المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

101- الصلاة فريضة محكمة لا تسقط في السفر ، ولكن لا إثم على من يقصرها فيه عن الحضر . فالذين يخرجون مسافرين - إن خافوا أن يتعرض لهم الكافرون بما يكرهون - لهم أن يقصروا الصلاة ، فالصلاة التي هي أربع ركعات يصلونها اثنتين ، وإن الحذر من تعرض الكافرين واجب لأنهم أعداء ، عداوتهم واضحة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا *وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا }

هاتان الآيتان أصل في رخصة القصر ، وصلاة الخوف ، يقول تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ } أي : في السفر ، وظاهر الآية [ أنه ] يقتضي الترخص{[225]}  في أي سفر كان ولو كان سفر معصية ، كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، وخالف في ذلك الجمهور ، وهم الأئمة الثلاثة وغيرهم ، فلم يجوزوا الترخص{[226]}  في سفر المعصية ، تخصيصا للآية بالمعنى والمناسبة ، فإن الرخصة سهولة من الله لعباده إذا سافروا أن يقصروا ويفطروا ، والعاصي بسفره لا يناسب حاله التخفيف .

وقوله : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ } أي : لا حرج ولا إثم عليكم في ذلك ، ولا ينافي ذلك كون القصر هو الأفضل ، لأن نفي الحرج إزالة لبعض الوهم الواقع في كثير من النفوس ، بل ولا ينافي الوجوب كما تقدم ذلك في سورة البقرة في قوله : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } إلى آخر الآية .

وإزالة الوهم في هذا الموضع ظاهرة ، لأن الصلاة قد تقرر عند المسلمين وجوبها على هذه الصفة التامة ، ولا يزيل هذا عن نفوس أكثرهم إلا بذكر ما ينافيه .

ويدل على أفضلية القصر على الإتمام أمران :

أحدهما : ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على القصر في جميع أسفاره .

والثاني : أن هذا من باب التوسعة والترخيص والرحمة بالعباد ، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته .

وقوله : { أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ } ولم يقل أن تقصروا الصلاة فيه فائدتان :

إحداهما : أنه لو قال أن تقصروا الصلاة لكان القصر غير منضبط بحد من الحدود ، فربما ظن أنه لو قصر معظم الصلاة وجعلها ركعة واحدة لأجزأ ، فإتيانه بقوله : { مِنَ الصَّلَاةِ } ليدل ذلك على أن القصر محدود مضبوط ، مرجوع فيه إلى ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

الثانية : أن { من } تفيد التبعيض ليعلم بذلك أن القصر لبعض الصلوات المفروضات لا جميعها ، فإن الفجر والمغرب لا يقصران وإنما الذي يقصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين .

فإذا تقرر أن القصر في السفر رخصة ، فاعلم أن المفسرين قد اختلفوا في هذا القيد ، وهو قوله : { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } الذي يدل ظاهره أن القصر لا يجوز إلا بوجود الأمرين كليهما ، السفر مع الخوف .

ويرجع حاصل اختلافهم إلى أنه هل المراد بقوله : { أَنْ تَقْصُرُوا } قصر العدد فقط ؟ أو قصر العدد والصفة ؟ فالإشكال إنما يكون على الوجه الأول .

وقد أشكل هذا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حتى سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما لنا نقصر الصلاة وقد أمِنَّا ؟ أي : والله يقول : { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أو كما قال .

فعلى هذا يكون هذا القيد أتى به نظرا لغالب الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليها ، فإن غالب أسفاره أسفار جهاد .

وفيه فائدة أخرى وهي بيان الحكمة والمصلحة في مشروعية رخصة القصر ، فبيَّن في هذه الآية أنهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة ، وهي اجتماع السفر والخوف ، ولا يستلزم ذلك أن لا يقصر مع السفر وحده ، الذي هو مظنة المشقة .

وأما على الوجه الثاني ، وهو أن المراد بالقصر : قصر العدد والصفة فإن القيد على بابه ، فإذا وجد السفر والخوف ، جاز قصر العدد ، وقصر الصفة ، وإذا وجد السفر وحده جاز قصر العدد فقط ، أو الخوف وحده جاز قصر الصفة . ولذلك أتى بصفة صلاة الخوف بعدها بقوله : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ }


[225]:- في ب: الترخيص.
[226]:- في ب: الترخيص.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

وبعد أن حض - سبحانه - عباده على الهجرة فى سبيله أتبع ذلك ببيان جانب من مظاهر رحمته فى التيسير عليهم فيما شرعه لهم من عبادات ، حيث أباح لهم قصر الصلاة فى حالة السفر ، وعرفهم كيف يؤدونها فى حالة الجهاد والخوف من مباغتة العدو لهم فقال - تعالى - : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ . . . عَذَاباً مُّهِيناً } .

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ( 101 ) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ( 102 )

قوله { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض } أى : إذا سافرتم ، وأطلق الضرب فى الأرض على السفر ؛ لأن المسافر يضرب برجله وبراحلته على الأرض .

والمراد من الأرض : ما يشمل البر والبحر : أى إذا سافرتم - أيها المؤمنون - فى أى مكان يسافر فيه من بر أو بحر { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أى : حرج أو إثم فى { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة } أى فى أن تنقصوا منها ما خففه الله عنكم رحمة بكم .

وقوله { تَقْصُرُواْ } من القصر وهو ضد المد . يقال قصرت الشئ أى جعلته قصيرا بحذف بعض أجزائه أو أوصافه .

ومن فى قوله { مِنَ الصلاة } يجوز أن يكون زائدة للتأكيد فيكون لفظ الصلاة مفعولا به لتقصروا . ويجوز أن تكون للتبعيض فيكون المفعول محذوفا . والجار والمجرور فى مضوع الصفة . أى : فليس عليكم جناح فى أن تقصروا شيئا من الصلاة .

وقوله { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا } جملة شرطية وجوابها محذوف دل عليه ما قبله .

والمراد بالفتنة هنا : إنزال الأذى بالمؤمنين .

أى : إن خفتم أن يتعرض لكم المشركون بما تكرهونه من القتال أو غيره حين سفركم فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة .

وقوله { إِنَّ الكافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } تعليل لتأكيد أخ الحذر من الكفر دائما ، لأن عداوتهم للؤمنين ظارهة ، وكراهتهم لهم شديدة .

أى : إن الكافرين كانوا وما زالوا بالنسبة لكم - أيها المؤمنون - يظهورن العداوة ، وما تخفيه صدروهم لكم من أحقاد وكراهية أشد وأكبر .

وقد أكد - سبحانه - هذه العداوة بإن الدالة على التوكيد ، وبكان المفيدة للدوام والاستمرار ، وبوصف هذه العداوة بالسفور والظهور ، لكى يحترس المسلمون منهم أشد الاحتراس .

هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى :

1- أن قصر الصلاة فى السفسر سنة . ومنهم من يرى أن المصلى مخير فيه كما يخير فى الكفارات . ومنهم من يرى أنه فرض .

قال القرطبى ما ملخصه : واختلف العلماء فى حكم القصر فى السفر ؛ فروى عن جماعة أنه فرض وهو قول عمر بن عبد العزيز والكوفيين . واحتجوا بحديث عائشة " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين " ولا حجة فيه لمخالفتها له ؛ فإنها كانت تتم فى السفر وذلك يوهنه . .

وحكى ابن الجهم أن أشهب روى عن مالك أن القصر فرض . ومشهور مذهبه وجل أصحابه ، وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة . وهو الصحيح .

ومذهب عامة البغداديين من المالكين أن الفرض التخيير . ثم اختلفوا فى أيهما أفضل ، فقال بعضهم : القصر أفضل . . وقيل : الإِتمام أفضل .

أما بالنسبة لمسافة السفر التى يجوز معها قصر الصلاة للعماء فيها أقوال منها : أن السفر الذى يسوغ القصر هو ما كان مسيرة ثلاثة أيام بلياليها بالسير المعتاد .

وهذا رأى الأحناف . ومن حججهم قوله صلى الله عليه وسلم : " يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليها " وأيضا ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم منع المرأة من السفر فوق ثلاث إلا مع زوج أو محرم ، فدل هذا على أن ما دون الثلاث لا يعد سفرا ، بل هو فى حكم الإِقامة ، حيث جعل الثلاث فاصلا بين الخروج بدون محرم وعدمه . وأيضا فقد جرى عرف العرب أن الرجل كان لا يعتبر مسافرا إلا بسير نحو ثلاثة أيام .

أما المالكية والشافعية وأكثر الأئمة فيرون أن السفر الذى تقصر فيه الصلاة هو ما كان مسيرة يوم وليلة وقيل يوم فقط ، وذلك لما رواه ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " يا أهل مكة لا تقصروا فى أدنى من أربعة برد . من مكة إلى عسفان " ، وقد قدرت هذه المسافة بمسيرة يوم وليلة أو يوم فقط .

ويرى داود الظاهرى وأتباعه أن القصر فى كل ما يسمى سفرا ، سواء أكان قصيرا أم طويلا ؛ لأن المدار عندهم فى تحقيق القصر على تحقيق شرطه وهو الضرب فى الأرض ، ولأن كلمة الضرب فى الأرض قد جاءت على إطلاقها من غير تقييد بمدة معلومة ولا مسافة محدودة .

وقد رد جمهور العلماء عليهم بردود منها : أن الضرب فى الأرض حقيقته الانتقال من كان إلى مكان . وظاهر أن مجرد الانتقال من مكان إلى آخر لا يكون سببا فى الرخصة ، فلا بد أن يكون السفر المرخص فيه بالقصر سفرا مخصوصا ، وقد بينت السنة النبوية الشريعة مقداره على خلاف فى الروايات .

هذا ، وقد حكى القرطبى أقوال بعض العلماء فى نقد أولئك الذين يأخذون الأمور بظاهرها بدون فهم سليم فقال :

قال ابن العربى : وقد تلاعب قوم بالدين فقالوا : إن من خرج من البلد إلى ظاهره أكل وقصر وقائل هذا أعجمى لا يعرف السفر عند العرب ، أو مستخف بالدين . ولولا أن العلماء ذكروه لما رضيت أن ألمحه بمؤخر عينى ، ولا أفكر فيه بفضول قلبى . ولم يذكر حد السفر الذى يقع به القصر لا فى القرآن ولا فى السنة . وإنما كان كذلك ، لأنها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله بالقرآن ؛ فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لا لغة ولا شرعا . وإن من مشى مسافرا ثلاثة أيام فإنه يكون مسافرا قطعا . كما أننا نحكم على من مشى يوما وليلة أنه كان مسافرا ، لحديث " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم منها " وهذا هو الصحيح لأنه وسط بين الحالين . وعليه عول مالك . ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقا عليه ، فقد روى مرة " يوما وليلة " ومرة " ثلاثة أيام " .

ثم قال القرطبى : واختلفوا فى نوع السفر الذى تقصر فيه الصلاة . فأجمع الناس على الجهاد والحج والعمرة وما ضارعها من صلة رحم . . واختلفوا فيما سوى ذلك . فالجمهور على جواز القصر فى السفر المباح كالتجارة وغيرها . وعلى أنه لا قصر فى سفر المصعية كالباغى وقاطع الطريق وما فى معناهما .

ثم قال : واختلف العلماء فى مدة الإِقامة التى إذا نواها المسافر أتم . فقال مالك والشافعى والليث بن سعد : إذا نوى الإِقامة أربعة أيام أتم .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا نوى الإِقامة خمس عشرة ليلة أتم ، وإن كان أقل من ذلك قصر .

2- ذهب جمهور العلماء إلى أن الآية الكريمة المقصود منها تشريع صلاة السفر ، وأن المراد بالقصر فى قوله { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة } هو القصر فى الكمية أى فى عدد الركعات ، بأن يصلى المسافر الصلاة الرباعية ركعتين ، وأن حكمها للمسافر فى حال الأمن كحكمها فى حال الخوف لتظاهر السنن على مشروعيتها مطلقا .

وقد وضح هذه المسألة الإمام ابن كثير توضيحا حسنا فقال ما ملخصه : وقوله - تعالى - { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا } الشرط فيه خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية . إذ كانت أسفارهم بعد الهجرة فى مبدئها مخوفة . بل كانوا لا ينهضون إلا إلى غزو عام ، أو سرية خاصة ، وسائر الأحياء حرب للإِسلام وأهله . والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له . كقوله - تعالى - { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } وقوله - تعالى - { وَرَبَائِبُكُمُ اللاتي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ } ومما يشهد بأن للمسافر أن يقصر سواء أكان آمنا أم خائفا ما رواه الترمذى والنسائى عن ابن عباس . أن النبى صلى الله عليه وسلم : خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الهل رب العالمين فصلى ركعتين .

