جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (74)

{ ثُمَّ قَسَتْ } : غلظت حتى لم تعتبر بالآيات ، { قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } : جميع الآيات التي تقدم ذكرها أو إحياء القتيل وثم للاستبعاد ، { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ } : في صلابتها ، { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } : منها كالحديد وأو للتخيير أي : من عرف حالها صدر عنه التشبيه بالحجارة ، أو القول بأنها أشد أو شبهها بهذا أو ذاك أو بمعنى بل أو قلب بعضهم كالحجارة وبعضهم أشد يعني قلوبهم لا تخرج من أحد المثلين عطف على كالحجارة من غير حذف أي : قلوبهم أشد قسوة من الحجارة أو على حذف مضاف هو مثل أي مثل شيء أشد ، { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ } ، تعليل للأشدية ، { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء } ، أي : ولم يكن جارياً ، { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ } : من رأس الجبل ، { مِنْ خَشْيَةِ {[107]} اللّهِ ( ( * )أي : التفجر ) } وهل لمسلم أن ينكر قدرة الله تعالى في خلق الخشية والتسبيح في الجمادات ؟ نعم لمن يتبع الفلسفة أن يتحمل التمحل في أمثال ذلك والله تعالى بمحض فضله قد عصمنا منه ، قال بعض السلف الأول ( ( * )أي : التفجر ) كثرة البكاء والثاني ( ( ** )أي الانشقاق ) قلته والثالث بكاء القلب من غير دمع ، { وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } ، وعيد على ذلك .


[107]:فإن قيل: الحجر جماد لا يفهم فكيف يخشى؟ قيل: الله يفهمه ويلهمه فيخشى بإلهامه ومذهب أهل السنة والجماعة أن لله تعالى علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غير الله فلها صلاة وتسبيح وخشية، قال جل ذكره: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" (الإسراء: 44)، وقال: "والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه" (النور: 41)، وقال: " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر" الآية (الحج: 18)