الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (74)

وقوله تعالى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم . . . } [ البقرة :74 ] .

أي : صلبت وجفَّت ، وهي عبارة عن خلوِّها من الإنابة والإذعان لآيات اللَّه تعالى ، قال قتادة وغيره : المراد قلوب بني إسرائيل جميعاً في معاصيهم ، وما ركبوه بعد ذلك ، و{ أَوْ } لا يصحُّ أن تكون هنا للشكِّ ، فقيل : هي بمعنى الواو ، وقيل : للإضراب ، وقيل : للإبهام ، وقيل غير ذلك .

وقوله تعالى : { وَإِنَّ مِنَ الحجارة . . . } [ البقرة74 ]

معذرةٌ للحجارة وتفضيلٌ لها على قلوبهم ، قال قتادة : عذر اللَّه تعالى الحجارة ، ولم يعذِر شقيَّ بني آدم .

( ت ) وروى البَزَّار عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ : جُمُودُ العَيْنِ ، وَقَسَاوَةُ القَلْبِ ، وَطُولُ الأَمَلِ ، وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا ) . انتهى من «الكوكبِ الدُّرِّيِّ » لأبي العباس أحمد بن سَعْد التُّجِيبِيِّ ، قال الغَزَّاليُّ في «المِنْهَاج » : واعلم أن أول الذنب قسوةٌ ، وآخره والعياذ باللَّه شؤمٌ وشِقْوَةٌ ، وسوادُ القلْب يكون من الذنوب ، وعلامةُ سواد القلب ألاَّ تجد للذنوب مفزعاً ، ولا للطاعات موقعاً ، ولا للموعظة منجعاً ، انتهى . وقيل في هبوط الحجارة تفيُّؤ ظلالها ، وقيل : إن اللَّه تعالى يخلُقُ في بعض الأحجار خشيةً وحياةً ، يهبط بها من عُلْوٍ تواضعاً ، وقال مجاهد : ما تردى حجرٌ من رأسِ جبلٍ ، ولا تَفَجَّرَ نهر من حَجَر ، ولا خَرَج ماء منه ، إلا من خشية اللَّه عز وجلَّ ، نزل بذلك القرآن ، وقال مثله ابْنُ جُرَيْجٍ .