مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (74)

ومعنى { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ } استبعاد القسوة { مِن بَعْدِ } ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها . وصفة القلوب بالقسوة مثل لنبوها عن الاعتبار والاتعاظ . من بعد { ذلك } إشارة إلى إحياء القتيل أو إلى جميع ما تقدم من الآيات المعدودة { فَهِىَ كالحجارة } فهي في قسوتها مثل الحجارة { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } منها .

وأشد معطوف على الكاف تقديره أو مثل أشد قسوة ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . أو هي في أنفسها أشد قسوة . يعني أن من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بجوهر أقسى منها وهو الحديد مثلاً ، أو من عرفها شبهها بالحجارة أو قال هي أقسى من الحجارة . وإنما لم يقل أقسى لكونه أبين وأدل على فرط القسوة . وترك ضمير المفضل عليه لعدم الإلباس كقولك «زيد كريم وعمرو أكرم » .

{ وَإِنَّ مِنَ الحجارة } بيان لزيادة قسوة قلوبهم على الحجارة { لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار } «ما » بمعنى «الذي » في موضع النصب وهو اسم «إن » واللام للتوكيد . والتفجر التفتح بالسعة والكثرة .

{ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ } أصله يتشقق وبه قرأ الأعمش فقلبت التاء شيناً وأدغمت { فَيَخْرُجُ مِنْهُ الماء } يعني أن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير ، ومنها ما ينشق انشقاقاً بالطول أو بالعرض فينبع منه الماء أيضاً وقلوبهم لا تندى .

{ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ } يتردى من أعلى الجبل { مّنْ خَشْيَةِ الله } قيل : هو مجاز عن انقيادها لأمر الله وأنها لا تمتنع على ما يريد فيها ، وقلوب هؤلاء لا تنقاد ولا تفعل ما أمرت به . وقيل : المراد به حقيقة الخشية على معنى أنه يخلق فيها الحياة والتمييز . وليس شرط خلق الحياة والتمييز في الجسم أن يكون على بنية مخصوصة عند أهل السنة وعلى هذا قوله : { لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ } [ الحشر : 21 ] ، الآية . يعني وقلوبهم لا تخشى .

{ وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ } وبالياء مكي وهو وعيد .