{ أَلاَّ يَسْجُدُواْ } قرأ الجمهور بتشديد { ألا } . قال ابن الأنباري : الوقف على فهم لا يهتدون غير تامّ عند من شدّد ألا ، لأن المعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا . قال النحاس : هي أن دخلت عليها لا ، وهي في موضع نصب . قال الأخفش : أي زين لهم أن لا يسجدوا لله بمعنى لئلا يسجدوا لله . وقال الكسائي : هي في موضع نصب بصدّهم : أي فصدّهم ألا يسجدوا بمعنى لئلا يسجدوا ، فهو على الوجهين مفعول له . وقال اليزيدي : إنه بدل من أعمالهم في موضع نصب . وقال أبو عمرو : في موضع خفض على البدل من السبيل . وقيل العامل فيها { لا يهتدون } أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله ، وتكون لا على هذا زائدة كقوله : { وَمَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] . وعلى قراءة الجمهور ليس هذه الآية موضع سجدة ، لأن ذلك إخبار عنهم بترك السجود : إما بالتزيين أو بالصدّ ، أو بمنع الاهتداء ، وقد رجح كونه علة للصدّ الزجاج ، ورجح الفراء كونه علة لزين ، قال : زين لهم أعمالهم لئلا يسجدوا ، ثم حذفت اللام . وقرأ الزهري والكسائي بتخفيف { ألا } قال الكسائي : ما كنت أسمع الأشياخ يقرؤونها إلاّ بالتخفيف على نية الأمر ، فتكون { ألاّ } على هذه القراءة حرف تنبيه واستفتاح ، وما بعدها حرف نداء ، واسجدوا فعل أمر ، وكان حق الخط على هذه القراءة أن يكون هكذا " ألا يا اسجدوا " ، ولكن الصحابة رضي الله عنهم أسقطوا الألف من يا وهمزة الوصل من اسجدوا خطأ ووصلوا الياء بسين اسجدوا ، فصارت صورة الخط ألاّ يسجدوا ، والمنادى محذوف ، وتقديره : ألاّ يا هؤلاء اسجدوا . وقد حذفت العرب المنادى كثيراً في كلامها ، ومنه قول الشاعر :
ألاّ يا اسلمي يا دار ميّ على البلى *** ولا زال منهلاً بجرعائك القطر
ألاّ يا اسلمى ثم اسلمي ثمت اسلمى *** ثلاث تحيات وإن لم تكلم
* ألاّ يا اسلمي يا هند هند بني بكر *
وهو كثير في أشعارهم . قال الزجاج : وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون قراءة التشديد ، واختار أبو حاتم وأبو عبيد قراءة التشديد . قال الزجاج : ولقراءة التخفيف وجه حسن إلاّ أن فيها انقطاع الخبر عن أمر سبأ ثم الرجوع بعد ذلك إلى ذكرهم . والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضاً لا انقطاع في وسطه ، وكذا قال النحاس ، وعلى هذه القراءة تكون جملة { أَلاَّ يَسْجُدُواْ } معترضة من كلام الهدهد ، أو من كلام سليمان ، أو من كلام الله سبحانه . وفي قراءة عبد الله بن مسعود : " هل لا تسجدوا " بالفوقية ، وفي قراءة أبيّ { أَلا تَسْجُدُواْ } بالفوقية أيضاً { الذي يُخْرِجُ الخبء فِي السموات والأرض } أي يظهر ما هو مخبوء ومخفيّ فيهما ، يقال : خبأت الشيء أخبؤه خبأ والخبء ما خبأته . قال الزجاج : جاء في التفسير أن الخبء ها هنا بمعنى : القطر من السماء والنبات من الأرض . وقيل خبء الأرض : كنوزها ونباتها . وقال قتادة : الخبء السرّ . قال النحاس : أي ما غاب في السماوات والأرض . وقرأ أبيّ وعيسى بن عمر : " الخب " بفتح الباء من غير همز تخفيفاً ، وقرأ عبد الله وعكرمة ومالك بن دينار : " الخبا " بالألف . قال أبو حاتم : وهذا لا يجوز في العربية . وردّ عليه بأن سيبويه حكى عن العرب : أن الألف تبدل من الهمزة إذا كان قبلها ساكن . وفي قراءة عبد الله : { يخرج الخب من السموات والأرض } . قال الفراء : ومن وفى يتعاقبان ، والموصول يجوز أن يكون في محل جرّ نعتاً لله سبحانه ، أو بدلاً منه ، أو بياناً له ، ويجوز أن يكون في محل نصب على المدح ، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف . وجملة { وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } معطوفة على يخرج ، قرأ الجمهور بالتحتية في الفعلين ، وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وحفص والكسائي بالفوقية للخطاب ، أما القراءة الأولى فلكون الضمائر المتقدّمة ضمائر غيبة ، وأما القراءة الثانية فلكون قراءة الزهري والكسائي فيها الأمر بالسجود والخطاب لهم بذلك ، فهذا عندهم من تمام ذلك الخطاب . والمعنى : أن الله سبحانه يخرج ما في هذا العالم الإنساني من الخفاء بعلمه له كما يخرج ما خفي في السماوات والأرض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.