السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية إلا قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله } [ إبراهيم ، 28 ] الآيتين ، وهي اثنتان وخمسون آية وعدد كلماتها وإحدى وثلاثون كلمة ، وعدد حروفها ثلاثة آلاف وأربعة وثلاثون حرفاً .

قوله تعالى : { الر } تقدّم الكلام عليها أول يونس وهود . وقوله تعالى : { كتاب } خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هذا القرآن كتاب ، أو الر ، إن قلنا : إنها مبتدأ والجملة بعده صفة ، ويجوز أن يرتفع بالابتداء وخبره الجملة بعده وجاز الابتداء بالنكرة ؛ لأنها موصوفة تقديراً ، تقديره كتاب ، أي : كتاب يعني عظيماً من بين الكتب السماوية { أنزلناه إليك } يا أشرف الخلق عند الله تعالى { لتخرج الناس } ، أي : عامة قومك وغيرهم بدعائك إياهم { من الظلمات } ، أي : الكفر وأنواع الضلالة { إلى النور } ، أي : الإيمان والهدى . قال الرازي : والآية دالة على أنّ طرق الكفر والبدع كثيرة وأنّ طريق الحق ليس إلا واحداً ؛ لأنه تعالى قال : { لتخرج الناس من الظلمات } وهي صيغة جمع ، وعبر عن الإيمان والهدى بالنور ، وهو لفظ مفرد وذلك يدل على أنّ طرق الجهل والكفر كثيرة وأنّ طريق العلم والإيمان ليس إلا واحداً .

تنبيه : القائلون بأن معرفة الله تعالى لا يمكن تحصيلها إلا من تعليم الرسول ، احتجوا بهذه الآية ، وذلك يدلّ على أنّ معرفة الله تعالى لا تحصل إلا من طريق التعليم . وأجيب : بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كالمنبه وأمّا المعرفة فهي إنما تحصل من الدليل وقوله تعالى : { بإذن ربهم } متعلق بالإخراج ، أي : بتوفيقه وتسهيله ، ويبدل من إلى النور { إلى صراط } ، أي : طريق { العزيز } ، أي : الغالب { الحميد } ، أي : المحمود على كل حال المستحق لجميع المحامد .