المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (23)

23- ولا تنفع الشفاعة عند الله إلا للمستأهلين لمقام الشفاعة ، حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم بالإذن لهم في الشفاعة قال بعضهم لبعض - مستبشرين - : ماذا قال ربكم ؟ ! فيجابون بأنه قال القول الحق بإذنه في الشفاعة لمن ارتضى ، وهو - وحده - صاحب العلو والكبرياء ، ويأذن ويمنع من يشاء كما يشاء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (23)

فلم يبق إلا الشفاعة ، فنفاها بقوله : { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } فهذه أنواع التعلقات ، التي يتعلق بها المشركون بأندادهم ، وأوثانهم ، من البشر ، والشجر ، وغيرهم ، قطعها اللّه وبيَّن بطلانها ، تبيينا حاسما لمواد الشرك ، قاطعا لأصوله ، لأن المشرك إنما يدعو ويعبد غير اللّه ، لما يرجو منه من النفع ، فهذا الرجاء ، هو الذي أوجب له الشرك ، فإذا كان من يدعوه [ غير اللّه ] ، لا مالكا للنفع والضر ، ولا شريكا للمالك ، ولا عونا وظهيرا للمالك ، ولا يقدر أن يشفع بدون إذن المالك ، كان هذا الدعاء ، وهذه العبادة ، ضلالا في العقل ، باطلة في الشرع .

بل ينعكس على المشرك مطلوبه ومقصوده ، فإنه يريد منها النفع ، فبيَّن اللّه بطلانه وعدمه ، وبيَّن في آيات أخر ، ضرره على عابديه{[734]}  وأنه يوم القيامة ، يكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، ومأواهم النار { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }

والعجب ، أن المشرك استكبر عن الانقياد للرسل ، بزعمه{[735]}  أنهم بشر ، ورضي أن يعبد ويدعو الشجر ، والحجر ، استكبر عن الإخلاص للملك الرحمن الديان ، ورضي بعبادة من ضره أقرب من نفعه ، طاعة لأعدى عدو له وهو الشيطان .

وقوله : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } يحتمل أن الضمير في هذا الموضع ، يعود إلى المشركين ، لأنهم مذكورون في اللفظ ، والقاعدة في الضمائر ، أن تعود إلى أقرب مذكور ، ويكون المعنى : إذا كان يوم القيامة ، وفزع عن قلوب المشركين ، أي : زال الفزع ، وسئلوا حين رجعت إليهم عقولهم ، عن حالهم في الدنيا ، وتكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل ، أنهم يقرون ، أن ما هم عليه من الكفر والشرك ، باطل ، وأن ما قال اللّه ، وأخبرت به عنه رسله ، هو الحق فبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وعلموا أن الحق للّه ، واعترفوا بذنوبهم .

{ وَهُوَ الْعَلِيُّ } بذاته ، فوق جميع مخلوقاته وقهره لهم ، وعلو قدره ، بما له من الصفات العظيمة ، جليلة المقدار { الْكَبِيرُ } في ذاته وصفاته .

ومن علوه ، أن حكمه تعالى ، يعلو ، وتذعن له النفوس ، حتى نفوس المتكبرين والمشركين .

وهذا المعنى أظهر ، وهو الذي يدل عليه السياق ، ويحتمل أن الضمير يعود إلى الملائكة ، وذلك أن اللّه تعالى إذا تكلم بالوحي ، سمعته الملائكة ، فصعقوا ، وخروا للّه سجدا ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه اللّه من وحيه بما أراد ، وإذا زال الصعق عن قلوب الملائكة ، وزال الفزع ، فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك الكلام الذي صعقوا منه : ماذا قال ربكم ؟ فيقول بعضهم لبعض : قال الحق ، إما إجمالا ، لعلمهم أنه لا يقول إلا حقا ، وإما أن يقولوا : قال كذا وكذا ، للكلام الذي سمعوه منه ، وذلك من الحق .

فيكون المعنى على هذا : أن المشركين الذين عبدوا مع اللّه تلك الآلهة ، التي وصفنا لكم عجزها ونقصها ، وعدم نفعها بوجه من الوجوه ، كيف صدفوا وصرفوا عن إخلاص العبادة للرب العظيم ، العلي الكبير ، الذي - من عظمته وجلاله - أن الملائكة الكرام ، والمقربين من الخلق ، يبلغ بهم الخضوع والصعق ، عند سماع كلامه هذا المبلغ ، ويقرون كلهم للّه ، أنه لا يقول إلا الحق .

