المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

67-وما عظَّم المشركون الله حق عظمته ، وما عرفوه حق معرفته إذ أشركوا معه غيره ، ودعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الشرك به ، والأرض جميعها مملوكة له يوم القيامة ، والسماوات قد طويت - كما تطوى الثياب - بيمينه ، تنزه الله عن كل نقص ، وتعالى علواً كبيراً عما يشركونه من دونه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

ثم بين - سبحانه - أن هؤلاء المشركين بعبادتهم لغير الله - تعالى - قد تجاوزوا حدودهم معه - عز وجل - ولم يعطوه ما يستحقه من تنزيه وتقديس فقال : { وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ } .

أى : أن هؤلاء المشركين بعبادتهم لغيره - تعالى - ، ما عظموه حق تعظيمه ، وما أعطوه ما يستحقه - سبحانه - من تقديس وتكريم وتنزيه وطاعة .

ثم ساق - سبحانه - ما يدل على وحدانيته . وكمال قدرته . فقال : { والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } .

والقَبْضة : المرة من القَبْض ، وتطلق على المقدار المقبوض بالكف . ومطويات أى : مجموعات تحت قدرته وملكه ، كما يجمع الكتاب المطوى ، والجملة الكريمة حال من لفظ الجلالة ، فيكون المعنى : إن هؤلاء المشركين لم يعظموا الله حق تعظيمه ، حيث أشركوا معه فى العبادة آلهة أخرى هى من مخلوقاته ، والحال أنه - سبحانه - هو المتولى لإِبقاء السموات والأرض على حالهما فى الدنيا ، وهو المتولى لتبديلهما ، أو إزالتهما فى الآخرة ، فالأرض كلها مع عظمتها وكثافتها تكون يوم القيامة فى قبضته وتحت قدرته ، كالشئ الذى يقبض عليه القابض ، والسموات كذك مع ضخامتها واتساعها ، تكون مطويات بيمينه وتحت قدرته وتصرفه ، كما يطوى الواحد منا الشئ الهين القليل بيمينه ، وما دام الأمر كذلك فكيف يشركون معه غيره فى العبادة ؟

فالمقصود من الآية الكريمة بيان وحدانيته وعظمته وقدرته - سبحانه - وبيان ما عليه المشركون من جهالة وانطماس بصيرة حين أشركوا معه فى العبادة غيره .

قال صاحب الكشاف : والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعته ، تصوير عظمته ، والتوقيف على كنه جلاله لا غير ، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز . .

وقال الآلوسى : والكلام فى هذه الآية عند كثير من الخلف ، تمثيل لحال عظمته - تعالى - ونفاذ قدرته . . بحال من يكون له قبضة فيها الأرض جميعا ، ويمين بها يطوى السموات ، أو بحال من يكون له قبضة فيها الأرض والسموات ، ويمين بها يطوى السموات .

والسلف يقولون : إن الكلام هنا تنبيه على مزيد جلالته - تعالى - . إلا أنهم لا يقولون إن القبضة مجاز عن الملك أو التصرف ، ولا اليمين مجاز عن القدرة ، بل ينزهون الله - تعالى - عن الأعضاء والجوارح ، ويؤمنون بما نسبه - تعالى - : إلى ذاته بالمعنى اللائق به الذى أراده - سبحانه - وكذا يفعلون فى الأخبار الواردة فى هذا المقام .

فقد أخرج البخارى ومسلم عن ابن مسعود قال : " جاء حبر من الأحبار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد . إنا نجد الله يحمل السموات يوم القيامة على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع . فيقول : أنا الملك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ هذه الآية . . "

وقدم - سبحانه - الأرض على السموات لمباشرتهم لها ، ومعرفتهم بحقيقتها .

وخص يوم القيامة بالذكر ، وإن كانت قدرته عامة وشاملة لدار الدنيا - أيضا - لأن الدعاوى تنقطع فى ذلك اليوم .

كما قال - تعالى - { والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } روى الشيخان عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يطوى الله السموات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون ، أين ملوك الأرض " .

وقوله - تعالى - : { سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزيه له - تعالى - : عما افتراه المفترون .

أى : تنزه وتقدس الله - تعالى - عن شرك المشركين ، وعن ضلال الضالين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

62

( وما قدروا الله حق قدره ) . .

نعم . ما قدروا الله حق قدره ، وهم يشركون به بعض خلقه . وهم لا يعبدونه حق عبادته . وهم لا يدركون وحدانيته وعظمته . وهم لا يستشعرون جلاله وقوته .

