إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وآياتها ثنتان وخمسون

{ الر } مر الكلامُ فيه وفي محله غيرَ مرة وقوله تعالى : { كِتَابٌ } خبرٌ له على تقدير كون الر مبتدأً أو لمبتدإ مضمرٍ على تقدير كونِه خبراً لمبتدأ محذوف ، أو مسروداً على نمط التعديد ، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً لهذا المبتدأ المحذوف ، وقوله تعالى : { أنزلناه إِلَيْكَ } صفةٌ له وقوله تعالى : { لِتُخْرِجَ الناس } متعلقٌ بأنزلناه أي لتخرجَهم كافةً بما في تضاعيفه من البينات الواضحة المفصحةِ عن كونه من عند الله عز وجل الكاشفةِ عن العقائد الحقةِ ، وقرئ ليخرِج الناسَ { مِنَ الظلمات } أي ليُخرج به الناسَ من عقائد الكفر والضلال التي كلُّها ظلماتٌ محضةٌ وجهالاتٌ صِرْفة { إِلَى النور } إلى الحق الذي هو نورٌ بحتٌ لكن لا كيفما كان ، فإنك لا تهدي من أحببت بل { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } أي بتيسيره وتوفيقِه وللإنباء عن كون ذلك منوطاً بإقبالهم إلى الحق كما يفصح عنه قوله تعالى : { وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } [ الرعد ، الآية 27 ] استُعير له الإذنُ الذي هو عبارةٌ عن تسهيل الحجابِ لمن يقصِد الورودَ ، وأضيف إلى ضميرهم اسمُ الربِّ المفصحِ عن التربية التي هي عبارةٌ عن تبليغ الشيءِ إلى كماله المتوجّه إليه ، وشمولُ الإذن بهذا المعنى للكل واضحٌ وعليه يدور كونُ الإنزال لإخراجهم جميعاً . وعدمُ تحققِ الإذن بالفعل في بعضهم لعدم تحققِ شرطِه المستند إلى سوء اختيارِهم غيرُ مخلٍ بذلك والباء متعلقةٌ بتخرج أو بمضمر وقع حالاً من مفعوله أي ملتبسين بإذن ربِّهم ، وجعله حالاً من فاعله يأباه إضافةُ الربِّ إليهم لا إليه وحيث كان الحقُّ مع وضوحه في نفسه وإيضاحه لغيره موصلاً إلى الله عز وجل استُعير له النورُ تارة والصراطُ أخرى ، فقيل : { إلى صِرَاطِ العزيز الحميد } على وجه الإبدالِ بتكرير العامل كما في قوله تعالى : { لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } [ الأعراف ، الآية 75 ] وإخلالُ البدل والبيانِ بالاستعارة إنما هو في الحقيقة لا في المجاز كما في قوله سبحانه : { حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود مِنَ الفجر } [ البقرة ، الآية 187 ] وقيل : هو استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال ، كأنه قيل : إلى أي نور ؟ فقيل : إلى صراط العزيز الحميد ، وإضافةُ الصراط إليه تعالى لأنه مقصِدُه أو المبينُ له ، وتخصيصُ الوصفين بالذكر للترغيب في سلوكه ببيان ما فيه من الأمن والعاقبةِ الحميدة .