سورة إبراهيم عليه السلام{[1]} .
{ بسم الله } الذي تفرد بالكمال ، وعز عن{[2]}- أن يكون له كفو أو مثال { الرحمان } لجميع خلقه بكتاب هو الغاية في البيان { الرحيم } الذي اختار من عباده من ألزمهم روح وداده
مقصود السورة التوحيد ، وبيان أن هذا الكتاب غاية البلاغ إلى الله ، لأنه كافل ببيان الصراط الدال عليه المؤدى إليه ، ناقل- بما فيه من الأسرار للخلق من طور إلى طور- بما يشير إليه حرف الراء ، وأدل ما فيها على هذا المرام{[3]} قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أما{[4]} التوحيد فواضح ، وأما أمر الكتاب فلأنه من جملة دعائه لذريته الذين أسكنهم عند البيت المحرم من ذرية إسماعيل عليه السلام { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك{[5]} ويعلمهم الكتاب والحكمة{[6]} ويزكيهم } .
ولما ختم الرعد بأنه لا شهادة تكافىء شهادة من عنده علم الكتاب إشارة إلى أن الكتاب هو الشاهد بإعجازه ببلاغته{[7]} وما حوى من فنون العلوم ، وأتى به في ذاك السياق معرفا لما تقدم من ذكره في البقرة وغيرها ثم تكرر وصفه في سورة يونس وهود ويوسف والرعد بأنه حكيم{[8]} محكم مفصل مبين ، وأنه الحق الثابت الذي{[9]} تزول الجبال الرواسي وهو ثابت لا يتعتع شيء منه ، ولا يزلزل معنى من معانيه ، ذكره في أول هذه{[10]} السورة منكرا تنكير التعظيم فقال :
{ كتاب } أي عظيم في درجات من العظمة . لا تحتمل عقولكم الإخبار عنها بغير هذا الوصف ، ودل تعليل وصفه بالمبين بأنه عربي على أن التقدير : { أنزلناه } أي بما لنا من العظمة { إليك } بلسان قومك{[44481]} لتبين{[44482]} لهم .
ولما استجمع التعريف بالأوصاف الموجبة للفلاح المذكورة{[44483]} أول السورة المستدل عليها بكل{[44484]} برهان منير وسلطان مبين ، فصار بحيث لا يتوقف عن{[44485]} اجتناء ثمرته من وقف على حقائق تلك النعوت ، شوق{[44486]} إلى تلك الثمرة بعد تفصيل ما في أول البقرة في التي قبلها كما مضى بما يحث عليه ويقبل بقلب كل عاقل إليه فقال : { لتخرج الناس } أي عامة قومك وغيرهم بدعائك إياهم به وإن كانوا ذوي اضطراب { من الظلمات } التي هي أنواع كثيرة من الضلالات التي أدت إليها الجهالات { إلى النور } الذي هو واحد ، وهو سبيل الله المدعو بالهداية إليه في الفاتحة ، أي لتبين{[44487]} للعرب قومك لأنه بلسانهم بياناً شافياً ، فتجعلهم - بما تقيم عليهم من الحجج الساطعة ، وتوضح لهم من البراهين القاطعة ، وتنصب لهم من الأعلام الظاهرة ، وتحكم لهم من الأدلة الباهرة{[44488]} - في مثل ضوء النهار بما فتح من مقفل أبصارهم ، وكشف عن{[44489]} أغطية قلوبهم ، فيكونوا متمكنين من أن يخرجوا من ظلمات الكفر التي هي طرق الشيطان إلى نور الإيمان الذي هو سبيله
{ ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله{[44490]} }[ الأنعام :153 ] وشبه الإيمان وما أرشد إليه بالنور ، لأنه عصمة العقل من الخطأ في الطريق إلى الله كما أن النور عصمة البصر من الضلال عن الطريق الحسي{[44491]} ، وإذا خرجوا إلى النور كانوا جديرين بأن يخرجوا جميع الناس { بإذن ربهم } أي المحسن إليهم ؛ والإذن : الإطلاق في الفعل بقول يسمع بالأذن ، هذا أصله - قاله{[44492]} الرماني .
ولما كان النور مجملاً ، بينه على سبيل الاستئناف أو البدل بتكرير العامل فقال : { إلى صراط العزيز } الذي{[44493]} تعالى عن صفات النقص فعز{[44494]} عن{[44495]} أن يدخل أحد{[44496]} صراطه الذي هو ربه ، أو{[44497]} يتعرض أحد إلى سالكه بغير إذنه { الحميد } المحيط بجميع الكمال ، فهو المستحق لجميع المحامد لذاته وبما يفيض على عباده من النعم التي يربيهم ويتحمد إليهم بها على كل حال ، فكيف إذا سلكوا سبيله الواضح الواسع السهل ! .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.