فلم يبق إلا الشفاعة ، فنفاها بقوله : { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } فهذه أنواع التعلقات ، التي يتعلق بها المشركون بأندادهم ، وأوثانهم ، من البشر ، والشجر ، وغيرهم ، قطعها اللّه وبيَّن بطلانها ، تبيينا حاسما لمواد الشرك ، قاطعا لأصوله ، لأن المشرك إنما يدعو ويعبد غير اللّه ، لما يرجو منه من النفع ، فهذا الرجاء ، هو الذي أوجب له الشرك ، فإذا كان من يدعوه [ غير اللّه ] ، لا مالكا للنفع والضر ، ولا شريكا للمالك ، ولا عونا وظهيرا للمالك ، ولا يقدر أن يشفع بدون إذن المالك ، كان هذا الدعاء ، وهذه العبادة ، ضلالا في العقل ، باطلة في الشرع .
بل ينعكس على المشرك مطلوبه ومقصوده ، فإنه يريد منها النفع ، فبيَّن اللّه بطلانه وعدمه ، وبيَّن في آيات أخر ، ضرره على عابديه{[734]} وأنه يوم القيامة ، يكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، ومأواهم النار { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }
والعجب ، أن المشرك استكبر عن الانقياد للرسل ، بزعمه{[735]} أنهم بشر ، ورضي أن يعبد ويدعو الشجر ، والحجر ، استكبر عن الإخلاص للملك الرحمن الديان ، ورضي بعبادة من ضره أقرب من نفعه ، طاعة لأعدى عدو له وهو الشيطان .
وقوله : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } يحتمل أن الضمير في هذا الموضع ، يعود إلى المشركين ، لأنهم مذكورون في اللفظ ، والقاعدة في الضمائر ، أن تعود إلى أقرب مذكور ، ويكون المعنى : إذا كان يوم القيامة ، وفزع عن قلوب المشركين ، أي : زال الفزع ، وسئلوا حين رجعت إليهم عقولهم ، عن حالهم في الدنيا ، وتكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل ، أنهم يقرون ، أن ما هم عليه من الكفر والشرك ، باطل ، وأن ما قال اللّه ، وأخبرت به عنه رسله ، هو الحق فبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وعلموا أن الحق للّه ، واعترفوا بذنوبهم .
{ وَهُوَ الْعَلِيُّ } بذاته ، فوق جميع مخلوقاته وقهره لهم ، وعلو قدره ، بما له من الصفات العظيمة ، جليلة المقدار { الْكَبِيرُ } في ذاته وصفاته .
ومن علوه ، أن حكمه تعالى ، يعلو ، وتذعن له النفوس ، حتى نفوس المتكبرين والمشركين .
وهذا المعنى أظهر ، وهو الذي يدل عليه السياق ، ويحتمل أن الضمير يعود إلى الملائكة ، وذلك أن اللّه تعالى إذا تكلم بالوحي ، سمعته الملائكة ، فصعقوا ، وخروا للّه سجدا ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه اللّه من وحيه بما أراد ، وإذا زال الصعق عن قلوب الملائكة ، وزال الفزع ، فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك الكلام الذي صعقوا منه : ماذا قال ربكم ؟ فيقول بعضهم لبعض : قال الحق ، إما إجمالا ، لعلمهم أنه لا يقول إلا حقا ، وإما أن يقولوا : قال كذا وكذا ، للكلام الذي سمعوه منه ، وذلك من الحق .
فيكون المعنى على هذا : أن المشركين الذين عبدوا مع اللّه تلك الآلهة ، التي وصفنا لكم عجزها ونقصها ، وعدم نفعها بوجه من الوجوه ، كيف صدفوا وصرفوا عن إخلاص العبادة للرب العظيم ، العلي الكبير ، الذي - من عظمته وجلاله - أن الملائكة الكرام ، والمقربين من الخلق ، يبلغ بهم الخضوع والصعق ، عند سماع كلامه هذا المبلغ ، ويقرون كلهم للّه ، أنه لا يقول إلا الحق .
فما بال هؤلاء المشركين ، استكبروا عن عبادة من هذا شأنه ، وعظمة ملكه وسلطانه . فتعالى العلي الكبير ، عن شرك المشركين ، وإفكهم ، وكذبهم .
ثم نفى - سبحانه - أن تكون هناك شفاعة من أحد لأحد إلا بإذنه - تعالى - فقال : { وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } .
والشفاعة : من الشفع الذى هو ضد الوتر - أى : الفرد - ، ومعناها : انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ما يمكن دفعه من ضر .