فما بال هؤلاء المشركين ، استكبروا عن عبادة من هذا شأنه ، وعظمة ملكه وسلطانه . فتعالى العلي الكبير ، عن شرك المشركين ، وإفكهم ، وكذبهم .


[734]:- في ب: عابديها.
[735]:- في النسختين: بزعمهم، ولعل الأقرب -والله أعلم- ما أثبت.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (23)

ثم نفى - سبحانه - أن تكون هناك شفاعة من أحد لأحد إلا بإذنه - تعالى - فقال : { وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } .

والشفاعة : من الشفع الذى هو ضد الوتر - أى : الفرد - ، ومعناها : انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ما يمكن دفعه من ضر .

أى : ولا تنفع الشفاعة عند الله - تعالى - من أحد لأحد ، إلا لمن أذن الله - تعالى - له فى ذلك .

قال الآلوسى ما ملخصه : والمراد نفى شفاعة الأصنام لعابديها ، ولكنه - سبحانه - ذكر على وجه عام ، ليكون طريقا برهانيا . أى : لا تنفع الشفاعة فى حال من الأحوال ، أو كائنة لمن كانت ، إلا كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة . ومن البين أنه لا يؤذن فى الشفاعة للكفار ، فقد قال - تعالى - :

{ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً } والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب ، وعدم الإِذن للأصنام أبين وأبين ، فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية . . .

وقوله : { حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق . . } بيان لما يكون عليه المتظرون للشفاعة ، من لهفة وقلق .

والتضعيف فى قوله { فُزِّعَ } للسلب . كما فى قولهم : مَرَّضت المريض إذا عملت على إزالة مرضه .

فمعنى : { فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } : كشف الفزع عنها ، وهدأت أحوالها بعد أن أصابها ما أصابها من هول وخوف فى هذا اليوم الشديد ، وهو ويم القيامة .

و { حتى } غاية لما فهم من الكلام قبلها ، من أن هناك تلهفا وترقبا من الراجين للشفاعة ومن الشفعاء ، إذ الكل منتظر بقلق لما يؤول إليه أمره من قبول الشفاعة أو عدم قبولها .

والمعنى : ولا تقبل الشفاعة يوم القيامة من أحد إلا لمن أذن الله - تعالى - له فى ذلك ، وفى هذا اليوم الهائل الشديد ، يقف الناس فى قلق ولهفة منتظرين قبول الشفاعة فيهم . حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم ، بسبب إذن الله - تعالى - فى قبولها ممن يشاء ولمن يشاء ، واستبشر الناس وقال بعضهم لبعض ، أو قالوا للملائكة : { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } أى : ماذا قال ربكم فى شأننا ومصيرنا .

وهنا تقول لهم الملائكة ، أو يقول بعضهم لبعض : { قَالُواْ الحق } أى : يقولون قال ربنا القول الحق وهو الإِذن فى الشفاعة لمن ارتضى .

فلفظ { الحق } منصوب بفعل مضمر . أى : قالوا قال ربنا الحق أو صفة لموصوف محذوف . أى : قالوا : قال ربنا القول ارتضى .

{ وَهُوَ } - سبحانه - { العلي } أى : المتفرد بالعلو فوق خلقه { الكبير } أى : المتفرد بالكبرياء والعظمة .

قال صاحب الكشاف - رحمة الله - : فإن قلت : بم اتصل قوله : { حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } ، ولأى شئ وقعت حتى غاية ؟ .

قلت : اتصل بما فهم من هذا الكلام ، من أن ثم انتضارا للإِذن وتوقعها وتمهلا وفزعا من لاراجين للشفاعة والشفعاء ، هل يؤذون لهم أولا ؟ وأنه لا يطلق الإِذن إلا بعد ملىِّ من الزمان ، وطول التربص . .

كأنه قيل : ينتظرون ويتوقفون كليا فزعين وهلين ، حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم ، بكلمة يتكلم بها رب العزة فى إطلاق الإِذن : تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ } قال { الحق } أى : القول الحق ، وهو الإِذن بالشفاعة لمن ارتضى . .