي الأشياء التي هي صاحبة الصدور .

وكلمة ( ذات ) مؤنث ( ذو ) يتوصل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس ، وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله تعالى : { إنه عليم بذات الصدور } [ الأنفال : 43 ] وقوله : { وأصلحوا ذات بينكم } في سورة [ الأنفال : 1 ] .

والصدور مراد بها النفوس لأن العرب يعبرون عن الحواسّ الباطنية بالصدر .

واختيار مثال المبالغة { وهو عليم } لاستقصاء التعبير عن إحاطة العلم بكل ما تسعه اللغة الموضوعة لمتعارف الناس فتقصر عن ألفاظٍ تعبر عن الحقائق العالية بغير طريقة استيعاب ما يصلح من المعبرات لتحصيل تقريب المعنى المقصود .

وذات الصدور : الأشياء المستقرة في النفوس التي لا تعدوها . فأضيفت إليها .