في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

104

ثم يعود إلى ترذيل محاولتهم تشكيك المسلمين في صحة الأوامر والتبليغات النبوية - وبخاصة ما يتعلق منها بتحويل القبلة - ويعدها سعيا في منع ذكر الله في مساجده ، وعملا على خرابها :

( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ؟ أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين . لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم . ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ، إن الله واسع عليم ) . .

وأقرب ما يتوارد إلى الخاطر أن هاتين الآيتين تتعلقان بمسألة تحويل القبلة ؛ وسعي اليهود لصد المسلمين عن التوجه إلى الكعبة . . أول بيت وضع للناس وأول قبلة . . وهناك روايات متعددة عن أسباب نزولهما غير هذا الوجه .

وعلى أية حال فإن إطلاق النص يوحي بأنه حكم عام في منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، والسعي في خرابها . كذلك الحكم الذي يرتبه على هذه الفعلة ، ويقرر أنه هو وحده الذي يليق أن يكون جزاء لفاعليها . وهو قوله :

( أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) . .

أي أنهم يستحقون الدفع والمطاردة والحرمان من الأمن ، إلا أن يلجأوا إلى بيوت الله مستجيرين محتمين بحرمتها مستأمنين وذلك كالذي ]حدث في عام الفتح بعد ذلك إذ نادى منادي رسول الله [ ص ] يوم الفتح : من دخل المسجد الحرام فهو آمن . . فلجأ إليها المستأمنون من جبابرة قريش ، بعد أن كانوا هم الذي يصدون رسول الله [ ص ] ومن معه ويمنعونهم زيارة المسجد الحرام ! [ . ويزيد على هذا الحكم ما يتوعدهم به من خزي في الدنيا وعذاب عظيم في الآخرة :

( لهم في الدنيا خزي ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) . .

وهناك تفسير آخر لقوله : ( أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) . . أي أنه ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا في خوف من الله وخشوع لجلالته في بيوته . فهذا هو الأدب اللائق ببيوت الله ، المناسب لمهابته وجلاله العظيم . . وهو وجه من التأويل جائز في هذا المقام .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

{ ومن أظلم ممن منع مساجد الله } عام لكل من خرب مسجدا ، أو سعى في تعطيل مكان مرشح للصلاة . وإن نزل في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله ، أو في المشركين لما منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية { أن يذكر فيها اسمه } ثاني مفعولي منع { وسعى في خرابها } بالهدم ، أو التعطيل { أولئك } أي المانعون { ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخشوع فضلا عن أن يجترئوا على تخريبها ، أو ما كان الحق أن يدخلوها إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلا عن أن يمنعوهم منها ، أو ما كان لهم في علم الله وقضائه ، فيكون وعدا للمؤمنين بالنصرة واستخلاص المساجد منهم وقد نجز وعده . وقيل : معناه النهي عن تمكينهم من الدخول في المسجد ، واختلف الأئمة فيه فجوز أبو حنيفة ومنع مالك ، وفرق الشافعي بين المسجد الحرام وغيره { لهم في الدنيا خزي } قتل وسبي ، أو ذلك بضرب الجزية { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } بكفرهم وظلمهم .