الثالثة عشرة- قوله تعالى : " ألا يسجدوا لله " قرأ أبو عمرو ونافع وعاصم وحمزة : " ألا يسجدوا لله " بتشديد " ألا " قال ابن الأنباري : " فهم لا يهتدون " غير تام لمن شدد " ألا " لأن المعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا . قال النحاس : هي " أن " دخلت عليها " لا " و " أن " في موضع نصب ، قال الأخفش : ب " زين " أي وزين لهم لئلا يسجدوا لله . وقال الكسائي : ب " فصدهم " أي فصدهم ألا يسجدوا . وهو في الوجهين مفعول له . وقال اليزيدي وعلي بن سليمان : " أن " بدل من " أعمالهم " في موضع نصب . وقال أبو عمرو : و " أن " في موضع خفض على البدل من السبيل وقيل : العامل فيها " لا يهتدون " أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله ؛ أي لا يعلمون أن ذلك واجب عليهم . وعلى هذا القول " لا " زائدة ، كقوله : " ما منعك ألا تسجد " [ الأعراف : 12 ] أي ما منعك أن تسجد . وعلى هذه القراءة فليس بموضع سجدة ؛ لأن ذلك خبر عنهم بترك السجود ، إما بالتزيين ، أو بالصد ، أو بمنع الاهتداء . وقرأ الزهري والكسائي وغيرهما : " ألا يسجدوا لله " {[12278]} بمعنى يا هؤلاء اسجدوا ؛ لأن " يا " ينادي بها الأسماء دون الأفعال . وأنشد سيبويه :
يا لعنة الله والأقوام كلهم *** والصالحين على سمعان من جار
قال سيبويه : " يا " لغير اللعنة ، لأنه لو كان للعنة لنصبها ؛ لأنه كان يصير منادى مضافا ، ولكن تقديره يا هؤلاء لعنة الله والأقوام على سمعان . وحكى بعضهم سماعا عن العرب : ألا يا ارحموا ألا يا اصدقوا . يريدون ألا يا قوم ارحموا اصدقوا ، فعلى هذه القراءة " اسجدوا " في موضع جزم بالأمر والوقف على " ألا يا " ثم تبتدئ فتقول : " اسجدوا " . قال الكسائي : ما كنت أسمع الأشياخ يقرؤونها إلا بالتخفيف على نية الأمر . وفي قراءة عبد الله : " ألا هل تسجدون لله " بالتاء والنون . وفي قراءة أبي " ألا تسجدون لله " فهاتان القراءتان حجة لمن خفف . الزجاج : وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون التشديد . واختار أبو حاتم وأبو عبيدة قراءة التشديد . وقال : التخفيف وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الخبر من أمر سبأ ، ثم رجع بعد إلى ذكرهم ، والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع في وسطه . ونحوه قال النحاس . قال : قراءة التخفيف بعيدة ؛ لأن الكلام يكون معترضا ، وقراءة التشديد يكون الكلام بها متسقا ، وأيضا فإن السواد على غير هذه القراءة ، لأنه قد حذف منه ألفان ، وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو يا عيسى بن مريم . ابن الأنباري : وسقطت ألف " اسجدوا " كما تسقط مع هؤلاء إذا ظهر ، ولما سقطت ألف " يا " واتصلت بها ألف " اسجدوا " سقطت ، فعد سقوطها دلالة على الاختصار وإيثارا لما يخف وتقل ألفاظه . وقال الجوهري في آخر كتابه : قال بعضهم : إن " يا " في هذا الموضع إنما هو للتنبيه كأنه قال : ألا اسجدوا لله ، فلما أدخل عليه " يا " للتنبيه سقطت الألف التي في " اسجدوا " لأنها ألف وصل ، وذهبت الألف التي في " يا " لاجتماع الساكنين ؛ لأنها والسين ساكنتان . قال ذو الرمة :
ألا يا اسلمي يا دارَ مَيَّ على البِلَى *** ولا زالَ مُنْهَلاًّ بجرعائِك القَطْرُ
وقال الجرجاني : هو كلام معترض من الهدهد أو سليمان أو من الله . أي ألا ليسجدوا ؛ كقوله تعالى : " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " [ الجاثية : 14 ] قيل : إنه أمر أي ليغفروا . وتنتظم على هذا كتابة المصحف ، أي ليس ها هنا نداء . قال ابن عطية : قيل هو من كلام الهدهد إلى قوله " العظيم " وهو قول ابن زيد وابن إسحاق ، ويعترض بأنه غير مخاطب فكيف يتكلم في معنى شرع . ويحتمل أن يكون من قول سليمان لما أخبره الهدهد عن القوم . ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى فهو اعتراض بين الكلامين وهو الثابت مع التأمل ، وقراءة التشديد في " ألا " تعطي أن الكلام للهدهد ، وقراءة التخفيف تمنعه ، والتخفيف يقتضي الأمر بالسجود لله عز وجل للأمر على ما بيناه . وقال الزمخشري : فإن قلت أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أم في إحداهما ؟ قلت هي واجبة فيهما جميعا ؛ لأن مواضع السجدة إما أمر بها ، أو مدح لمن أتى بها ، أو ذم لمن{[12279]} تركها ، وإحدى القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك .
قلت : وقد أخبر الله عن الكفار بأنهم يسجدون كما في " الانشقاق " وسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، كما ثبت في البخاري وغيره فكذلك " النمل " . والله أعلم . الزمخشري : وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد فغير مرجوع إليه .
قوله تعالى : " الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض " خبء السماء قطرها ، وخبء الأرض كنوزها ونباتها . وقال قتادة : الخبء السر . النحاس : وهذا أولى . أي ما غاب في السماوات والأرض ، ويدل عليه " ما يخفون وما يعلنون " {[12280]} . وقرأ عكرمة ومالك بن دينار : " الخب " بفتح الباء من غير همز . قال المهدوي : وهو التخفيف القياسي ، وذكر من يترك الهمز في الوقف . وقال النحاس : وحكى أبو حاتم أن عكرمة قرأ : " الذي يخرج الخبا " بألف غير مهموزة ، وزعم أن هذا لا يجوز في العربية ، واعتل بأنه إن خفف الهمزة ألقى حركتها على الباء فقال : الخب في السماوات والأرض " وأنه إن حول الهمزة قال : الخبي بإسكان الباء وبعدها ياء . قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو ولم يلحق بهم إلا أنه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه . وحكى سيبويه عن العرب أنها تبدل من الهمزة ألفا إذا كان قبلها ساكن وكانت مفتوحة ، وتبدل منها واوا إذا كان قبلها ساكن وكانت مضمومة ، وتبدل منها ياء إذا كان قبلها ساكن وكانت مكسورة ، فتقول : هذا الوثو وعجبت من الوثي ورأيت الوثا ، وهذا من وثئت يده ، وكذلك هذا الخبو وعجبت من الخبي ، ورأيت الخبا ، وإنما فعل هذا لأن الهمزة خفيفة فأبدل منها هذه الحروف . وحكى سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد أنهم يقولون : هذا الخبؤ ، يضمون الساكن إذا كانت الهمزة مضمومة ، ويثبتون الهمزة ويكسرون الساكن إذا كانت الهمزة مكسورة ، ويفتحون الساكن إذا كانت الهمزة مفتوحة . وحكى سيبويه أيضا أنهم يكسرون وإن كانت الهمزة مضمومة ، إلا أن هذا عن بني تميم ؛ فيقولون : الرديء{[12281]} ، وزعم أنهم لم يضموا الدال لأنهم كرهوا ضمة قبلها كسرة ؛ لأنه ليس في الكلام فعل . وهذه كلها لغات داخلة على اللغة التي قرأ بها الجماعة ، وفي قراءة عبدالله " الذي يخرج الخبأ من السماوات " و " من " و " في " يتعاقبان ، تقول العرب : لأستخرجن العلم فيكم ، يريد منكم ، قاله الفراء . " ويعلم ما تخفون وما تعلنون " قراءة العامة فيهما بياء الغائب ، وهذه القراءة تعطي أن الآية من كلام الهدهد ، وأن الله تعالى خصه من المعرفة بتوحيده ووجوب السجود له ، وإنكار سجودهم للشمس ، وإضافته للشيطان ، وتزيينه لهم ، ما خص به غيره من الطيور وسائر الحيوان ، من المعارف اللطيفة التي لا تكاد العقول الراجحة تهتدي لها . وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وحفص والكسائي : " تخفون " و " تعلنون " بالتاء على الخطاب ، وهذه القراءة تعطي أن الآية من خطاب الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.