سورة إبراهيم مكية ، عدد آياتها اثنتان وخمسون آية ، وموضوع السورة الأساسي كبقية السور المكية هو العقيدة في أصولها الكبيرة : الوحي والرسالة والتوحيد والبعث والجزاء ، ولها نهج خاص في عرض هذا الموضوع ، وحقائقه الأصلية ، يميزها عن غيرها من السور .
ولجوّ هذه السورة من اسمها نصيب ، إبراهيم ، أبو الأنبياء ، المبارك الشاكر الأواه المنيب ، وهذه الصفات ملحوظة في جو السورة ، وفي الحقائق التي تبرزها ، وفي طريقة الأداء ، وفي التعبير والإيقاع .
وتتضمن السورة عدة حقائق رئيسة في العقيدة ، ولكن حقيقتين كبيرتين تخيمان على جوّها ، وهما حقيقة وحدة الرسالة والرسل ، ووحدة دعوتهم ، ووقفتهم أمة واحدة في مواجهة الجاهلية المكذبة بدين الله ، على اختلاف الأمكنة والأزمنة ، وحقيقة نعمة الله على البشر وزيادتها بالشكر ، ومقابلة أكثر الناس لها بالجحود والكفران .
فأما الحقيقة الأولى فيبرزها السياق في معرض فريد في طريقة الأداء ، إذ تجمع الأنبياء كلهم في صف ، وتجمع الجاهليين كلهم في وصف ، وتجري المعركة بينهم في الأرض ، ثم لا تنتهي هنا بل تتابع خطواتها في يوم الحساب .
ونبصر مشهد أمة الرسل ، وأمة الجاهلية ، في صعيد واحد ، على تباعد الزمان والمكان . فالزمان والمكان عرضان زائلان ، أما الحقيقة الكبرى في هذا الكون ، حقيقة الإيمان والكفر ، فهي أكبر من الزمان والمكان ، ويلخص ذلك قوله تعالى : { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود إلى قوله تعالى . . . . ومن ورائه عذاب غليظ } . الآيات من 9- 17 .
فهنا تتجمع الأجيال من لدن نوح وتتجمع الرسل ، ويتلاشى الزمان والمكان ، وتبرز الحقيقة الكبرى : حقيقة الرسالة الواحدة ، واعتراضات الجاهلين الواحدة ، وحقيقة نصر الله للمؤمنين وهي واحدة ، وحقيقة استخلاف الله للصالحين وهي واحدة أيضا .
ولا تنتهي المعركة بين الكفر والإيمان هنا بل يتابع السياق خطواته بها إلى ساحة الآخرة ، فتبرز معالمها في مشاهد القيامة المتنوعة التي تتضمنها السورة .
وأما الحقيقة الثانية المتعلقة بالنعمة والشكر والبطر فتطبع جوّ السورة كله ، وتتناثر في سياقه . إذ يعدد الله بنعمه على البشر كافة ، مؤمنهم وكافرهم ، صالحهم وطالحهم ، طائعهم وعاصيهم ، وإنها لرحمة من الله وسماحة وفضل أن يتيح للكافر والعاصي نعمه في هذه الأرض ، كالمؤمن والطائع ، لعلهم يشكرون . وهو يعرض هذه النعمة في أضخم مجالي الكون وأبرزها ، ويضعها داخل إطار من مشاهد الوجود العظيمة . وفي إرسال الرسل للناس نعمة تعدل النعم السابقة أو تربو عليها ، والدعوة لأجل الغفران نعمة تعدل النور . وهنا تبرز حقيقة زيادة النعمة بالشكر .
وتنقسم السورة إلى مقطعين حلقاتهما متماسكة :
الأول : يتضمن بيان حقيقة الرسالة والرسول ، ويصور المعركة بين أمة الرسل وفرقة المكذبين في الدنيا والآخرة ، ويعقّب عليها بمثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة .
الثاني : يتحدث عن نعم الله على البشر ، سواء الذين كفروا بهذه النعم وبطروا ، أو الذين آمنوا وشكروا . ونموذج هؤلاء الأول هو إبراهيم . ثم يعمد إلى تصوير مصير الظالمين الكافرين بنعمة الله في سلسلة من أعنف مشاهد القيامة وأجلّها ، وأحفلها بالحركة والحياة . وأخيرا يختم السورة ختاما يتسق مع مطلعها : { هذا بلاغ للناس لينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد ، وليذّكر أولوا الألباب } :
وإبراهيم هو خليل الله بن تارح بن ناحور من نسل نوح عليه السلام ، وهو من بلد اسمها " فدان آرام " بالعراق . كان قومه أهل أوثان ، وكان أبوه نجّارا ينحت الأصنام ويبيعها ممن يعبدها ، ولكن الله أنار بصيرة إبراهيم وهداه إلى الرشد ، فعلم أن الأصنام لا تضر ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تبصر ، وحاول أن يهدي أباه وقومه فلم يستطع ، لعنادهم وإصرارهم على الكفر . وقد جفاه قومه وألقوه في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما . وهدده أبوه أن يرجمه إذا استمر على جحد الأصنام فلم يأبه لذلك . وقد استمر يدعو قومه إلى الهدى ، لكنه لم يؤمن منهم سوى زوجته سارة ولوط ابن أخيه .
ولما يئس من قومه هاجر إلى أور الكلدانيين ، وهي مدينة قرب الشاطئ الغربي للفرات ، ثم إلى حرّان ، وهي الآن في تركية ، وبعد ذلك إلى فلسطين ومعه زوجته سارة وابن أخيه لوط وزوجته . وفي القدس استقبله ملك القدس من الكنعانيين واسمه ملكي صادق ، فدعا لإبراهيم بالبركة فأعطاه إبراهيم جزية العشر من كل ما يملك .
وقد جاء ذكره في القرآن الكريم في خمس وعشرين سورة ذكر فيها ثلاثا وستين مرة ، تارة باختصار ، وتارة بتطويل ، وتارة بذكر شأن من شؤونه في سورة ، ثم شأن آخر في سورة أخرى ، وسيمر معنا ذلك التفسير .
{ الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِرَاطِ العزيز الحميد } .
ألف . لام . را . لقد أنزلنا إليك يا محمد ، هذا الكتاب المؤلف من جنس هذه الأحرف لتخرجَ به البشريةَ من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم ، وذلك بإذن الله وتوفيقه ولطفه بهم ، وتقودهم إلى الطريق إلى الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.