تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الممتحنة مدنية وآياتها ثلاث عشرة ، نزلت بعد سورة الأحزاب . وهي من السور المدنية التي تعالج التنظيم الاجتماعي والتربية الإيمانية ، وبناء الدولة الحديثة في المجتمع المدني ، لإقامة مجتمع رباني خالص ، محوره الإيمان بالله وحده . ويشدّ المسلمين إلى هذا المحور عروة واحدة لا انفصام لها ، تنقي نفوسهم من كل شائبة وعصبية ، سواء أكانت للقوام أو للجنس أو للأرض ، أو للعشيرة أو للقرابة ، وليجعل الله في مكانها عقيدة واحدة ، هي عقيدة التوحيد ، تحت راية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

روى البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث " أن سارة ، مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف ، وكانت مغنيّة ونائحة بمكة ، أتت المدينة تشكو الحاجة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمهاجرة أنتِ يا سارة ؟ فقالت لا . قال : أمسلمة جئت ؟ قالت : لا . قال : فما جاء بك ؟ قالت : كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة ، وقد ذهب الموالي- تعني قُتلوا يوم بدر-وقد احتجت حاجة شديدة حاجة شديدة فقدِمت عليكم لتعطوني وتكسوني . فقال عليه الصلاة والسلام : فأين أنتِ من شباب أهل مكة ؟ وكانت مغنية ، قالت : ما طُلب مني شيء بعد وقعة بدر . فحث رسول الله بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها ، فكسوها وأعطوها وحملوها فخرجت إلى مكة . وكان الرسول يتأهب للخروج إلى غزو مكة . فأتاها حاطب بن أبي بلتعة ( وكان رجلا من أهل اليمن ) ، له حلف بمكة في بني أسد بن عبد العزى ، رهط الزبير بن العوام . فقال لها : أعطيك عشرة دنانير وبُردا على أن تبلغني هذا الكتاب إلى أهل مكة . . يخبرهم فيه أن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم .

فقال علي بن أبي طالب راوي الحديث : بعثنا رسول الله أنا والزبير والمقداد ، وفي رواية وأبا مرثد الغنوي ، وعمار بن ياسر ، فقال لهم : ائتوا روضة خاخ-وهي موضع بين مكة والمدينة-فإن بها امرأة في هودج معها كتاب فخذوه منها .

فانطلقنا تجري بنا خيلنا ، فإذا نحن بالمرأة . فقلنا : أخرجي الكتاب ، قالت : ما معي كتاب . فقلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثياب . فأخرجته من عقاصها . فأتينا به رسول الله فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله . فقال رسول الله : يا حاطب ما هذا ؟ قال :

لا تعجلْ عليّ يا رسول الله ، إني كنت امرءا ملصَقا في قريش ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ يدا يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق . فقال : إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . فأنزل الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } .

وسميت السورة { الممتحنة } بكسر الحاء يعني المختبرة ، لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } .

ومن قال في هذه السورة : { الممتحنة } بفتح الحاء ، فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها ، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط لقوله تعالى : { فامتحنوهنّ ، الله أعلم بإيمانهن } وسيأتي تفصيل عنها .

وقد بدأت السورة بنهي المؤمنين عن موالاة المشركين أعداء الله وأعدائهم ، لإصرارهم على الكفر ، وإخراجهم رسول الله والمؤمنين من ديارهم بمكة ، وأشارت إلى أن عداوة هؤلاء عداوة دائمة للمؤمنين .

ثم انتقلت إلى بيان الأسوة الحسنة في إبراهيم والذين معهم في تبرّئهم من المشركين ، ثم بينت من تجوز صلتهم من غير المسلمين ومن لا تجوز ، فأما الذين لا يقاتلوننا في الدين ولا يعينون علينا فإن لنا أن نبرّهم ونقسط إليهم ، وأما غيرهم من الذين قاتلونا وظاهروا على إخراج المؤمنين فأولئك نهى الله عن برّهم والصلة بهم .

