في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩} (24)

17

ومن ثم اندفع داود يقضي على إثر سماعه لهذه المظلمة الصارخة ؛ ولم يوجه إلى الخصم الآخر حديثاً ، ولم يطلب إليه بياناً ، ولم يسمع له حجة . ولكنه مضى يحكم : قال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه . وإن كثيراً من الخلطاء - [ أي الأقوياء المخالطين بعضهم لبعض ] - ليبغي بعضهم على بعض . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم . .

ويبدو أنه عند هذه المرحلة اختفى عنه الرجلان : فقد كانا ملكين جاءا للامتحان ! امتحان النبي الملك الذي ولاه الله أمر الناس ، ليقضي بينهم بالحق والعدل ، وليتبين الحق قبل إصدار الحكم . وقد اختارا أن يعرضا عليه القضية في صورة صارخة مثيرة . . ولكن القاضي عليه ألا يستثار ، وعليه ألا يتعجل . وعليه ألا يأخذ بظاهر قول واحد . قبل أن يمنح الآخر فرصة للإدلاء بقوله وحجته ؛ فقد يتغير وجه المسألة كله ، أو بعضه ، وينكشف أن ذلك الظاهر كان خادعاً أو كاذباً أو ناقصاً !

عند هذا تنبه داود إلى أنه الابتلاء :

( وظن داود أنما فتناه ) . .

وهنا أدركته طبيعته . . إنه أواب . . ( فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب ) . .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩} (24)

شرح الكلمات :

{ لقد ظلمك بسؤال نعجتك } : أي بطلبه نعجتك وضمها إلى نعاجه .

{ من الخلطاء ليبغي بعضهم } : أي الشركاء يظلم بعضهم بعضا .

{ وظن داود أنما فتناه } : أي أيقن داود أنما فتنه ربه أي اختبره .

{ فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب } : أي طلب المغفرة من ربه بقوله استغفر الله وسقط ساجدا على الأرض وأناب أي رجع تائبا إلى ربه .

المعنى :

فقال داود على الفور وبدون أن يسمع من الخصم الثاني { لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه } وعلل لذلك بقوله { وإن كثيراً من الخلطاء } أي الشركاء في زرع أو ماشية أو تجارة { ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وهم أهل الإِيمان والتقوى فإِنهم يسلمون من مثل هذه الاعتداءات ، { وقليل ما هم } أي وهم قليل جداً ، وهنا طار الملكان من بين يدي داود وعرجا إلى السماء فعلم عندئذ أنما فتنه ربّه كما رغب إليه وأنه لم يصبر حيث قضى بدون أن يسمع من الخصم الثاني فكانت زلة صغيرة أرته أن ما ناله إبراهيم واسحق ويعقوب من الكمال كان نتيجة ابتلاء عظيم ، وهنا استغفر داود ربّه { وخر راكعا } يبكي ويطلب العفو وأناب إلى ربّه في أمره كله .

الهداية :

من الهداية :

- حرمة إصدار القاضي أو الحاكم الحكم قبل أن يسمع الدعوى من الخصمين معاً إذ هذا محل الفتنة التي كانت لداود عليه السلام .

- وجوب التوبة عند الوقوع في الذنب .

- مشروعية السجود عند قراءة هذه الآية { وخرّ راكعاً وأناب } .