بدأت هذه السورة بالإخبار بهلاك أبي لهب عدو الله ورسوله ، وعدم إغناء شيء عنه من ذلك مالا كان أو جاها أو غيرهما ، وتوعدته في الآخرة بنار موقدة يصلاها ويشوي بها ، وقرنت زوجته به في ذلك . واختصتها بلون من العذاب ، هو ما يكون حول عنقها من حبل تجدب به إلى النار ، زيادة في التنكيل بها لما كانت عليه من إيذاء الرسول ، والإساءة إلى دعوته .
1- هلكت يدا أبي لهب اللتان كان يؤذي بهما المسلمين ، وهلك معهما .
1- سورة " المسد " تسمى –أيضا- بسورة " تبت " ، وبسورة " أبي لهب " ، وبسورة " اللهب " ، وهي من أوائل السور التي نزلت بمكة ، فهي السورة السادسة في ترتيب النزول ، وكان نزولها بعد سورة " الفاتحة " ، وقبل سورة " الكوثر " ، وهي خمس آيات .
2- وقد ذكروا في سبب نزول هذه السورة روايات منها ما أخرجه البخاري عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه " ، وهي كلمة ينادى بها للإنذار من عدو قادم ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال : " أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مُصَبحكم أو مُمْسِيكم أكنتم تصدقوني " ؟ قالوا : نعم . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " .
فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك ، فأنزل الله –تعالى- هذه السورة .
وفي رواية : أنه قام ينفض يديه ، وجعل يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : تبا لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله –تعالى- هذه السورة . ( {[1]} ) .
وأبو لهب : هو أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم ، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم . . وامرأته هي : أروى بنت حرب بن أمية ، وكنيتها أم جميل .
روي أنها سمعت ما نزل في زوجها وفيها من قرآن ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق ، وفي يدها فِهْر –أي : حجر- فلما وقفت أخذ الله –تعالى- بصرها عن رسوله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبا بكر ، بلغني أن صاحبك يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه . . ثم انصرفت ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " ما رأتني ، لقد أخذ الله بصرها عني " ( {[2]} ) .
معنى { تَبَّتْ } هلكت وخسرت ، ومنه قوله - تعالى - : { وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } - سبحانه - : { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } ، وقوله : { وَتَبَّ } أي : وقد تب وهلك وخسر ، فالجملة الأولى دعاء عليك بالهلاك والخسران ، والجملة الثانية : إخبار عن أن هذا الدعاء قد استجيب ، وأن الخسران قد نزل به فعلا .
أى : خسرت وخابت يدا أبي لهب ، وقد نزل هذا الهلاك والخسران به ، بسبب عداوته الشديدة للحق ، الذي جاء به النبى صلى الله عليه وسلم من عند ربه - سبحانه - .
والمراد باليدين هنا : ذاته ونفسه ، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل ، كما في قوله - تعالى - : { ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } ويجوز أن يكون المراد باليدين حقيقتهما ، وذلك لأنه كان يقول : يعدني محمد صلى الله عليه وسلم بأشياء ، لا أدري أنها كائنة ، يزعم أنها بعد الموت ، فلم يضع فى يدي شيء من ذلك ، ثم ينفخ في يديه ويقول : تبا لكما ما أرى فيكما شيئا .
قال البخاري : حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مُرّة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه " . فاجتمعت إليه قريش ، فقال : " أرأيتم إن حَدثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم ، أكنتم تصدقوني ؟ " . قالوا : نعم . قال : " فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك . فأنزل الله : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها{[1]} .
وفي رواية : فقام ينفض يديه ، وهو يقول : تبا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } {[2]} .
الأول : دعاء عليه ، والثاني : خبر عنه . فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله{[3]} صلى الله عليه وسلم ، واسمه : عبد العُزّى بن عبد المطلب ، وكنيته أبو عُتبة . وإنما سمي " أبا لهب " لإشراق وجهه ، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له ، والازدراء به ، والتنقص له ولدينه . .
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : أخبرني رجل - يقال له : ربيعة بن عباد ، من بني الديل ، وكان جاهليًا فأسلم - قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز ، وهو يقول : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه ، ووراءه رجل وضيء الوجه أحولُ ، ذو غديرتين ، يقول : إنه صابئ كاذب . يتبعه حيث ذهب ، فسألت عنه فقالوا : هذا عمه أبو لهب {[4]} .
ثم رواه عن سُرَيج ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، فذكره . قال أبو الزناد : قلت لربيعة : كنت يومئذ صغيرًا ؟ قال : لا والله ، إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة . تفرد به أحمد{[5]} .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني حُسَين بن عبد الله بن عُبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : إني لمع أبي رجل شاب ، أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول وضيء ، ذو جُمَّة ، يَقِفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول : " يا بني فلان ، إني رسول الله إليكم ، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا ، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفِّذَ عن الله ما بعثني به " . وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان ، هذا يريد منكم أن تسلُخوا اللات والعزى ، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أُقَيْش ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه " . فقلت لأبي : من هذا ؟ قال : عمه أبو لهب{[6]} .
رواه أحمد أيضا ، والطبراني بهذا اللفظ{[7]} .
فقوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } أي : خسرت وخابت ، وضل عمله وسعيه ، { وَتَبَّ } أي : وقد تب تحقق خسارته وهلاكه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.