ثم بينت حكم المؤمنات اللاتي هاجرن إلى دار الإسلام أن يمتحنهنّ المسلمون ، فإن تبيّن صدقهن فلا يجوز إعادتهن إلى المشركين . ثم ذكرت بيان بيعة النساء ، وما بايعن عليه الرسول الكريم . ثم خُتمت السورة بالنهي عن موالاة الأعداء الذين غضب الله عليهم ، كما بدأت به { يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } .

تلقون إليهم بالمودَة : تودونهم وتخبرونهم بأخبارنا .

يُخرجون الرسولَ وإياكم : من مكة .

أن تؤمنوا بالله : من أجل إيمانكم بالله .

سواء السبيل : الطريق القويم المستقيم .

تقدم الكلامُ عن سبب نزول هذه الآيات ، في الصحابيّ حاطب بن أبي بلتعة ، وهو صحابي من المهاجرين الذين جاهدوا في بدرٍ ( وهؤلاء لهم ميزة خاصة ) وأنه كتب إلى قريش يحذّرهم من غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة مع امرأة ، وأن الرسول الكريم كشف أمره ، وأرسل سيدنا علي بن أبي طالب مع عددٍ من الصحابة الكرام وأخذوا الكتاب من المرأة . وقد اعترف حاطب بذنبه ، وقال للرسول عليه الصلاة والسلام : واللهِ ما كفرتُ منذ أسلمت ، ولا غششتُ منذ آمنت ، لكنّي كتبت إلى قريش حمايةً لأهلي من شرهم ، لأني لست قرشياً

ولا يوجد لي عشيرةٌ تحميهم . فعفا عنه وقبل عذره . والآية عامة في كل من يصانع العدوَّ أو يُطْلعه على أسرار المسلمين ، أو يتعاون معه .

ومعناها : يا أيها الذين آمنوا ، لا تصادِقوا الأعداء ، فلا تتخذوا أعداء الله وأعداءَكم أنصارا .

{ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة } تعطونهم المحبة الخالصة ، مع أنهم كفروا بما جاءكم من الإيمان بالله ورسوله ، وقد أخرجوا رسول الله وأخرجوكم من دياركم { أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ } لأنكم آمنتم بالله ربكم . فإن كنتم خرجتُم من دياركم للجهاد في سبيلي وطلبِ رضاي فلا تُسِرّوا إليهم بالمحبة ، أو تسرِّبوا إليهم الأخبار ، وأنا أعلمُ بما أَسررتم وما أعلنتم .

{ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل }ومن يتخذْ أعداءَ الله أولياءَ وأنصاراً فقد انحرف وضل عن الطريق المستقيم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الممتحنة [ وهي ] مدنية .

{ 1-9 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ * لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } .

ذكر كثير من المفسرين ، [ رحمهم الله ] ، أن سبب نزول هذه الآيات الكريمات في قصة حاطب بن أبي بلتعة ، حين غزا النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح ، فكتب حاطب إلى قريش{[1049]}  يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، ليتخذ بذلك يدا عندهم لا [ شكا و ] نفاقا ، وأرسله مع امرأة ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه ، فأرسل إلى المرأة قبل وصولها وأخذ منها الكتاب .

وعاتب حاطبا ، فاعتذر رضي الله عنه بعذر قبله النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الآيات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين وغيرهم ، وإلقاء المودة إليهم ، وأن ذلك مناف للإيمان ، ومخالف لملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، ومناقض للعقل الذي يوجب الحذر كل الحذر من العدو ، الذي لا يبقي من مجهوده في العداوة شيئا ، وينتهز الفرصة في إيصال الضرر إلى عدوه ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } اعملوا بمقتضى إيمانكم ، من ولاية من قام بالإيمان ، ومعاداة من عاداه ، فإنه عدو لله ، وعدو للمؤمنين .

فلا تتخذوا عدو الله { وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } أي : تسارعون في مودتهم وفي السعي بأسبابها ، فإن المودة إذا حصلت ، تبعتها النصرة والموالاة ، فخرج العبد من الإيمان ، وصار من جملة أهل الكفران ، وانفصل عن أهل الإيمان .

وهذا المتخذ للكافر وليا ، عادم المروءة أيضا ، فإنه كيف يوالي أعدى أعدائه الذي لا يريد له إلا الشر ، ويخالف ربه ووليه الذي يريد به الخير ، ويأمره به ، ويحثه عليه ؟ ! ومما يدعو المؤمن أيضا إلى معاداة الكفار ، أنهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحق ، ولا أعظم من هذه المخالفة والمشاقة ، فإنهم قد كفروا بأصل دينكم ، وزعموا أنكم ضلال على غير هدى .

والحال أنهم كفروا بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية ، ومن رد الحق فمحال أن يوجد له دليل أو حجة تدل على صحة قوله ، بل مجرد العلم بالحق{[1050]}  يدل على بطلان قول من رده وفساده .

ومن عداوتهم البليغة أنهم { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } أيها المؤمنون من دياركم ، ويشردونكم من أوطانكم ، ولا ذنب لكم في ذلك عندهم ، إلا أنكم تؤمنون بالله ربكم الذي يتعين على الخلق كلهم القيام بعبوديته ، لأنه رباهم ، وأنعم عليهم ، بالنعم الظاهرة والباطنة ، وهو الله تعالى .

فلما أعرضوا عن هذا الأمر ، الذي هو أوجب الواجبات ، وقمتم به ، عادوكم ، وأخرجوكم - من أجله - من دياركم ، فأي دين ، وأي مروءة وعقل ، يبقى مع العبد إذا والى الكفار الذين هذا وصفهم في كل زمان أو مكان ؟ " ولا يمنعهم منه إلا خوف ، أو مانع قوي .

{ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي } أي : إن كان خروجكم مقصودكم به الجهاد في سبيل الله ، لإعلاء كلمة الله ، وابتغاء مرضاة الله{[1051]}  فاعملوا بمقتضى هذا ، من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه ، فإن هذا هو الجهاد في سبيله{[1052]}  وهو من أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى ربهم ويبتغون به رضاه .

{ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ } أي : كيف تسرون المودة للكافرين وتخفونها ، مع علمكم أن الله عالم بما تخفون وما تعلنون ؟ ! ، فهو وإن خفي على المؤمنين ، فلا يخفى على الله تعالى ، وسيجازي العباد بما يعلمه منهم من الخير والشر ، { وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ } أي : موالاة الكافرين بعد ما حذركم الله منها { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } لأنه سلك مسلكا مخالفا للشرع وللعقل والمروءة الإنسانية .


[1049]:- في ب: إلى المشركين من أهل مكة.
[1050]:- كذا في ب، وفي أ: مجرد رد الحق.
[1051]:- في ب: وابتغاء رضاه.
[1052]:- في ب: هذا من أعظم الجهاد في سبيله.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية وهي ثلاث عشر آية .

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة لما كتب إلى مشركي مكة ينذرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الخروج إليهم ، { تلقون إليهم بالمودة } أي تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم ، { وقد كفروا } أي وحالهم أنهم كافرون { بما جاءكم من الحق } دين الاسلام والقرآن ، { يخرجون الرسول وإياكم } أيها المؤمنون من مكة { أن تؤمنوا } لأن آمنتم { بالله ربكم إن كنتم خرجتم } من مكة { جهادا } للجهاد { في سبيلي وابتغاء مرضاتي } وجواب هذا الشرط متقدم وهو قوله :{ لا تتخذوا عدوي } أي لا تتخذوهم أولياء إن كنتم تبتغون مرضاتي وقوله : { تسرون إليهم بالمودة }كقوله { تلقون إليهم بالمودة } ، { وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم } وذلك أن الله أطلع نبيه عليه السلام على مكاتبة حاطب للمشركين حتى استرد الكتاب ممن دفعه إليه ليوصله إليهم ، { ومن يفعله منكم } أي الاسرار إليهم { فقد ضل سواء السبيل } أخطأ طريق الدين .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الممتحنة{[1]} .

مقصودها براءة من أقر بالإيمان{[2]} ممن اتسم{[3]} بالعدوان دلالة على صحة مدعاه كما أن الكفار تبرأوا{[4]} من المؤمنين وكذبوا بما جاءهم من الحق لئلا يكونوا{[5]} على باطلهم أحرص من المؤمنين على حقهم ، وتسميتها بالممتحنة أوضح شيء فيها وأدله على ذلك لأن الصهر أعظم الوصل وأشرفها بعد الدين ، فإذا نفى{[6]} ومنع دل على أعظم المقاطعة لدلالته على الامتهان بسبب الكفران الذي هو أقبح العصيان ( بسم الله ) الكافي من لجأ إليه فمن تولاه أغناه عمن{[7]} سواه ( الرحمان ) الذي عم بنعمة الإيجاد من فلق عن وجوده العدم وبراه وشمل ، برحمته البيان من حاطه بالعقل{[8]} ورعاه ( الرحيم ) الذي خص بالتوفيق من أحبه وارتضاه .

لما كان التأديب عقب الإنعام جديراً بالقبول ، وكان قد أجرى سبحانه سنته الإلهية بذلك ، فأدب عباده المؤمنين عقب سورة الفتح السبي بسورة الحجرات ، وكانت سورة الحشر مذكرة بالنعمة في فتح بني النضير و{[64372]}معلمة بأنه لا ولي إلا الله ، ولذلك ختمها بصفتي العزة والحكمة بعد {[64373]}أن افتتحها{[64374]} بهما ، وثبت أن من الحكمة حشر الخلق ، وأن أولياء الله هم المفلحون ، وأن أعداءه هم الخاسرون ، وكان الحب في الله والبغض في الله أفضل الأعمال وأوثق عرى الإيمان ، ولذلك{[64375]} ذم سبحانه من والى أعداءه وناصرهم{[64376]} ، وسماهم مع التكلم بكلمة الإسلام منافقين ، أنتج ذلك{[64377]} قطعاً وجوب البراءة من أعدائه والإقبال على خدمته وولائه{[64378]} ، فقال معيداً للتأديب{[64379]} عقب سورة الفتح على أهل الكتاب بسورة جامعة تتعلق بالفتح الأعظم والفتح السبي : { يا أيها الذين آمنوا{[64380]} } منادياً بأداة البعد وإن كان من نزلت بسببه من أهل القرب ، ومعبراً بالماضي إقامة{[64381]} لمن والى الكفار نوع موالاة في ذلك المحل إلهاباً له وتهييجاً إلى الترفع عنه{[64382]} لئلا يقدح في خصوصيته ويحط من{[64383]} عليّ رتبته مع اللطف به{[64384]} بالتسمية له بالإيمان حيث شهد سبحانه على من فعل نحو فعله مع{[64385]} بني النضير بالنفاق{[64386]} وأحله محل أهل الشقاق ، فحكم على القلوب في الموضعين فقال هناك : { الذين نافقوا } كما قال هنا : { الذين آمنوا } .

ولما كان قد تقدم في المجادلة النهي الشديد عن إظهار{[64387]} مطلق الموادة للكفار ، وفي الحشر الزجر{[64388]} العظيم عن إبطان ذلك فتكفلت{[64389]} السورتان بالمنع من مصاحبة ودهم ظاهراً أو {[64390]}باطناً ، {[64391]}بكت هنا{[64392]} من اتصف بالإيمان وقرعه ووبخه على السعي في موادتهم والتكلف لتحصيلها ، فإن ذلك قادح في اعتقاد تفرده سبحانه بالعزة والحكمة ، فعبر لذلك{[64393]} بصيغة الافتعال فقال بعد التبكيت بالنداء بأداة البعد والتعبير بأدنى أسنان الإيمان : { لا تتخذوا } وزاد في ذلك المعنى من وجهين : التعبير بما منه العداوة تجرئة عليهم وتنفيراً منهم والتوحيد لما يطلق على الجمع لئلا يظن أن المنهي عنه المجموع بقيد الاجتماع والإشارة إلى أنهم في العداوة على قلب واحد ، فأهل الحق أولى بأن{[64394]} يكونوا كذلك في الولاية فقال : { عدوي } أي وأنتم تدعون موالاتي ومن المشهور أن مصادق العدو أدنى مصادقة لا يكون ولياً فكيف بما هو فوق الأدنى{[64395]} وهو فعول من عدى ، وأبلغ في الإيقاظ بقوله : { وعدوكم } أي العريق في عداوتكم ما دمتم على مخالفته في الدين .

ولما وحد لأجل ما تقدم من الإشارة إلى اتحاد الكلمة ، بين أن المراد الجمع فقال : { أولياء } ثم استأنف بيان هذا الاتحاد بقوله مشيراً إلى غاية الإسراع والمبادرة إلى ذلك بالتعبير بقوله : { تلقون } أي جميع ما هو في حوزتكم مما لا تطمعون فيه{[64396]} إلقاء الشيء الثقيل من علو { إليهم } على بعدهم منكم حساً ومعنى { بالمودة } أي{[64397]} بسببها .

ولما توقع السامع التصريح بمضادتهم في الوصف الذي ناداهم به بعد التلويح إليه ، ملهياً ومهيجاً إلى عداوتهم بالتذكير بمخالفهم إياه في الاعتقاد المستلزم لاستصغارهم لأنه أشد المخالفة { وقد } أي هو الحال أنهم قد { كفروا } أي غطوا جميع ما لكم من الأدلة { بما } أي بسبب ما { جاءكم من الحق } أي الأمر الثابت الكامل في الثبات الذي لا شيء أعظم ثباتاً منه ، ثم استأنف بين كفرهم بما يبعد من مطلق موادتهم فضلاً عن السعي فيها بقوله مذكراً لهم بالحال الماضية زيادة في التنفير منهم ومصوراً لها بما يدل على الإصرار بأنهم { يخرجون الرسول } أي الكامل في الرسلية الذي يجب على كل أحد عداوة من عاداه أدنى{[64398]} عداوة{[64399]} ولو كان أقرب الناس فكيف إذا كان عدواً ، وبين أن المخاطب من{[64400]} أول السورة من المهاجرين وأن إيراده على وجه الجمع للسير والتعميم في النهي بقوله : { وإياكم } أي من دياركم من مكة المشرفة .

ولما بين كفرهم ، معبراً بالمضارع إشارة إلى دوام أذاهم لمن آمن المقتضي لخروجه عن وطنه ، علل الإخراج بما يحقق معنى الكفر والعداوة فقال : { أن } أي أخرجوكم من أوطانكم{[64401]} لأجل أن{[64402]} { تؤمنوا } أي توقعوا حقيقة الإيمان مع التجديد والاستمرار .

ولما كان الإيمان به سبحانه مستحقاً من وجهي{[64403]} الذات والوصف لفت الخطاب من التكلم إلى الغيبة للتنبيه عليهما فقال : { بالله } أي الذي اختص بجميع صفات الكمال ، ولما عبر بما أبان أنه مستحق للإيمان لذاته أردفه بما يقتضي وجوب ذلك لإحسانه فقال : { ربكم } ولما ألهبهم على {[64404]}مباينتهم لهم{[64405]} بما فعلوا معهم وانقضى ما أريد من التنبيه بسياق الغيبة عاد إلى التكلم لأنه أشد تحبباً وأعظم استعطافاً وأدل على الرضا فألهبهم بما كان من جانبهم من ذلك الفعل{[64406]} أن لا يضيعوه ، فقال معلماً إن ولايته سبحانه لا تصح إلا بالإيمان ، ولا يثبت الإيمان إلا بدلائله من الأعمال ، ولا تصح الأعمال إلا بالإخلاص ، ولا يكون الإخلاص إلا بمباينة الأعداء : { إن كنتم } أي كوناً راسخاً حين أخرجوكم من أوطانكم لأجل إيمانكم بي ، { خرجتم } أي منها وهي أحب البلاد إليكم { جهاداً } أي لأجل الجهاد { في سبيلي } أي بسبب إرادتكم تسهيل طريقي التي شرعتها لعبادي أن{[64407]} يسلكوها { وابتغاء مرضاتي } أي ولأجل تطلبكم بأعظم الرغبة لرضاي ولكل فعل يكون موضعاً له ، وجواب هذا الشرط محذوف لدلالة { لا تتخذوا } عليه .