أى : ولا تنفع الشفاعة عند الله - تعالى - من أحد لأحد ، إلا لمن أذن الله - تعالى - له فى ذلك .
قال الآلوسى ما ملخصه : والمراد نفى شفاعة الأصنام لعابديها ، ولكنه - سبحانه - ذكر على وجه عام ، ليكون طريقا برهانيا . أى : لا تنفع الشفاعة فى حال من الأحوال ، أو كائنة لمن كانت ، إلا كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة . ومن البين أنه لا يؤذن فى الشفاعة للكفار ، فقد قال - تعالى - :
{ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً } والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب ، وعدم الإِذن للأصنام أبين وأبين ، فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية . . .
وقوله : { حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق . . } بيان لما يكون عليه المتظرون للشفاعة ، من لهفة وقلق .
والتضعيف فى قوله { فُزِّعَ } للسلب . كما فى قولهم : مَرَّضت المريض إذا عملت على إزالة مرضه .
فمعنى : { فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } : كشف الفزع عنها ، وهدأت أحوالها بعد أن أصابها ما أصابها من هول وخوف فى هذا اليوم الشديد ، وهو ويم القيامة .
و { حتى } غاية لما فهم من الكلام قبلها ، من أن هناك تلهفا وترقبا من الراجين للشفاعة ومن الشفعاء ، إذ الكل منتظر بقلق لما يؤول إليه أمره من قبول الشفاعة أو عدم قبولها .
والمعنى : ولا تقبل الشفاعة يوم القيامة من أحد إلا لمن أذن الله - تعالى - له فى ذلك ، وفى هذا اليوم الهائل الشديد ، يقف الناس فى قلق ولهفة منتظرين قبول الشفاعة فيهم . حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم ، بسبب إذن الله - تعالى - فى قبولها ممن يشاء ولمن يشاء ، واستبشر الناس وقال بعضهم لبعض ، أو قالوا للملائكة : { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } أى : ماذا قال ربكم فى شأننا ومصيرنا .
وهنا تقول لهم الملائكة ، أو يقول بعضهم لبعض : { قَالُواْ الحق } أى : يقولون قال ربنا القول الحق وهو الإِذن فى الشفاعة لمن ارتضى .
فلفظ { الحق } منصوب بفعل مضمر . أى : قالوا قال ربنا الحق أو صفة لموصوف محذوف . أى : قالوا : قال ربنا القول ارتضى .
{ وَهُوَ } - سبحانه - { العلي } أى : المتفرد بالعلو فوق خلقه { الكبير } أى : المتفرد بالكبرياء والعظمة .
قال صاحب الكشاف - رحمة الله - : فإن قلت : بم اتصل قوله : { حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } ، ولأى شئ وقعت حتى غاية ؟ .
قلت : اتصل بما فهم من هذا الكلام ، من أن ثم انتضارا للإِذن وتوقعها وتمهلا وفزعا من لاراجين للشفاعة والشفعاء ، هل يؤذون لهم أولا ؟ وأنه لا يطلق الإِذن إلا بعد ملىِّ من الزمان ، وطول التربص . .
كأنه قيل : ينتظرون ويتوقفون كليا فزعين وهلين ، حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم ، بكلمة يتكلم بها رب العزة فى إطلاق الإِذن : تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ } قال { الحق } أى : القول الحق ، وهو الإِذن بالشفاعة لمن ارتضى . .
ومن ثم نفى شفاعتهم لهم في الآية التالية . وذلك في مشهد تتفزع له الأوصال في حضرة ذي الجلال :
( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) . .
فالشفاعة مرهونة بإذن الله . والله لا يأذن في الشفاعة في غير المؤمنين به المستحقين لرحمته . فأما الذين يشركون به فليسوا أهلا لأن يأذن بالشفاعة فيهم ، لا للملائكة ولا لغيرهم من المأذونين بالشفاعة منذ الابتداء !
ثم صور المشهد الذي تقع فيه الشفاعة ؛ وهو مشهد مذهل مرهوب :
( حتى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ? قالوا : الحق وهو العلي الكبير ) . .
إنه مشهد في اليوم العصيب . يوم يقف الناس ، وينتظر الشفعاء والمشفوع فيهم أن يتأذن ذو الجلال في عليائه بالشفاعة لمن ينالون هذا المقام . ويطول الانتظار . ويطول التوقع . وتعنو الوجوه . وتسكن الأصوات . وتخشع القلوب في انتظار الإذن من ذي الجلال والإكرام .
