التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة إبراهيم

في السورة تقرير لمهمة النبي ، وحملة على كفار العرب ، وبخاصة زعمائهم وتذكير ببعض الرسل السابقين ومواقف أممهم منهم ، وإنذار بالمصائر السيئة التي صاروا إليها ، وتقرير كون الإيمان هو أساس كل عمل صالح وطريق قويم وكون الكفر هو محبط لكل عمل ومورد للهلاك ، وتنديد بما انطبع عليه الناس من الكفر والجحود لنعم الله وحكاية لمناجاة إبراهيم ربه وحملته على الأصنام وتقريع صارم للظالمين في معرض تثبيت النبي وتطمينه .

وفصول السورة مترابطة تبرر القول : إنها نزلت دفعة واحدة ، أو فصولا متلاحقة . وقد روي أن الآيتين [ 28-29 ] مدنيتان ومضمونهما وانسجامهما مع السياق يسوغان الشك في الرواية .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ألر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد( 1 ) الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد( 2 ) الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا 1 أولئك في ضلال بعيد ( 3 ) } [ 1-3 ] .

ابتدأت آيات السورة بالحروف المتقطعة للتنبيه والاسترعاء على ما رجحناه في أمثالها وتبعها تنويه بالقرآن جريا على أسلوب معظم المطالع المبتدئة بالحروف المتقطعة .

وعبارة الآيات واضحة . والمتبادر أن الآية الأولى في صدد تشبيه الناس بدون رسالة نبوية من قبل الله وكتاب رباني كمن هم في ظلمات دامسة لا يستبينون طريق الحق المستقيم الواضح في عقائدهم وسلوكهم ، ثم في صدد التنويه بحكمة الله ورحمته التي اقتضت أن يرسل رسوله ويوحي إليه بآيات كتابه ليخرج الناس من تلك الظلمات وينير لهم سبيل الحق في كل ما يتعلق بأمور الدين والدنيا معا ويدعوهم إلى السير فيها .

دلالة جملة

{ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور }

على عموم الرسالة المحمدية .

وتعبير { الناس } وإن كان يطلق على مختلف فئات السامعين أو أي مجتمع فإن وروده في الآيات مطلقا يتضمن معنى التقرير بأن دعوة النبي هي عامة لجميع الناس في كل ناحية من أنحاء الأرض لإخراجهم من الظلمات إلى النور . وهذا المعنى مؤيد بآيات كثيرة مرت أمثلة عديدة منها . بل أكثر من هذا فإن القرآن قد رشحها لتكون دين العالم جميعه الظاهرة على جميع الأديان ، ورشح معتنقيها ليكونوا خير أمة أخرجت للناس وخلفاء الأرض قاطبة كما ترى في هذه الآيات :

1-{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا } [ الفتح 28 ] .

2-{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون }[ النور : 55 ] .

3-{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } [ آل عمران : 110 ] .

4-{ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور } [ الحج : 41 ] .