وروى البخارى عن حارثة بن وهب الخزاعى قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن ما كان بمنى ركعتين .

وروى البخارى عن أنس قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة . فكان يصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة .

وروى مسلم وأحمد وأهل السنن " عن يعلى بن أمية قال : سألت عمر بن الخطاب . قلت له : قوله - تعالى - : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا } . وقد أمن الناس . فقال لى عمر : عجبت مما عجبت منه . فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " " .

وروى أبو بكر بن أبى شيبة عن أبى حنظلة الحذاء قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر ؟ فقال : ركعتان ، فقلت له : أين قوله ، { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا } ونحن آمنون ؟ فقال : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فأنت ترى من هذه النصوص أنها تدل على أن الآية الكريمة مسوق فى تشريع صلاة السفر سواء أكان المسافر آمنا أم خائفا ، وأن قوله - تعالى - { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة } المراد من القصر هنا قصر عدد الركعات من أربع إلى اثنين كما كان يفعل النبى صلى الله عليه وسلم فى أسفاره ، وأن القصر للصلاة فى السفر بالنظر لما كنت عليه فى الحضر .

قالوا : ومما يدل على أن لفظ القصر كان مخصوصا فى عرفهم بنقص عدد الركعات ، ما رواه البخارى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انصرف من اثنتين - أى صلى الصلاة الربعاية ركعتين عن سهو - فقال له ذواليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله " ؟ . . . هذا ؛ ويرى بعض العلماء أن هذه الآية نزلت فى صلاة الخوف ، وأن المصود بالقصر هنا هو قصر الكيفية لا الكمية - أى تخفيف ما اشتملت عليه من قراءة وتسبيح وغير ذلك - لأنهم يرون أن كمية صلاة المسافر ركعتان فهى تام غير قصر .

قال ابن كثير ما ملخصه : ومن العلماء من قال : إن المراد من القصر ها هنا إنما هو قصر الكيفية لا الكمية وهو قول مجاهد والضحاك والسدى واعتقدوا بما رواه الإِمام مالك عن عائشة أنها قالت فرضت الصلاة بكعتين فى السفر والحضر ، فأقرت صلاة السفر ، وزيد فى صلاة الحضر .

قالوا : فإذا كان أصل الصلاة فى السفر حتى اثنتين فيكف يكون المراد بالقصر هنا قصر الكمية . لأن ما هو الأصل لا يقال فيه { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة } . وروى الإِمام أحمد والنسائى وابن ماجه عن عمر - رضى الله عنه - قال : صلاة السفر ركعتان ؛ وصلاة الأضحى ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم " .

وقال القرطبى : وذهب جماعة إلى أن هذه الآية إنما هى مبيحة للقصر فى السفر للخائف من العدو فمن كان آمنا فلا قصر له . روى عن عائشة أنها كنت تقول فى السفر : أتموا صلاتكم . فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر . فقالت : إنه كان فى حرب وكان يخاف وهل أنتم تخافون ؟ . . .

وذهب جماعة إلى أن الله - تعالى - لم يبح القصر فى كتابه إلا بشرطين : السفر والخوف وفى غير الخوف بالسنة .

ويبدو لنا أن الأولى ما ذهب إليه جمهور العلماء من الآية الكريمة المقصود منها تشريع صلاة السفر ؛ وأن المراد بالقصر فيها قصر كمية الصلاة بحيث يصلى المسافر الصلاة الرباعية ركعتين تخفيفا من الله - تعالى - عليه ، سواء أكان فى حالة أمن أم حالة خوف ، لأن النصوص التى ساقها الجمهور لتأييد رأيهم صريحة فى صحة ما ذهبوا إليه ، ولأن القصر فى اللغة منعناه أن تقتصر من الشئ على بعضه ، وهذا أظهر ما يكون فى قصر الركعات على اثنين بدل أربع ، تقتصر من الشئ على بعضه ، وهذا أظهر ما يكون فى قصر الركعات على اثنين بدل أربع ، أما القصر فى الصفة أو الكيفية فهو تغيير فى الصلاة لا إتيان بالبعض ، إذ هو إحلال للإِيماء محل الركوع والسجود - مثلا - .

وأيضا فإن { مِنَ } فى قوله { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة } تكون أظهر من الاقتصار على بعض الركعات عند من يجعل هذا الحرف للتبعيض .

ومن أراد مزيد بيان لتلك المسائل فليرجع إلى أمهات كتب الفقه والتفسير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

95

ويخلص لنا منها مدى عمق عنصر الجهاد وأصالته في العقيدة الإسلامية ، وفي النظام الإسلامي ، وفي المقتضيات الواقعية لهذا المنهج الرباني . . وقد عدته الشيعة ركنا من أركان الإسلام - ولهم من قوة النصوص ومن قوة الواقع ما يفسر اتجاههم هذا . لولا ما ورد في حديث : " بني الإسلام على خمس . . . " ولكن قوة التكليف بالجهاد ؛ وأصالة هذا العنصر في خطر الحياة الإسلامية ؛ وبروز ضرورته في كل وقت وفي كل أرض - الضرورة التي تستند إلى مقتضيات فطرية لا ملابسات زمنية - كلها تؤيد هذا الشعور العميق بجدية هذا العنصر وأصالته .

ويخلص لنا كذلك أن النفس البشرية هي النفس البشرية ؛ وأنها قد تحجم أمام الصعاب ، أو تخاف أمام المخاطر ، وتكسل أمام العقبات ، في خير الأزمنة وخير المجتمعات . وأن منهج العلاج في هذه الحالة ، ليس هو اليأس من هذه النفوس . ولكن استجاشتها ، وتشجيعها ، وتحذيرها ، وطمأنتها في آن واحد . وفق هذا المنهج القرآني الرباني الحكيم .

وأخيرا يخلص لنا كيف كان هذا القرآن يواجه واقع الحياة ؛ ويقود المجتمع المسلم ؛ ويخوض المعركة - في كل ميادينها - وأول هذه الميادين هو ميدان النفس البشرية ؛ وطبائعها الفطرية ، ورواسبها كذلك من الجاهلية . وكيف ينبغي أن نقرأ القرآن ، ونتعامل معه ونحن نواجه واقع الحياة والنفس بالدعوة إلى الله .

بعد ذلك يستطرد الى رخصة ، يبيحها الله للمهاجرين ، أو الضاربين في الأرض للجهاد أو للتجارة . في حالة خوفهم أن يأخذهم الذين كفروا أسارى . فيفتنوهم عن دينهم . وهي رخصة القصر من الصلاة - وهو غير القصر المرخص به للمسافر إطلاقا سواء خاف فتنة الذين كفروا أو لم يخف - فهذا قصر خاص .

( وإذا ضربتم في الأرض ، فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة - إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا - إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينًا ) . .

إن الضارب في الأرض في حاجة ماسة إلى الصلة الدائمة بربه ، تعينه على ما هو فيه ، وتكمل عدته وسلاحه فيما هو مقدم عليه ، وما هو مرصود له في الطريق . . والصلاة أقرب الصلات إلى الله . وهي العدة التي يدعى المسلمون للاستعانة بها في الشدائد والملمات . فكلما كان هناك خوف أو مشقة قال لهم : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) . .

ومن ثم يجيء ذكرها هنا في إبانها المناسب ، وفي وقت الحاجة إليها والاضطرار . فما أحوج الخائف في الطريق إلى أن يطمئن قلبه بذكر الله . وما أحوج المهاجر من أرضه إلى أن يلتجى ء إلى حمى الله . . غير أن الصلاة الكاملة - وما فيها من قيام وركوع وسجود - قد تعوق الضارب في الأرض عن الإفلات من كمين قريب . أو قد تلفت إليه أنظار عدوه فيعرفوه . أو قد تمكن لهم منه وهو راكع أو ساجد فيأخذوه . . ومن ثم هذه الرخصة للضارب في الأرض أن يقصر في الصلاة عند مخافة الفتنة .

والمعنى الذي نختاره في القصر هنا هو المعنى الذي اختاره الإمام الجصاص . وهو أنه ليس القصر في عدد الركعات بجعلها اثنتين في الصلاة الرباعية . فهذا مرخص به للمسافر إطلاقا ، بلا تخصيص حالة الخوف من الفتنة . بل هذا هو المختار في الصلاة للمسافر - كفعل رسول الله [ ص ] في كل سفر - بحيث لا يجوز إكمال الصلاة في السفر في أرجح الأقوال .

وإذن فهذه الرخصة الجديدة - في حالة خوف الفتنة - تعني معنى جديدا غير مجرد القصر المرخص به لكل مسافر . إنما هو قصر في صفة الصلاة ذاتها . كالقيام بلا حركة ولا ركوع ولا سجود ولا قعود للتشهد . حيث يصلي الضارب في الأرض قائما وسائرا وراكبا ، ويومى ء للركوع والسجود .

وكذلك لا يترك صلته بالله في حالة الخوف من الفتنه ، ولا يدع سلاحه الأول في المعركة ، ويأخذ حذره من عدوه :

إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينًا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

{ وإذا ضربتم في الأرض } سافرتم . { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } بتنصيف ركعاتها ونفي الحرج فيه يدل على جوازه دون وجوبه ، ويؤيده أن عليه الصلاة والسلام أتم في السفر . وأن عائشة رضي الله تعالى عنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : يا رسول الله قصرت وأتممت ، وصمت وأفطرت . فقال " أحسنت يا عائشة " . وأوجبه أبو حنيفة لقول عمر رضي الله تعالى عنه : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر . فظاهرهما يخالف الآية الكريمة فإن صحا فالأول مؤول بأنه كالتمام في الصحة والإجزاء ، والثاني لا ينفي جواز الزيادة فلا حاجة إلى تأويل الآية . بأنهم ألفوا الأربع فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن ركعتي السفر قصر ونقصان ، فسمي الإتيان بهما قصرا على ظنهم . ونفي الجناح فيه لتطيب به نفوسهم ، وأقل سفر تقصر فيه أربعة برد عندنا وستة عند أبي حنيفة .

قرئ { تقصروا } من أقصر بمعنى قصر ومن الصلاة صفة محذوف أي : شيئا من الصلاة عند سيبويه ، ومفعول تقصروا بزيادة عند الأخفش . { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا } شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت ، ولذلك لم يعتبر مفهومها كما لم يعتبر في قوله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وقد تظاهرت السنن على جوازه أيضا في حال الأمن . وقرئ من الصلاة أن يفتنكم بغير إن خفتم بمعنى كراهة أن يفتنكم : وهو القتال والتعرض بما يكره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

{ ضربتم } معناه : سافرتم . فأهل الظاهر يرون القصر في كل سفر يخرج عن الحاضرة ، وهي من حيث تؤتى الجمعة ، وهذا قول ضعيف{[4246]} ، واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلاة ، فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وابن راهويه : تقتصر الصلاة في أربعة برد ، وذلك ثمانية وأربعون ميلاً . وحجتهم أحاديث رويت في ذلك عن ابن عمر وابن عباس ، وقال الحسن والزهري : تقصر الصلاة في مسيرة يومين ولم يذكرا أميالاً ، وروي هذا القول عن مالك ، وروي عنه أيضاً : تقصر الصلاة في يوم وليلة وهذه الأقوال الثلاثة تتقارب في المعنى ، وروي عن ابن عباس وابن عمر : أن الصلاة تقصر في مسيرة يوم التام ، وقصر ابن عمر في ثلاثين ميلاً ، وعن مالك في العتبية فيمن خرج إلى ضيعته على مسيرة خمسة وأربعين ميلاً ، قال : يقصر ، وعن ابن القاسم في العتبية : أن قصر في ستة وثلاثين فلا إعادة عليه ، وقال يحيى بن عمر : يعيد أبداً ، وقال ابن عبد الحكم : في الوقت ، وقال ابن مسعود وسفيان والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن : من سافر مسيرة ثلاث قصر . قال أبو حنيفة : ثلاثة أيام ولياليها سير الإبل ومشي الأقدام وروي عن أنس بن مالك : أنه قصر في خمسة عشر ميلاً ، قال الأوزاعي : عامة العلماء في القصر في مسيرة اليوم التام ، وبه نأخذ .

واختلف الناس في نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة ، فأجمع الناس على الجهاد والحج والعمرة وما ضارعها من صلة رحم وحياء نفس ، واختلف الناس فيما سوى ذلك ، فالجمهور على جواز القصر في السفر المباح ، كالتجارة ونحوها ، وروي عن ابن مسعود أنه قال : لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد وقال عطاء لا تقصر الصلاة إلا في سفر طاعة وسبيل من سبل الخير ، وقد روي عن عطاء أنها تقصر في كل المباح ، والجمهور من العلماء على أنه لا قصر في سفر المعصية ، كالباغي وقاطع الطريق وما في معناهما ، وروي عن الأوزاعي وأبي حنيفة إباحة القصر في جميع ذلك . وجمهور العلماء على أن المسافر لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية ، وحينئذ هو ضارب في الأرض ، وهو قول مالك في المدونة وابن حبيب وجماعة المذهب ، قال ابن القاسم في المدونة : ولم يحد لنا مالك في القرب حداً ، وروي عن مالك إذا كانت قرية يجمع أهلها فلا يقصر حتى يجاوزها بثلاثة أميال ؛ وإلى ذلك في الرجوع ، وإن كانت لا يجمع أهلها قصر إذا جاوز بساتينها ، وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفراً فصلى بهم ركعتين في منزله ، وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود ، وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى وروي عن مجاهد أنه قال : لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل ، وهو شاذ ، وقد ثبت ( أن النبي عليه السلام صلى الظهر بالمدينة أربعاً ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ){[4247]} ، وليس بينهما ثلث يوم ، ويظهر من قوله تعالى { فليس عليكم جناح أن تقصروا } أن القصر مباح أو مخير فيه ، وقد روى ابن وهب عن مالك : أن المسافر مخير ، وقاله الأبهري ، وعليه حذاق المذهب ، وقال مالك في المبسوط : القصر سنة .

وهذا هو جمهور المذهب ، وعليه جواب المدونة بالإعادة في الوقت لمن أتم في سفره ، وقال محمد بن سحنون وإسماعيل القاضي : القصر فرض ، وبه قال حماد بن أبي سليمان ، وروي نحوه عن عمر بن عبد العزيز ، وروي عن ابن عباس أنه قال : من صلى في السفر أربعاً فهو كمن صلى في الحضر ركعتين ، وحكى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب : أنه قال : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم ، وقد خاب من افترى ، ويؤيد هذا قول عائشة : فرضت الصلاة ركعتين في الحضر والسفر ، فأقرت صلاة السفر ، وزيد في صلاة الحضر{[4248]} ، واختلف العلماء في معنى قوله تعالى : { أن تقصروا } فذهب جماعة من العلماء إلى أنه القصر إلى اثنين من أربع ، روي عن علي بن أبي طالب أنه قال : سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إنّا نضرب في الأرض فكيف نصلي ؟ فأنزل الله تعالى { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ثم انقطع الكلام ، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي عليه السلام ، فصلى الظهر ، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم ، فهلا شددتم عليهم ، فقال قائل منهم : إن لهم أخرى في أثرها ، فأنزل الله تعالى بين الصلاتين { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } إلى آخر صلاة الخوف{[4249]} .

وذكر الطبري في سرد هذه المقالة حديث يعلى بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب ، إن الله تعالى يقول { إن خفتم } وقد أمن الناس ، فقال عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله عن ذلك فقال : «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته »{[4250]} ، قال الطبري : وهذا كله قول الحسن ، إلا أن قوله تعالى : { وإذا كنت } تؤذن بانقطاع ما بعدها مما قبلها ، فليس يترتب من لفظ الآية ، إلا أن القصر مشروط بالخوف ، وفي قراءة أبيّ بن كعب «أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا » - بسقوط { إن خفتم } وثبتت في مصحف عثمان رضي الله عنه ، وذهبت جماعة أخرى إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة القصر في السفر للخائف من العدو ، فمن كان آمناً فلا قصر له ، وروي عن عائشة أنها كانت تقول في السفر : أتموا صلاتكم ، فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر ، فقالت : إنه كان في حرب وكان يخاف ، وهل أنتم تخافون{[4251]} ؟ وقال عطاء : كان يتم الصلاة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وسعد بن أبي وقاص ، وأتم عثمان بن عفان ، ولكن علل ذلك بعلل غير هذه ، وكذلك علل إتمام عائشة أيضاً بغير هذا وقال آخرون : القصر المباح في هذه الآية إنما هو قصر الركعتين إلى ركعة ، والركعتان في السفر إنما هي تمام ، وقصرها أن تصير ركعة ، قال السدي : إذا صليت في السفر ركعتين فهو تمام ، والقصر لا يحل إلا أن يخاف ، فهذه الآية مبيحة أن تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها شيئاً ، ويكون للإمام ركعتان ، وروي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : ركعتان في السفر تمام غير قصر ، إنما القصر في صلاة المخافة يصلي الإمام بطائفة ركعة ، ثم يجيء هؤلاء فيصلي بهم ركعة ، فتكون للإمام ركعتان ولهم ركعة ، ركعة{[4252]} ، وقال نحو هذا سعيد بن جبير وجابر بن عبد الله وكعب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعله حذيفة بطبرستان وقد سأله الأمير سعيد بن العاصي ذلك ، وروى ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك في غزوة ذي قرد ركعة بكل طائفة ولم يقضوا{[4253]} ، وقال مجاهد عن ابن عباس : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة{[4254]} ، وروى جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بأصحابه يوم حارب خصفة وبني ثعلبة ، وروى أبو هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بين ضجنان وعسفان{[4255]} .

وقال آخرون : هذه الآية مبيحة القصر من حدود الصلاة وهيئتها عند المسايفة واشتعال الحرب ، فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماء برأسه ، ويصلي ركعة واحدة حيث توجه ، إلى تكبيرتين ، إلى تكبيرة على ما تقدم من أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى : { فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً } [ البقرة : 239 ] ورجح الطبري هذا القول ، وقال : إنه يعادله قوله { فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة } أي بحدودها وهيئتها الكاملة ، وقرأ الجمهور «تَقصُروا » بفتح التاء وضم الصاد ، وروى الضبي عن أصحابه «تُقْصِروا » بضم التاء وكسر الصاد وسكون القاف وقرأ الزهري «تُقَصِّروا » بضم التاء وفتح القاف وكسر الصاد وشدها ، و { يفتنكم } معناه : يمتحنكم بالحمل عليكم وإشغال نفوسكم في صلاتكم ، ونحو هذا قول صاحب الحائط{[4256]} : لقد أصابتني في مالي هذا فتنة ، وأصل الفتنة الاختبار بالشدائد ، وإلى هذا المعنى ترجع كيف تصرفت{[4257]} .

وعدو : وصف يجري على الواحد والجماعة ، و «مبين » مفعل من أبان ، المعنى : قد جلحوا{[4258]} في عداوتكم وراموكم كل مرام .

وقوله تعالى : { وإذا كنت فيهم } الآية قال جمهور الأمة : الآية خطاب للنبي عليه السلام ، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة ، وقال أبو يوسف وإسماعيل بن علية : الآية خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الصلاة بإمامة النبي عليه السلام لا عوض منها ، وغيره من الأمراء منه العوض فيصلي الناس بإمامين ، طائفة بعد طائفة ، ولا يحتاج إلى غير ذلك .

قال القاضي أبو محمد : وكذلك جمهور العلماء على أن صلاة الخوف تصلى في الحضر إذا نزل الخوف ، وقال قوم : لا صلاة خوف في حضر ، وقاله في المذهب عبد الملك بن الماجشون ، وقال الطبري : { فأقمت لهم } معناه : حدودها وهيئتها ، ولم تقصر على ما أبيح قبل في حال المسايفة ، وقوله { فلتقم طائفة منهم معك } ، أمر بالانقسام ، أي وسائرهم وجاه العدو حذراً وتوقع حملته ، وأعظم الروايات والأحاديث على أن صلاة الخوف إنما نزلت الرخصة فيها في غزوة ذات الرقاع ، وهي غزوة محارب وخصفة ، وفي بعض الروايات : أنها نزلت في ناحية عسفان وضجنان ، والعدو : خيل قريش ، عليها خالد بن الوليد ، واختلف من المأمور بأخذ الأسلحة هنا ؟ فقيل الطائفة المصلية ، وقيل : بل الحارسة .

قال القاضي أبو محمد : ولفظ الآية يتناول الكل ، ولكن سلاح المصلين ما خف ، واختلفت الآثار في هيئة صلاة النبي عليه السلام بأصحابه صلاة الخوف ، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء .

فروى يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة{[4259]} أنه صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع ، فصفت طائفة معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ، ثم ثبت قائماً وأتموا ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم ، وروى القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل هذا الحديث بعينه ، إلا أنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صلَّى بالطائفة الأخيرة ركعة ، سلم ، ثم قضت هي بعد سلامه ، وبهذا الحديث أخذ مالك رحمه الله في صلاة الخوف ، كان أولاً يميل إلى رواية يزيد بن رومان ، ثم رجع إلى رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر{[4260]} .

وروى مجاهد وغيره عن ابن عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت على خلاف فيه{[4261]} : أن النبي عليه السلام صلَّى صلاة الخوف بعسفان والعدو في قبلته ، قال : فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ، فقال المشركون : لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ، فقالوا : تأتي الآن عليهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم ، قال : فنزل جبريل بين الظهر والعصر بهذه الآيات ، وأخبره خبرهم ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف العسكر خلفه صفين ، ثم كبر فكبروا جميعاً ، ثم ركع فركعنا جميعاً ، ثم رفع فرفعنا جميعاً ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما سجدوا وقاموا سجد الآخرون في مكانهم ، ثم تقدموا إلى مصاف المتقدمين وتأخر المتقدمون إلى مصاف المتأخرين ، ثم ركع فركعوا جميعاً ، ثم رفع فرفعوا جميعاً ، ثم سجد النبي فسجد الصف الذي يليه ، فلما رفع سجد الآخرون ، ثم سلم فسلموا جميعاً ، ثم انصرفوا ، قال عبد الرزاق بن همام{[4262]} في مصنفه : وروى الثوري عن هشام مثل هذا ، إلا أنه قال : ينكص الصف المتقدم القهقرى حين يرفعون رؤوسهم من السجود ، ويتقدم الآخرون فيسجدون في مصاف الأولين ، قال عبد الرزاق عن معمر عن خلاد بن عبد الرحمن عن مجاهد قال : لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف إلا مرتين ، مرة بذات الرقاع من أرض بني سليم ، ومرة بعسفان والمشركون بضجنان بينهم وبين القبلة .

قال القاضي أبو محمد : وظاهر اختلاف الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي أنه صلى صلاة الخوف في غير هذين الموطنين ، وذكر ابن عباس أنه كان في غزوة ذي قرد صلاة خوف{[4263]} ، وروى عبد الله بن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو ، وجاء أولئك فصلى بهم النبي عليه السلام ركعة ، ثم سلم ، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة في حين واحد ، وبهذه الصفة في صلاة الخوف أخذ أشهب رحمه الله ، ومشى على الأصل في أن لا يقضي أحد قبل زوال حكم الإمام ، فكذلك لا يبني ، ذكر هذا عن أشهب جماعة منهم ابن عبد البر وابن يونس وغيرهما ، وحكى اللخمي عنه : أن مذهبه أن يصلي الإمام بطائفة ركعة ثم ينصرفون تجاه العدو ، وتأتي الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يسلم وتقوم التي معه تقضي ، فإذا فرغوا منه صاروا تجاه العدو ، وقضت الأخرى ، وهذه سنة رويت عن ابن مسعود ، ورجح ابن عبد البر القول بما روي عن ابن عمر ، وروي أن سهل بن أبي حثمة قد روي عنه مثل ما روي عن ابن عمر سواء ، وروى حذيفة حين حكى صلاة النبي عليه السلام في الخوف : أنه صلى بكل طائفة ركعة ، ولم يقض أحد من الطائفتين شيئاً زائداً على ركعة ، وذكر ابن عبد البر وغيره عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين ، فكانت لرسول الله أربع ، ولكل رجل ركعتان ، وبهذه كان يفتي الحسن بن أبي الحسن ، وهو قول يجيزه كل من أجاز اختلاف نية الإمام والمأموم في الصلاة ، وقال أصحاب الرأي : إذا كانت صلاة المغرب افتتح الإمام الصلاة ومعه طائفة ، وطائفة بإزاء العدو ، فيصلي بالتي معه ركعتين ، ثم يصيرون إلى إزاء العدو ، وتأتي الطائفة التي صلت مع الإمام ركعتين إلى مقامهم الأول في الصلاة ، فيقضون ركعة وسجدتين وحداناً ويسلمون ، ثم يجيئون إلى إزاء العدو ، وتنصرف الطائفة الأخرى إلى مقام الصلاة ، فيقضون ركعتين بقراءة وحداناً ويسلمون ، وكملت صلاتهم .

قال القاضي أبو محمد - رحمه الله - : وهذا طرد قول أصحاب الرأي في سائر الصلوات ، سأل مروان بن الحكم أبا هريرة ، هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ؟ قال أبو هريرة : نعم ، قال مروان : متى ؟ قال أبو هريرة : عام غزوة نجد ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة العصر فقامت معه طائفة ، وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة ، فكبر رسول الله وكبروا جميعاً ، الذين معه والذين بإزاء العدو ثم ركع رسول الله وركع معه الذين معه وسجدوا كذلك ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت الطائفة التي كانت معه إلى إزاء العدو وأقبلت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله قائم كما هو ثم قاموا فركع رسول الله ركعة أخرى وركعوا معه وسجدوا فسجدوا معه ثم أقبلت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله قاعد ثم كان السلام فسلم رسول الله وسلموا جميعاً . وأسند أبو داود في مصنفه عن عائشة رضي الله عنها صفة في صلاة النبي صلاة الخوف تقرب مما روي عن أبي هريرة وتخالفها في أشياء إلا أنها صفة صلاة الخوف من لدن قول أبي يوسف وابن علية أحد عشر قولاً منع صلاة الخوف لكونها خاصة النبي صلى الله عليه وسلم وعشر صفات على القول الشهير فإنها باقية للأمراء .


[4246]:- هذا هو رأي (داود)، وقد استند فيه إلى ما رواه مسلم عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: (سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاث أميال أو ثلاث فراسخ (شعبة الشاك) صلى ركعتين، قال القرطبي: "وهذا لا حجة فيه، لأنه مشكوك فيه- وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التي بدأ منها القصر، وكان سفرا طويلا زائدا على ذلك" اهـ.
[4247]:- رواه مسلم عن أنس بن مالك في كتاب: "صلاة المسافرين وقصرها".
[4248]:- رواه مسلم عن عائشة من طريق: يحيى بن يحيى: ومن طريق أبي الطاهر في "كتاب صلاة المسافرين وقصرها"، وأخرجه مالك، والبخاري، وعبد بن حميد.
[4249]:- أخرجه ابن جرير عن علي، (تفسير الطبري، والدر المنثور).
[4250]:- أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم. (الدر المنثور).
[4251]:- أخرجه ابن جرير من طريق عمر بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق. (الدر المنثور).
[4252]:- أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير عن سماك الحنفي. (الدر المنثور).
[4253]:- أخرج الحديث عن ابن عباس-عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، عبد بن حميد، وابن جرير، والحاكم وصححه، و"ذي قرد": بفتح القاف والراء، وقيل: بضمهما، وقيل: بضم القاف وفتح الراء، قال البلاذري: الصواب الأول.
[4254]:- رواه مسلم في كتاب: "صلاة المسافرين وقصرها"
[4255]:- الحديث رواه عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، ابن أبي حاتم عن مجاهد، ورواه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة، (راجع تفسير الطبري، 5/ 244 ومشكاة المصابيح باب "صلاة الخوف"، والدر المنثور 2/210). وضجنان كسكران: جبل قرب مكة، وآخر بالبادية كما قال في "القاموس". وعُسفان كعثمان: موضع على مرحلتين من مكة.
[4256]:- الحائط: البستان.
[4257]:- قال الفراء: أهل المجاز يقولون: فتنت الرجل، وربيعة وقيس وأسد وجميع أهل نجد يقولون: أفتنت الرجل. وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقالا: فتنته: جعلت فيه فتنة مثل أكحلته، وأفتنته: جعلته مفتتنا وزعم الأصمعي أنه لا يعرف أفتنته.
[4258]:- جلح في عداوته: كاشفه بها.
[4259]:- سهل بن أبي حثمة بسكون الثاء: الأنصاري الأوسي، كان له سبع سنين أو ثمان سنين عند موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حدّث عنه بأحاديث، وكذلك حدث عن زيد بن ثابت، وروى عنه ابنه محمد، وابن أخيه محمد سليمان، وصالح بن خوت (أو ابن خوّات) كان أبوه دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد، وشهد المشاهد كلها إلا بدرا. (الإصابة 4/ 271، 272).
[4260]:- حجة مالك في ذلك أن الإمام ليس له أن ينتظر أحدا سبقه بشيء منها، وأن السنة المجمع عليها أن يقضي المأمومون ما سبقوا به بعد سلام الإمام-وقال الشافعي: حديث يزيد ابن رومان، عن صالح بن خوات هذا أشبه الأحاديث في صلاة الخوف بظاهر كتاب الله، وبه أقول، وقال أحمد كقول الشافعي في المختار عنده. (القرطبي 5/ 366).
[4261]:- قيل: زيد بن الصامت، وقيل: زيد بن النعمان الزرفي، مشهور بكنيته. (الإصابة 4/ 58).
[4262]:- عبد الرزاق بن همّام بن نافع الحميري، أبو بكر الصنعاني: من حفاظ الحديث الثقات، من أهل صنعاء، كان يحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث، له "الجامع الكبير" في الحديث، قال الذهبي: وهو خزانة علم –توفي سنة 211هـ 827م. (تهذيب التهذيب- وابن خلكان، وطبقات الحنابلة).
[4263]:-اختلف العلماء في هيئة صلاة الخوف لاختلافها. ذكر ابن القصار أنه صلى الله عليه وسلم صلاها في عشر مواضع، وقال ابن العربي: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف أربعا وعشرين مرة، وقال الإمام أحمد بن حنبل، وهو إمام أهل الحديث، والمقدم في معرفة علل النقل فيه: لا أعلم أنه روي في صلاة الخوف إلا حديث ثابت، وهي كلها صحاح ثابتة، فعلى أي حديث صلى منها المصلي صلاة الخوف أجزأه إن شاء الله، وكذلك قال أبو جعفر الطبري، (عن القرطبي 3/ 365).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

انتقال إلى تشريع آخر بمناسبة ذكر السفر للخروج من سلطة الكفر ، على عادة القرآن في تفنين أغراضه ، والتماس مناسباتها . والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها . والضرب في الأرض : السفر .

( وإذا ) مضمّنة معنى الشرط كما هو غالب استعمالها ، فلذلك دخلت الفاء على الفعل الذي هو كجواب الشرط . ( وإذا ) منصوبة بفعل الجواب .

