غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة إبراهيم عليه السلام مكية غير آيتين نزلتا في بدر { ألم تر إلى الذين بدلوا } الآيتان حروفها ثلاثة آلاف وأربعمائة وأربعة وثلاثون كلها ثمانمائة وخمسة وخمسون آياتها اثنتان وخمسون .

1

التفسير : كون السورة مكية أو مدنية إنما يفيد في الأحكام لتعرف المنسوخ من الناسخ وفي غير ذلك المكية والمدنية سيان . قوله : { ألر كتاب } أي السورة المسماة ب { ألر } كتاب { أنزلناه إليك } لغرض كذا وإن كان { الر } مذكوراً على جهة التعديد فقوله : { كتاب } خبر مبتدأ محذوف أي هذا القرآن أو هذه السورة كتاب . والظلمات استعارة لطرق الضلال ومظانه والنور مستعار للحق . واللام في { لتخرج } للغرض عند المعتزلة ، وللغاية عند الحكيم ، وإن شئت فقل : للعاقبة . واللام في { الناس } للجنس المستغرق ظاهراً ففيه دليل على أن دعوته صلى الله عليه وسلم عامة . ومعنى إخراج النبي صلى الله عليه وسلم { من الظلمات إلى النور } أنه سبحانه جعل إنزال الكتاب عليه ودعوته صلى الله عليه وسلم إياهم به إلى الحق واسطة لهدايتهم لا مطلقاً ولكن { بإذن ربهم } أي بتسهيله وتيسيره وكل ميسر لما خلق له . والحاصل أن المراد من الإذن معنى يقتضي ترجيح جانب الوجود على جانب العدم ومتى حصل الرجحان فقد حصل الوجوب عند المحققين ، ولك أن تعبر عن ذلك المعنى بداعية الإيمان . احتج بالآية من قال : إن معرفة الله تعالى لا تمكن إلا بالتعليم الذي عبر عنه بالإخراج من الظلمة إلى النور : وأجيب بأن معنى الإخراج التنبيه ، وأما المعرفة فإنما تحصل من الدليل وقوله { إلى صراط العزيز الحميد } بدل من قوله : { إلى النور } بتكرير العامل الجار . وجوز في الكشاف أن يكون على جهة الاستئناف كأنه قيل : إلى أي نور ؟ فقيل : إلى صراط العزيز الحميد . وفي ذكر الوصفين تأكيد لحقية الصراط واستنارته لأن العزيز هو القادر الغالب ، والحميد هو الكامل في خصائص الحمد من العلم والغنى وغير ذلك . ولا ريب أن من هذه صفته كان سبيله الذي نهج لعباده مفضياً إلى صلاح حالهم ديناً ودنيا ، إذ لا حاجة له إلى ارتكاب عبث أو قبيح . قال بعض العلماء : إنما قدم ذكر العزيز لأن الصحيح أن أول العلم بالله العلم بكونه قادراً غالباً وهو معنى العزيز ، ثم بعد ذلك العلم بكونه عالماً والعلم بكونه غنياً عن الحاجات والنقائص وهذا معنى الحميد .

/خ17