ثم يكشف لهم عن جانب من عظمة الله وقوته . على طريقة التصوير القرآنية ، التي تقرب للبشر الحقائق الكلية في صورة جزئية ، يتصورها إدراكهم المحدود :

( والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة . والسماوات مطويات بيمينه . سبحانه وتعالى عما يشركون ) . .

وكل ما يرد في القرآن وفي الحديث من هذه الصور والمشاهد إنما هو تقريب للحقائق التي لا يملك البشر إدراكها بغير أن توضع لهم في تعبير يدركونه ، وفي صورة يتصورونها . ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة ، التي لا تتقيد بشكل ، ولا تتحيز في حيز ، ولا تتحدد بحدود .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

وقوله : وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ يقول تعالى ذكره : وما عظّم الله حقّ عظمته ، هؤلاء المشركون بالله ، الذين يدعونك إلى عبادة الأوثان . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ قال : هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم ، فمن آمن أن الله على كلّ شيء قدير ، فقد قدر الله حقّ قدره ، ومن لم يؤمن بذلك ، فلم يقدر الله حقّ قدره .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَما قَدَرُوا اللّهٍ حَقّ قَدْرِهِ : ما عظّموا الله حقّ عظمته .

وقوله : والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ يقول تعالى ذكره : والأرض كلها قبضته في يوم القيامة والسّمَوَاتُ كلها مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ فالخبر عن الأرض متناه عند قوله : يوم القيامة ، والأرض مرفوعة بقوله قَبْضَتُهُ ، ثم استأنف الخبر عن السموات ، فقال : والسّمَوَاتُ مَطْوياتٌ بيَمِينِهِ وهي مرفوعة بمطويات .

ورُوي عن ابن عباس وجماعة غيره أنهم كانوا يقولون : الأرض والسموات جميعا في يمينه يوم القيامة . ذكر الرواية بذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ يقول : قد قبض الأرضين والسموات جميعا بيمينه ، ألم تسمع أنه قال : مَطْوِياتٌ بِيَمِينِهِ يعني : الأرض والسموات بيمينه جميعا ، قال ابن عباس : وإنما يستعين بشماله المشغولة يمينه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، قال : ما السموات السبع ، والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ،

قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، قال : حدثنا النضر بن أنس ، عن ربيعة الجُرْسي ، قال : والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ قال : ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء .

حدثني عليّ بن الحسن الأزديّ ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن عمار بن عمرو ، عن الحسن ، في قوله : والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ قال : كأنها جوزة بقضها وقضيضها .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ يقول : السموات والأرض مطويات بيمينه جميعا .

وكان ابن عباس يقول : إنما يستعين بشماله المشغولة يمينه ، وإنما الأرض والسموات كلها بيمينه ، وليس في شماله شيء .

حدثنا الربيع ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني أُسامة بن زيد ، عن أبي حازم ، عن عبد الله بن عمر ، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على المنبر يخطب الناس ، فمر بهذه الاَية : وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَأْخُذُ السّمَوَاتِ والأرْضَينِ السّبْعَ فَيَجْعَلُها في كَفّهِ ، ثُمّ يَقُولُ بِهِما كمَا يَقُولُ الغُلامُ بالكُرَةِ : أنا اللّهُ الوَاحِدُ ، أنا اللّهُ العَزِيزُ » حتى لقد رأينا المنبر وإنه ليكاد أن يسقط به .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، قال : ثني منصور وسليمان ، عن إبراهيم ، عن عبيدة السّلْماني ، عن عبد الله ، قال : جاء يهوديّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله يمسك السموات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والجبال على أصبع ، والخلائق على أصبع ، ثم يقول : أنا الملك قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال : وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة عن عبد الله ، قال : فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن منصور ، عن خيثمة بن عبد الرحمن ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين جاءه حبر من أحبار اليهود ، فجلس إليه ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : «حَدّثْنا » ، قال : إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ، جعل السموات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والجبال على أصبع ، والماء والشجر على أصبع ، وجميع الخلائق على أصبع ثم يهزهنّ ثم يقول : أنا الملك ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لما قال ، ثم قرأ هذه الاَية : وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ . . . الاَية » .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، نحو ذلك .

حدثني سليمان بن عبد الجبار ، وعباس بن أبي طالب ، قالا : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدنية عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، قال : مرّ يهوديّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، فقال : «يا يَهُوديّ حَدّثْنا » ، فقال : كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه ، والأرض على ذه ، والجبال على ذه ، وسائر الخلق على ذه ، فأنزل الله وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِه . . . الاَية .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أهل الكتاب ، فقال : يا أبا القاسم أبلغك أن الله يحمل الخلائق على أصبع ، والسموات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والشجر على أصبع ، والثرى على أصبع ؟ قال فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، فأنزل الله وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ . . . إلى آخر الاَية .

