غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

219

الحكم الخامس : { ويسألونك عن اليتامى } عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً } [ النساء : 10 ] عزلوا أموالهم عن أموالهم فنزلت . وعنه عن ابن عباس قال : لما أنزل الله تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن }

[ الأنعام : 152 ] وقوله { إن الذين يأكلون } [ النساء : 10 ] نطلق من كان عنده مال اليتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، وجعل يحبس له ما يفضل من طعامه حتى يأكله أو يفسد ، فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت . { قل إصلاح لهم خير } وهو كلام جامع لمصالح اليتيم والولي . أما لليتيم فلأنه يتضمن صلاح نفسه بالتقويم والتأديب ، وصلاح ماله بالتبقية والتثمير لئلا تأكله النفقة عليه والزكاة منه . وأما الولي فلأن إحراز الثواب خير له من التحرز عن مال اليتيم حتى تختل مصالحه وتفسد معيشته ، وقيل : الخبر عائد إلى الولي يعني إصلاح أموالهم من غير عوض ولا أجرة خير للولي وأعظم أجراً ، وقيل : عائد إلى اليتيم أي مخالطتهم بالإصلاح خير لهم من التفرد عنهم والإعراض عن أمورهم ، والأصوب هو القول الأول ، فإن جهات المصالح مختلفة غير مضبوطة فينبغي أن يكون نظر المتكفل لأمور اليتيم على تحصيل الخير في الدنيا والآخرة لنفسه ولليتيم في ماله ونفسه . { وإن تخالطوهم فإخوانكم } أي فهم إخوانكم في الإسلام ، والمخالطة جمع يتعذر فيه التمييز . قيل : المراد وإن تخالطوهم في الطعام والشراب والمسكن والخدم بما لا يتضمن إفساد أموالهم فذلك جائز كما يفعله المرء بمال ولده ومع إخوانه في الدين ، فإن هذا أدخل في حسن العشرة والمؤالفة . وقيل : المراد بهذه المخالطة أخذ مقدار أجرة المثل في ذلك العمل ، وسنشرح المذاهب في ذلك إن شاء الله تعالى إذا انتهينا إلى تفسير قوله تعالى { ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف } [ النساء : 6 ] وقيل : المراد أن يخالطوا أموال اليتامى بأموالهم وأنفسهم على سبيل الشركة بشرط رعاية جهات المصلحة والغبطة للصبي وحمل بعضهم المخالطة على المصاهرة واختاره أبو مسلم ، لأن هذا خلط اليتيم نفسه والشركة خلط لماله . وأيضاً الشركة داخلة في قوله { قل إصلاح لهم خير } والخلط من جهة النكاح وتزويج البنات منهم لم يدخل في ذلك ، فحمل الكلام على هذا الخلط أقرب .

وأيضاً إنه تعالى قال بعد هذه الآية { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ } فكان المعنى إن المخالطة المندوب إليها إنما هي في اليتامى الذين هم لكم إخوان في الإسلام لتتأكد الألفة بالمناكحة ، فإن كان اليتيم من المشركين فلا تفعلوا ذلك { والله يعلم المفسد } لأمورهم { من المصلح } لها ، أو يعلم ضمائر من أراد الإفساد والطمع في مالهم بالنكاح من المصلح فيجاوزيه على حسب غرضه ومقصده ، فأحذروه ولا تتحروا غير الإصلاح ، وفيه تهديد عظيم فكأنه قال : أنا المتكفل بالحقيقة لأمر اليتيم ، وأنا المطالب لوليه إن قصر . { ولو شاء الله لأعنتكم } لحملكم على العنت وهو المشقة بأن ضيق عليكم طريق المخالطة معهم . وعن ابن عباس : لو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً . وذلك أنهم كانوا في الجاهلية قد اعتادوا الانتفاع بأموال اليتامى وربما تزوجوا باليتيمة طمعاً في مالها ، أو يزوجها من ابن له كيلا يخرج مالها من يده . وقد يستدل بالآية على أنه تعالى لا يكلف العبد ما لا يقدر عليه وعلى أنه تعالى قادر على خلاف العدل لأنه لو امتنع وصفه بالقدرة على الإعانات ما جاز أن يقول " ولو شاء لأعنت " ولهذا قال : { إن الله عزيز } غالب يقدر على أن يعنت عباده ويحرجهم ولكنه { حكيم } لا يكلف إلا ما يتسع فيه طاقتهم .

/خ221