ثم تصدر الكلمة الجليلة الرهيبة ، فتنتاب الرهبة الشافعين والمشفوعين لهم . ويتوقف إدراكهم عن الإدراك .
( حتى إذا فزّع عن قلوبهم ) . . وكشف الفزع الذي أصابهم ، وأفاقوا من الروعة التي غمرتهم فأذهلتهم . ( قالوا : ما ذا قال ربكم ? )يقولها بعضهم لبعض . لعل منهم من يكون قد تماسك حتى وعى . ( قالوا : الحق ) . . ولعلهم الملائكة المقربون هم الذين يجيبون بهذه الكلمة المجملة الجامعة : ( قالوا الحق ) . قال ربكم : الحق . الحق الكلي . الحق الأزلي . الحق اللدني . فكل قوله الحق . ( وهو العلي الكبير ) . . وصف في المقام الذي يتمثل فيه العلو والكبر للإدراك من قريب . .
وهذه الإجابة المجملة تشي بالروعة الغامرة ، التي لا ينطق فيها إلا بالكلمة الواحدة !
فهذا هو موقف الشفاعة المرهوب . وهذه صورة الملائكة فيه بين يدي ربهم . فهل بعد هذا المشهد يملك أحد أن يزعم أنهم شركاء لله ، شفعاء في من يشرك بالله ? !
وقال :{[24304]} { وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أي : لعظمته [ وجلاله ]{[24305]} وكبريائه لا يجترئ أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة ، كما قال تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] ، وقال : { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ [ وَيَرْضَى{[24306]} ] } [ النجم : 26 ] ، وقال : { وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } [ الأنبياء : 28 ] .
ولهذا ثبت في الصحيحين{[24307]} ، من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو سيد ولد آدم ، وأكبر شفيع عند الله - : أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلّهم أن يأتي ربّهم لفصل القضاء ، قال : «فأسجد لله فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن ، ثم يقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يُسمع{[24308]} ، وسل تُعْطَه واشفع تشفع » الحديث بتمامه .
وقوله : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ } . وهذا أيضا مقام رفيع في العظمة . وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي ، سمع أهل السموات كلامه ، أرْعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي . قاله ابن مسعود ومسروق ، وغيرهما .
{ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم } أي : زال الفزع عنها . قال ابن عباس ، وابن عمر وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي ، وإبراهيم النَّخَعيّ ، والضحاك والحسن ، وقتادة في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم } يقول : جُلِّى عن قلوبهم ، وقرأ بعض السلف - وجاء مرفوعا - : " [ حَتَّى ]{[24309]} إذَا فرغ " بالغين{[24310]} المعجمة ، ويرجع إلى الأول .
فإذا كان كذلك يسأل بعضهم بعضا : ماذا قال ربكم ؟ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم ، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا ؛ ولهذا قال : { قَالُوا الْحَقّ } أي : أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان ، { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } .
وقال آخرون : بل معنى قوله : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } يعني : المشركين عند الاحتضار ، ويوم القيامة إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا ، ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة ، قالوا : ماذا قال ربكم ؟ فقيل لهم : الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا .
قال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } : كشف عنها الغطاء يوم القيامة .
وقال الحسن : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } يعني : ما فيها من الشك والتكذيب . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } يعني : ما فيها من الشك ، قال : فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم ، { قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } قال : وهذا في بني آدم ، هذا عند الموت ، أقروا حين لا ينفعهم الإقرار .
وقد اختار ابن جرير القول الأول : أن الضمير عائد على الملائكة{[24311]} . هذا هو الحق الذي لا مرية فيه ، لصحة الأحاديث فيه والآثار ، ولنذكر منها طرفا يدل على غيره :
قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في صحيحه : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، سمعت عِكْرِمة ، سمعت أبا هُرَيرة{[24312]} يقول : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا قضى الله الأمرَ في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانًا لقوله ، كأنه سلسلة على صفوانَ ، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال : الحقّ ، وهو العلي الكبير فيسمعها مُسْتَرق السمع ، ومسترق السمع - هكذا بعضه{[24313]} فوق بعض - ووصف سفيان بيده - فَحَرّفها وبَدّد{[24314]} بين أصابعه - فَيسمع الكلمة ، فيلقيها إلى مَنْ تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى مَنْ تحته ، حتى يلقيَها على لسان الساحر{[24315]} أو الكاهن ، فَربما أدركه الشّهاب قبل أن يلقيها ، وربما ألقاها قبل أن يدركه ، فيكذب معها مائة كَذْبَة ، فيقال : أليس قد قال لنا يومَ كذا وكذا : كذا {[24316]} وكذا ؟ فيصدّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء .
انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم من هذا الوجه . وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث سفيان بن عيينة ، به . {[24317]}
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، أخبرنا الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ جالسًا ]{[24318]} في نفر من أصحابه - قال عبد الرزاق : " من الأنصار " - فَرُميَ بنجم فاستنار ، [ قال ]{[24319]} : " ما كنتم تقولون إذا كان مثلُ هذا في الجاهلية ؟ " قالوا : كنا نقول يُولَد عظيم ، أو يموت{[24320]} عظيم - قلت للزهري : أكان يرمى بها في الجاهلية ؟ قال : نعم ، ولكن غُلّظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم - قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا ، تبارك وتعالى ، إذا قضى أمرا سبح حَمَلةُ العرش [ ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ، حتى يبلغ التسبيح هذه{[24321]} الدنيا ، ثم يستخبر أهل السماء الذين يَلُونَ حملة العرش ، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ]{[24322]} : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ، ويخبر أهل كل سماء سماء ؛ حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء ، وتخطف الجن السمع فيرمون ، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون .
هكذا رواه الإمام أحمد{[24323]} . وقد أخرجه مسلم في صحيحه ، من حديث صالح بن كَيْسَان ، والأوزاعي ، ويونس ومَعْقِل بن عبيد الله{[24324]} ، أربعتهم عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن ابن عباس عن رجل من الأنصار ، به{[24325]} . ورواه وقال يونس : عن رجال من الأنصار{[24326]} ، وكذا رواه النسائي{[24327]} في " التفسير " من حديث الزبيدي ، عن الزهري ، به{[24328]} . ورواه الترمذي فيه عن الحُسَين بن حريث ؛ عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عُبَيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن رجل من الأنصار ، رضي الله عنه{[24329]} ، والله{[24330]} أعلم .
حديث آخر : قال ابن أبى حاتم : حدثنا محمد بن عوف وأحمد بن منصور بن سيار الرمادي - والسياق لمحمد بن عوف - قالا حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا الوليد - هو ابن مسلم - عن عبد الرحمن بن يزيد{[24331]} بن جابر ، عن عبد الله بن أبي زكرياء ، عن رجاء بن حيوة ، عن النواس بن سَمْعان{[24332]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي ، فإذا تكلم أخذت السموات منه{[24333]} رجفة - أو قال : رعدة - شديدة ؛ من خوف الله ، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا ، فيكون أول مَنْ يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، فيمضي به جبريل على الملائكة ، كلما مَرّ بسماء سماء سأله ملائكتها : ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول : قال : الحقّ ، وهو العلي الكبير . فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله من السماء والأرض " .
وكذا رواه ابن جرير وابن خُزَيمة ، عن زكريا بن أبان المصري ، عن نعيم بن حماد ، به . {[24334]}
قال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : ليس هذا الحديث بالشام عن الوليد بن مسلم ، رحمه الله .
وقد روى ابن أبي حاتم من حديث العَوفي ، عن ابن عباس - وعن قتادة : أنهما فسرا هذه الآية بابتداء إيحاء الله سبحانه إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى ، ولا شك أن هذا أولى ما دخل في هذه الآية .
{ ولا تنفع الشفاعة عنده } فلا ينفعهم شفاعة أيضا كما يزعمون إذ لا تنفع الشفاعة عند الله . { إلا لمن أذن له أذن له } أن يشفع ، أو أذن أن يشفع له لعلو شأنه ولم يثبت ذلك ، واللام على الأول كاللام في قولك : الكرم لزيد وعلى الثاني كاللام في قولك : جئتك لزيد ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بضم الهمزة . { حتى إذا فزع عن قلوبهم } غاية لمفهوم الكلام من أن ثم توقفا وانتظارا للإذن أي : يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بالإذن ، وقيل الضمير للملائكة وقد تقدم ذكرهم ضمنا . وقرأ ابن عامر ويعقوب { فزع } على البناء للفاعل . وقرئ " فرغ " أي نفي الوجل من فرغ الزاد إذا فني . { قالوا } قال بعضهم لبعض . { ماذا قال ربكم } في الشفاعة . { قالوا الحق } قالوا قال القول الحق وهو الأذن بالشفاعة لمن ارتضى وهم المؤمنون ، وقرئ بالرفع أي مقوله الحق . { وهو العلي الكبير } ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي من الأنبياء أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه .