تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفتح مدنية وآياتها تسع وعشرون ، نزلت بعد سورة الجمعة في السنة السادسة من الهجرة بعد صلح الحديبية .

وكان صلح الحديبية نصرا حقيقيا للرسول الكريم وللمؤمنين ، فقد اعترفت قريش بالرسول وبمكانته ، وبسلطة الإسلام وعظمته ، وفُتح الباب للناس للدخول في دين الله أفواجا .

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا إلى مكة ومعه ألف وأربعمائة رجل من أصحابه ، وكان خروجه في أول ذي القعدة يوم الإثنين عام ست من الهجرة . فلما وصل الحديبية ، وهي مكان قريب من مكة ، خرجت قريش ومنعتْه من دخول مكة ، مع أن الوقت كان في الأشهر الحرم حيث يجوز لكل إنسان أن يدخل مكة . فلما رأى الرسول الكريم تشدّد قريش أرسل إليهم عثمان بن عفان رضي الله عنهم ليُفهمهم أن الرسول الكريم وأصحابه لا يريدون حربا وإنما جاؤوا معتمرين . وأبطأ عثمان وأشيع أنه قُتل ، فدعا رسول الله أصحابه للبيعة ، فبايعوه بيعة الرضوان بأن يقاتلوا قريشا . وفي ذلك يقول تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } فكان فتح خيبر ، ثم فتح مكة بعد ذلك .

فعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح بينه وبين قريش وعاد إلى المدينة على أن يعود إلى العمرة في مكة في العام المقبل ، فنحر الهدي في موضع الحديبية ونحر أصحابه وحلقوا وقصّروا وعادوا ، فنزلت سورة الفتح في هذا الجو العظيم .

قال موسى بن عقبة ، وهو من أوائل الذين كتبوا في السيرة : قال رجل عند رجوع المسلمين من الحديبية : ما هذا بفتح ، لقد صُددنا عن البيت الحرام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل هو أعظم الفتوح ، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ، ويسألوكم القضية ، ويرغبوا إليكم في الأمان ، وقد رأوا منكم ما كرهوا .

ومعنى يسألوكم القضية : طلبوا منكم أن تقضوا عمرتكم في العام القابل . وقد رأوا منكم ما كرهوا : رأوا تجمّعكم ، وحماستكم في حفظ دينكم ، والتفافكم حول الرسول الكريم والتأهب للقتال ، فكرهوا ذلك . وقد أورد ابن هشام وكتب الحديث حادثة الحديبية بالتفصيل فليرجع إليها من أراد التفصيل .

تحدثت السورة في بدئها عن الفتح المبين الذي يسّره الله لرسوله الأمين ، وعن آثاره العظيمة في انتشار الإسلام ، وعن تثبيت قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا . وذكرت المنافقين وتذبذبهم وجبنهم ، وتشككهم في نصر الله لرسوله . وقررت إرسال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شاهدا ومبشرا ليحقق الإيمان بالله . ثم ذكرت المؤمنين وجميل صفاتهم ، وأشارت إلى لطف الله بهم وإكرامهم . وبعد ذلك ذكرت بيعة الرضوان وبينت اعتذار المتخلفين عن الخروج مع رسول الله ، وأنهم تخلّفوا ظنا منهم أن الله لا ينصره ، وعرضت لطلبهم الخروج للغنائم .

ثم أشارت إلى العمرة ، وذكر صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة ، وأخيرا بينت وعد الله تعالى لهم وللصالحين من عباده الكرامة الكبرى في الآخرة والمغفرة والأجر العظيم .

فتحنا لك فتحا مبينا : نصرناك نصرا بينا ظاهرا . وكان صلح الحديبية نصراً كبيرا للنبي الكريم ، إذ كان سببا في فتح مكة . قال الإمام الزهري : لم يكن فتحٌ أعظم من صلح الحديبية ، اختلط المشركون بالمسلمين وسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام من قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلقٌ كثير كَثُر بهم سواد الإسلام ، فما مضت تلك السنون إلا والمسلمون قد جاؤوا إلى مكة في عشرة آلاف ففتحوها . إنا فتحنا لك يا محمد فتحاً ظاهرا عظيما بذلك الصلح الذي تم على يديك في الحديبية ، وكان نتيجته الكبرى استيلاءك على مكة وإزالة الكفر منها .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

مدنية وهي عشرون وتسع آيات

{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا } حكمنا لك بإظهار دينك والنصرة على عدوك وفتحنا لك أمر الدين

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفتح

مدنية نزلت في الطريق عند الانصراف من الحديبية وآياتها 29 نزلت بعد الجمعة

نزلت هذه السورة حين انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، لما أراد أن يعتمر بمكة فصده المشركون وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر وهما راجعان إلى المدينة : }لقد نزلت علي سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها " .

{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا } يحتمل هذا الفتح في اللغة أن يكون بمعنى الحكم أي : حكمنا لك على أعدائك ، أو من الفتح بمعنى العطاء كقوله : { ما يفتح الله للناس من رحمة } [ فاطر : 2 ] أو من فتح البلاد واختلف في المراد بهذا الفتح على أربعة أقوال :

الأول : أنه فتح مكة وعده الله به ، قبل أن يكون وذكره بلفظ الماضي لتحققه وهو على هذا بمعنى فتح البلاد .

الثاني : أنه ما جرى في الحديبية من بيعة الرضوان ومن الصلح الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش وهو على هذا بمعنى الحكم أو بمعنى العطاء ويدل على صحة هذا القول أنه لما وقع صلح الحديبية ، شق ذلك على بعض المسلمين بشروط كانت فيه حتى أنزل الله هذه السورة ، ويتبين أن ذلك الصلح له عاقبة محمودة وهذا هو الأصح ، لأنه روي : أنها لما نزلت قال بعض الناس : ما هذا الفتح وقد صدنا المشركون عن البيت ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالروح ، ورغبوا إليكم في الأمان " .

الثالث : أنه ما أصاب المسلمون بعد الحديبية من الفتوح كفتح خيبر وغيرها .

الرابع : أنه الهداية إلى الإسلام ودليل هذا القول قوله { ليغفر الله لك } فجعل الفتح علة للمغفرة ولا حجة في ذلك إذ يتصور في الجهاد وغيره أن يكون علة للمغفرة أيضا أو تكون اللام للصيرورة والعاقبة لا للتعليل فيكون المعنى إنا فتحنا لك فتحا مبينا فكان عاقبة أمرك أن جمع الله لك بين سعادة الدنيا والآخرة بأن غفر لك وأتم نعمته عليك وهداك ونصرك .