وقال آخرون : بل السموات في يمينه ، والأرضون في شماله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا ابن أبي حازم ، قال : ثني أبو حازم ، عن عبيد الله بن مِقْسَمِ ، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : «يَأْخُذُ الجَبّارُ سَمَوَاتِهِ وأرْضِهِ بِيَدَيْهِ » وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، وجعل يقبضهما ويبسطهما ، قال : ثمّ يَقُولُ : «أنا الرّحْمَنُ أنا المَلِكُ ، أيْنَ الجَبّارُونَ ، أيْنَ المُتَكَبّرُونَ » وتمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه ، وعن شماله ، حتى نظرت إلى المنبر يتحركّ من أسفل شيء منه ، حتى إني لأقول : أساقطٌ هو برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .

حدثني أبو علقمة الفروي عبد الله بن محمد ، قال : ثني عبد الله بن نافع ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن عبيد بن عمير ، عن عبد الله بن عمر ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يَأْخُذُ الجَبّارُ سَمَوَاتِهِ وأرْضَهُ بيَدِهِ » ، وقبض يده فجعل يقبضها ويبسطها ، ثم يقول : «أنا الجَبّارُ ، أنا المَلِكُ ، أيْن الجَبّارُونَ ، أيْنَ المُتَكَبّرُونَ ؟ » قال : ويميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله ، حتى نظرت إلى المنبر يتحركّ من أسفل شيء منه ، حتى إني لأقول : أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ » .

حدثني الحسن بن علي بن عياش الحمصي ، قال : حدثنا بشر بن شعيب ، قال : أخبرني أبي ، قال : حدثنا محمد بن مسلم بن شهاب ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أنه كان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَقْبِضُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الأرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَطْوِي السموات بيمينه ، ثُمّ يَقُولُ : أنا المَلِكُ أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ ؟ » .

حُدثت عن حرملة بن يحيى ، قال : حدثنا إدريس بن يحيى القائد ، قال : أخبرنا حيوة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني نافع مولى ابن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ اللّهَ يَقْبِضُ الأرْضَ يَوْمَ القيامَةِ بِيَدِهِ ، وَيَطْوِي السّماءَ بِيَمينهِ وَيَقُولُ : أنا المَلِكُ » .

حدثني محمد بن عون ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حبرٌ من اليهود ، قال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوَيّاتٌ بِيَمينهِ فأين الخلق عند ذلك ؟ قال : «هُمْ فِيها كَرقْمِ الكِتابِ » .

حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا عمرو بن حمزة ، قال : ثني سالم ، عن أبيه ، أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يَطْوِي اللّهُ السّمَوَاتِ فيأْخُذُهُنّ بِيَمِينِهِ وَيَطْوِي الأرْضَ فَيأْخُذُها بِشمالِهِ ، ثُمّ يَقُولُ : أنا المَلِكُ أيْنَ الجَبّارُونَ ؟ أينَ المُتَكَبّرُونَ » .

وقيل : إن هذه الاَية نزلت من أجل يهودي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة الرب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن محمد ، عن سعيد ، قال : أتى رهط من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ، هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتُقِع لونه ، ثم ساورهم غضبا لربه فجاءه جبريل فسكنه ، وقال : اخفض عليك جناحك يا محمد ، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ فلما تلاها عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا : صف لنا ربك كيف خلقه ، وكيف عضده ، وكيف ذراعه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول ، ثم ساورهم ، فأتاه جبريل فقال مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه عنه وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : تكلمت اليهود في صفة الربّ ، فقال ما لم يعلموا ولم يروا ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ ثم بيّن للناس عظمته فقال : والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ ، فجعل صفتهم التي وصفوا الله بها شركا .

وقال بعض أهل العربية من أهل البصرة والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ يقول في قدرته نحو قوله : وَما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ : أي وما كانت لكم عليه قدرة وليس الملك لليمين دون سائر الجسد ، قال : وقوله قَبْضَتُهُ نحو قولك للرجل : هذا في يدك وفي قبضتك . والأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وغيرهم ، تشهد على بطول هذا القول .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن عائشة ، قالت : «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قوله والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ فأين الناس يومئذ ؟ قال : «عَلى الصّراطِ » .

وقوله سبحانه وتعالى : عَمّا يُشْرِكُونَ يقول تعالى ذكره تنزيها وتبرئة لله ، وعلوّا وارتفاعا عما يشرك به هؤلاء المشركون من قومك يا محمد ، القائلون لك : اعبد الأوثان من دون الله ، واسجد لألهتنا .