غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (74)

67

قوله { ثم قست قلوبكم } الآية . خطاب لأولئك اليهود الذين كانوا في زمن موسى ، أو للذين هم في زمن محمد صلى الله عليه وسلم من بعد ذلك الإحياء ، أو من بعد ذلك الذي عددنا من جميع الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات .

ومعنى { ثم } استبعاد القسوة من بعدما يوجب اللين والرقة . وصفة القلوب بالقسوة والغلظ مثل لنبوّها عن الاعتبار والاتعاظ فهي كالحجارة مثلها في القسوة ، أو هي أشد قسوة من الحجارة . فمن عرفها شبهها بالحجارة أو قال هي أقسى من الحجارة ، ويجوز أن يقدر مضاف أي هي كالحجارة أو مثل أشد قسوة . فمن عرفها شبهها بالحجارة أو بجوهر أقسى من الحجارة كالحديد مثلاً . وإنما قيل : أشد قسوة مع إمكان بناء أفعل التفضيل من فعل القسوة ، لكونه أدل على فرط القسوة ، أو لأنه لم يقصد معنى الأقسى ولكن قصد وصف القسوة بالشدة كأنه قيل : اشتدت قسوة الحجارة وقلوبهم أشد قسوة منها ، وحذف هذا الراجع لعدم الالتباس نحو : زيد كريم وعمر أكرم .

وكلمة { أو } ههنا ليست للشك ، فعلام الغيوب لا يشك في شيء ، وإنما هي للتخيير بأيهما شئت شبهت فكنت صدوقاً ، ولو جمعت بينهما جاز .

ثم أخذ في بيان فضل قلوبهم على الحجارة في شدة القسوة فقال { وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار } أي إن منها للذي فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الغزير ، وإن منها للذي ينشق انشقاقاً طولاً أو عرضاً فينبع منه الماء وذلك بحسب كثرة المادة وقلتها ، فإن الأبخرة تجمع في باطن الأرض . ثم إن كان ظاهر الأرض رخواً نفشت وانفصلت ، وإن كان صلباً حجرياً اجتمعت وصارت مياهاً ، ولا يزال يتواتر مددها إلى أن تنشق الأرض من مزاحمتها وتسيل أنهاراً أو عيوناً . وأما قلوب هؤلاء فلا تنشرح للحق ولا تتأثر من الوعظ والنصح بعد مشاهدة الآيات ومعاينة الدلائل .

ويشقق أصله يتشقق فأدغم التاء في الشين كقولهم " يذكر " في " يتذكر " . { لما يهبط } للذي يتردى من أعلى الجبل وذلك من خشية الله ، إما لأنه تعالى خلق فيه الحياة والعقل والإدراك كما يروى من تسبيح الحصى في كف النبي صلى الله عليه وسلم ، وإما لأن الخشية مجاز عن انقيادها لأمر الله وأنها لا تمتنع عما يريد بها من الإهباط والانفصال عن كلها ، وقلوب هؤلاء لا تنقاد ولا تأتمر ، وقيل : أن يتزلزل من أجل أن تحصل خشية الله في قلوب عباده فيفزعون إليه بالتضرع والدعاء .

{ وما الله بغافل عما تعملون } وعيد ، والمعنى أنه بالمرصاد لهؤلاء القاسية قلوبهم وحافظ لأعمالهم فيجازيهم في الدنيا والآخرة

{ فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عداً } [ مريم : 84 ] ووصفه تعالى بأنه ليس بغافل لا يوهم جواز الغفلة عليه لأن نفي الصفة عن الشيء لا يستلزم ثبوت صحتها مثل

{ لا تأخذه سنة ولا نوم } [ البقرة : 255 ] .

/خ74