ولما فرغ من بيان حال{[64408]} العدو وشرط إخلاص الولي ، وكان التقدير : فلا تتخذوهم أولياء ، بنى عليه قوله مبيناً { تلقون } إعلاماً بأن الإسرار إلى أحد بما فيه نفعه لا يكون إلا تودداً : { تسرون } أي توجدون إسرار جميع ما يدل على مناصحتهم والتودد إليهم ، وأشار إلى بعدهم عنهم بقوله : { إليهم } إبلاغاً في التوبيخ بالإشارة إلى أنهم يتجشمون في ذلك مستفتين{[64409]} إبلاغ الأخبار التي يريد النبي صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي كتمها عنهم على وجه الإسرار خوف الافتضاح والإبلاغ إلى المكان البعيد { بالمودة } أي بسببها أو{[64410]} بسبب الإعلام بأخبار يراد بها أو يلزم منها المودة .

ولما كان المراد بالإسرار الستر على من يكره ذلك ، قال مبكتاً لمن يفعله : { وأنا } أي والحال أني { أعلم } أي من كل أحد من نفس الفاعل { بما أخفيتم } أي من ذلك { وما أعلنتم } فأيّ فائدة لإسراركم إن كنتم تعلمون أني عالم به ، وإن كنتم تتوهمون{[64411]} أني لا أعلمه فهي القاصمة .

ولما كان التقدير بما هدى{[64412]} إليه العاطف : فمن فعل منكم فقد ظن أني لا أعلم الغيب أو فعل ما يقتضي ظن ذلك ، عطف عليه قوله{[64413]} : { ومن يفعله } أي يوجد الاتخاذ سراً أو علناً أو يوجد الإسرار بالمودة فالإعلان أولى في وقت من الأوقات ماض أو حال أو استقبال . ولما كان المحب قد يفعل بسبب الإدلال ما يستحق به التبكيت ، فإذا بكت ظن أن ذلك ليس على حقيقته لأن محبته لا يضرها شيء ، وكان قد ستر المعايب بأن أخرج{[64414]} الكلام مخرج العموم ، صرح بأن هذا العتاب مراد به الإحباب فقال : { منكم } وحقق الأمر وقربه بقوله : { فقد ضل } أي عمي ومال وأخطأ { سواء السبيل * } أي قويم الطريق الواسع الموسع إلى القصد قويمه وعدله ، وسبب نزول هذه الآية روي من وجوه كثيرة فبعضه في الصحيح عن علي ومنه في الطبراني عن أنس ومنه في التفاسير{[64415]} " أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فسألها ما أقدمها ، فقالت : ذهب موالي وقد احتجت حاجة شديدة ، وكنتم الأهل والعشيرة والموالي ، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب فأعطوها وكسوها وحملوها ، فكتب معها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد{[64416]} بن عبد العزى من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم{[64417]} فخذوا حذركم ، فأعطاها عشرة دنانير ، فنزل جبريل عليه السلام بالخبر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر وعلياً وعماراً والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد وكانوا كلهم فرساناً فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاط إلى المشركين ، فخذوه{[64418]} منها وخلوا سبيلها ، وإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها . فانطلقوا تعادي بهم خيلهم ، فأدركوها {[64419]}في ذلك{[64420]} المكان فأنكرت وحلفت بالله ، ففتشوها فلم يجدوه{[64421]} فهموا بالرجوع ، فقال علي رضي الله عنه : ما كذبنا ولا كذبنا ، وسل سيفه فقال : أخرجي الكتاب أو لألقين الثياب و{[64422]}لأضربن عنقك ، فقالت : على أن لا تردوني ، ثم أخرجته{[64423]} من عقاصها قد لفت عليه شعرها ، فخلوا سبيلها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب : هل تعرف الكتاب قال : نعم ، قال : فما حملك على هذا ؟ قال : لا تعجل يا رسول الله ، والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششت{[64424]} منذ صحبتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يدفع الله به عن عشيرته ، وكنت غريباً خليفاً فيهم{[64425]} ، وكان أهلي بين ظهرانيهم فأردت أن أتخذ{[64426]} عندهم يداً{[64427]} يدفع الله بها عن أهلي ، وقد علمت أن الله تعالى ينزل بهم بأسه ، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق ولا تقولوا له إلا خيراً ، فقال عمر{[64428]} بن الخطاب رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا عمر لعل{[64429]} الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، ففاضت عينا عمر رضي الله عنه وقال : الله ورسوله أعلم ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم } " الآيات .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : افتتحت - يعني هذه السورة - بوصية المؤمنين على ترك{[64430]} موالاة أعدائهم ونهيهم عن ذلك وأمرهم{[64431]} بالتبرؤ منهم ، وهو المعنى الوارد في قوله خاتمة المجادلة { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم } إلى آخر السورة ، وقد حصل منها{[64432]} أن أسنى أحوال أهل الإيمان وأعلى مناصبهم .

{ أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه }[ المجادلة : 22 ] فوصى عباده في افتتاح الممتحنة بالتنزه عن موالاة الأعداء {[64433]}ووعظهم بقصة{[64434]} إبراهيم عليه الصلاة والسلام والذين معه في تبرئهم من قومهم ومعاداتهم ، والاتصال في هذا بين ، وكأن سورة الحشر وردت مورد الاعتراض المقصود بها تمهيد الكلام وتنبيه{[64435]} السامع على ما به تمام الفائدة لما ذكر أن شأن المؤمنين أنهم لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو{[64436]} كانوا أقرب الناس إليهم ، اعترض بتنزيهه عن مرتكباتهم ، ثم أتبع ذلك ما{[64437]} عجله لهم من النقمة والنكال ، ثم عاد الأمر إلى النهي عن موالاة الأعداء جملة له ، ثم لما كان أول سورة الممتحنة إنما نزل{[64438]} في حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وكتابه{[64439]} لكفار قريش بمكة ، والقصة مشهورة وكفار مكة ليسوا من يهود ، وطلبوا المعادة {[64440]}للجميع واحد{[64441]} ، فلهذا فضل بما هو من تمام الإخبار بحال يهود ، وحينئذ عاد الكلام إلى الوصية عن نظائرهم من الكفار المعاندين ، والتحمت السور الثلاث وكثر في سورة الممتحنة تزداد الوصايا والعهود ، وطلب بذلك كله ولهذا المناسبة ذكر فيها الحكم في بيعة النساء وما يشترط عليهن في ذلك ، فمبنى{[64442]} السورة على طلب الوفاء افتتاحاً واختتاماً حسب{[64443]} ما بين في التفسير لينزه المؤمن عن حال من قدم ذكره في سورة الحشر و{[64444]}في خاتمة{[64445]} سورة المجادلة - انتهى .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[64372]:-زيد من ظ.
[64373]:- من ظ وم، وفي الأصل: فتحها.
[64374]:- من ظ وم، وفي الأصل: فتحها.
[64375]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذلك.
[64376]:- من ظ وم، وفي الأصل: يضرهم.
[64377]:- زيد من م.
[64378]:- من ظ وم، وفي الأصل: ولايته.
[64379]:- من ظ وم، وفي الأصل: للتاب.
[64380]:- ليس في الأصل.
[64381]:- من ظ و م، وفي الأصل: إقامته.
[64382]:- من ظ وم، وفي الأصل: له.
[64383]:- من ظ وم، وفي الأصل: في.
[64384]:-زيد من ظ وم.
[64385]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
[64386]:- من م، وفي الأصل وظ: بالشقاق.
[64387]:- من ظ و م، وفي الأصل: الظهار.
[64388]:- زيد في الأصل: العنيف، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64389]:- من ظ وم، وفي الأصل فتكاملت.
[64390]:-من ظ وم، وفي الأصل: "و".
[64391]:- من ظ وم، وفي الأصل: أوباكيا بكبا.
[64392]:- من ظ وم، وفي الأصل: أوباكيا بكبا.
[64393]:- من م، وفي الأصل وظ: ذلك.
[64394]:- من م، وفي الأصل وظ: إن.
[64395]:- زيد من ظ وم.
[64396]:- زيد في الأصل وظ: من، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[64397]:- زيد من ظ وظ وم.
[64398]:- من ظ وم، وفي الأصل: أي.
[64399]:- زيد في الأصل و ظ: كانت ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[64400]:- زيد من م.
[64401]:- من ظ وم، وفي الأصل: دياركم.
[64402]:- من ظ وم، وفي الأصل: أنكم.
[64403]:- في ظ وم، وجهين.
[64404]:- من ظ وم، وفي الأصل: مانيههم له.
[64405]:- من ظ وم، وفي الأصل: مانيههم له.
[64406]:- زيد من ظ و م.
[64407]:- من م، وفي الأصل وظ: إلى.
[64408]:- زيد من ظ وم.
[64409]:- من ظ وم، وفي الأصل مستقين.
[64410]:- من ظ وم، وفي الأصل "و".
[64411]:- من م، وفي الأصل وظ: تتهمون.
[64412]:- من ظ وم، وفي الأصل: أهدى.
[64413]:- زيد من ظ وم.
[64414]:- من ظ وم، وفي الأصل: اخرج.
[64415]:- راجع مثلا معالم التنزيل بهامش اللباب 7/ 62.
[64416]:- من ظ وم والمعالم، وفي الأصل: سيد.
[64417]:- من ظ وم والمعالم، وفي الأصل: يريد.
[64418]:- من ظ وم والمعالم، وفي الأصل: ففذوا.
[64419]:-من م والمعالم، وفي الأصل وظ: بذلك.
[64420]:-من م والمعالم، وفي الأصل وظ: بذلك.
[64421]:- من م، وفي الأصل وظ: فلم يجدوا.
[64422]:- من ظ وم والمعالم، وفي الأصل: و.
[64423]:- زيد في الأصل: عنقها أو، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64424]:- من ظ وم، وفي الأصل: عشيت، وفي المعالم: غششتك.
[64425]:- من ظ وم، وفي الأصل: بينهم.
[64426]:- من م والمعالم، وفي الأصل وظ: يتخذ.
[64427]:- في الأصل بياض ملأناه من ظ وم والمعالم.
[64428]:- زيد من م.
[64429]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن.
[64430]:- سقط من ظ.
[64431]:- زيد من ظ وم.
[64432]:- زيد من ظ وم.
[64433]:- من ظ وم، وفي الأصل: عدوهم- كذا.
[64434]:- من ظ وم، وفي الأصل: عدوهم- كذا.
[64435]:-من م، وفي الأصل وظ: بينة.
[64436]:- من ظ وم، وفي الأصل: لما.
[64437]:- من ظ وم، وفي الأصل: بما.
[64438]:- من ظ وم، وفي الأصل: نزلت.
[64439]:- من ظ وم، وفي الأصل: كتابته.
[64440]:- من ظ وم، وفي الأصل: الجميع واحدا.
[64441]:- من ظ وم، وفي الأصل: الجميع واحدا.
[64442]:- من ظ وم، وفي الأصل: مبنى.
[64443]:- من ظ وم، وفي الأصل: حس.
[64444]:- زيد من ظ وم.
[64445]:- من ظ وم، وفي الأصل: خلقه.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } .

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي ودعوَّكم } أي كفار مكة ، { أولياء تلقون } توصلون { إليهم } قصد النبي صلى الله عليه وسلم غزوهم الذي أسرَّوُ إليكم وَوَرَّى بحُنَين { بالمودة } بينكم وبينهم كتب حاطب بن أبي بلتعة إليهم كتاباً بذلك لما له عندهم من الأولاد والأهل المشركين فاسترده النبي صلى الله عليه وسلم ممن أرسله معه بإعلام الله تعالى له بذلك وقبل عذر حاطب فيه { وقد كفروا بما جاءكم من الحق } أي دين الإسلام والقرآن ، { يخرجون الرسول وإياكم } من مكة بتضييقهم عليكم { أن تؤمنوا } أي لأجل أن آمنتم { بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً } للجهاد { في سبيلي وابتغاء مرضاتي } وجواب الشرط دل عليه ما قبله ، أي فلا تتخذوهم أولياء ، { تُسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم } أي إسار خبر النبي إليهم ، { فقد ضل سواء السبيل } أخطأ طريق الهدى ، والسواء في الأصل الوسط .