وقصر الصلاة : النقص منها ، وقد عُلم أنّ أجزاء الصلاة هي الركعات بسجداتها وقراءاتها ، فلا جرم أن يعلم أنّ القصر من الصلاة هو نقص الركعات ، وقد بيّنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ صيّر الصلاة ذات الأربع الركعات ذات ركعتين . وأجملت الآية فلم تعيّن الصلوات التي يعتريها القصر ، فبيّنته السنّة بأنّها الظهر والعصر والعشاء . ولم تقصر الصبح لأنّها تصير ركعة واحدة فتكون غير صلاة ، ولم تقصر المغرب لئلاّ تصير شفعاً فإنّها وتر النهار ، ولئلاّ تصير ركعة واحدة كما قلنا في الصبح .

وهذه الآية أشارت إلى قصر الصلاة الرباعية في السفر ، ويظهر من أسلوبها أنّها نزلت في ذلك ، وقد قيل : إنّ قصر الصلاة في السفر شُرع في سنة أربع من الهجرة وهو الأصحّ ، وقيل : في ربيع الآخر من سنة اثنتين ، وقيل : بعد الهجرة بأربعين يوماً . وقد روى أهل الصحيح قول عائشة رضي الله عنها : فُرِضت الصلاة ركعتين فأقِرّت صلاة السفر وزيدت صلاة الحضر ، وهو حديث بيّن واضح . ومحمل الآية على مقتضاه : أنّ الله تعالى لمّا فرض الصلاة ركعتين فتقرّرت كذلك فلمّا صارت الظهر والعصر والعشاء أربعاً نسخ ما كان من عددها ، وكان ذلك في مبدأ الهجرة ، وإذ قد كان أمر الناس مقاماً على حالة الحضر وهي الغالب عليهم ، بطل إيقاع الصلوات المذكورات ركعتين ، فلمّا غزوا خفف الله عنهم فأذنهم أن يصلّوا تلك الصلوات ركعتين ركعتين ، فلذلك قال تعالى : { فليس عليكم جناح } وقال : { أن تقصروا من الصلاة } وإنّما قالت عائشة « أقرت صلاة السفر » حيث لم تتغيّر عن الحالة الأولى ، وهذا يدلّ على أنّهم لم يصلّوها تامّة في السفر بعد الهجرة ، فلا تعارض بين قولها وبين الآية .

وقوله : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } شرط دلّ على تخصيص الإذن بالقصر بحَال الخوف من تمكّن المشركين منهم وإبطالِهم عليهم صلاتهم ، وأنّ الله أذن في القصر لتقع الصلاة عن اطمئنان ، فالآية هذه خاصّة بقصر الصلاة عند الخوف ، وهو القصر الذي له هيئة خاصّة في صلاة الجماعة ، وهذا رأي مالك ، يدلّ عليه ما أخرجه في « الموطأ » : أنّ رجلاً من آل خالد بن أسِيد سأل عبد الله بن عُمر « إنّا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر » ، فقال ابن عمر : « يابن أخي إنّ الله بعث إلينا محمداً ولا نعلم شيئاً فإنّما نفعل كما رأيناه يفعل » ، يعني أنّ ابن عمر أقرّ السائل وأشعره بأنّ صلاة السفر ثبتت بالسنّة ، وكذلك كانت ترى عائشة وسعد بن أبي وقّاص أنّ هذه الآية خاصّة بالخوف ، فكانا يكمّلان الصلاة في السفر .

وهذا التأويل هو البيّن في محمل هذه الآية ، فيكون ثبوت القصر في السفر بدون الخوف وقصر الصلاة في الحضر عند الخوف ثابتين بالسنّة ، وأحدهما أسبق من الآخر ، كما قال ابن عمر . وعن يعلى بن أمية أنّه قال : قلت لعمر بن الخطاب : إنّ الله تعالى يقول : { إن خفتم } وقد أمِن الناس . فقال : عجبتُ ممّا عجبتَ منه فسألتُ رسول الله عن ذلك فقال " صدقةٌ تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقَته " . ولا شكّ أنّ محمل هذا الخبر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ عمرَ على فهمه تخصيصَ هذه الآية بالقصر لأجل الخوف ، فكان القصر لأجل الخوف رخصة لدفع المشقّة ، وقوله : له صدقة الخ ، معناه أنّ القصر في السفر لغير الخوف صدقة من الله ، أي تخفيف ، وهو دون الرخصة فلا تردّوا رخصته ، فلا حاجة إلى ما تَمَحّلوا به في تأويل القيد الذي في قوله : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } وتقتصر الآية على صلاة الخوف ، ويستغني القائلون بوجوب القصر في السفر مثل ابن عباس ، وأبي حنيفة ، ومحمد بن سحنون ، وإسماعيل بن إسحاق من المالكية ؛ والقائلون بتأكيد سنّة القصر مثل مالك بن أنس وعامّة أصحابه ، عن تأويل قوله : { فليس عليكم جناح } بما لا يلائم إطلاق مثل هذا اللفظ . ويكون قوله : { وإذا ضربتم في الأرض } إعادة لتشريع رخصة القصر في السفر لقصد التمهيد لقوله : { وإذا كنت فيهم } الآيات .

أمّا قصر الصلاة في السفر فقد دلّت عليه السنّة الفعلية ، واتَّبعه جمهور الصحابة إلاّ عائشة وسعدَ بن أبي وقاص ، حتّى بالغ من قال بوجوبه من أجل حديث عائشة في « الموطأ » و« الصحيحين » لدلالته على أنّ صلاة السفر بقيت على فرضها ، فلو صلاّها رباعية لكانت زيادة في الصلاة ، ولقول عمر فيما رواه النسائي وابن ماجة : صلاة السفر ركعتان تمامٌ غيرُ قصر . وإنّما قال مالك بأنّه سنّة لأنّه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة السفر إلاّ القصر ، وكذلك الخلفاء من بعده . وإنّما أتمّ عثمان بن عفّان الصلاة في الحج خشية أن يتوهّم الأعراب أنّ الصلوات كلّها ركعتان . غير أنّ مالكاً لم يقل بوجوبه من أجل قوله تعالى : { فليس عليكم جناح } لمنافاته لصيغ الوجوب . ولقد أجاد محامل الأدلّة .

وأخْبِر عن الكافرين وهو جمع بقوله : { عَدُوّاً } وهو مفرد . وقد قدّمنا ذلك عند قوله تعالى : { فإن كان من قوم عدوَ لكم } [ النساء : 92 ] .