في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

( ذلك الذي يبشر الله عباده )فهو بشرى حاضرة ، مصداقاً للبشرى السالفة . وظل البشرى هنا هو أنسب الظلال .

وعلى مشهد هذا النعيم الرخاء الجميل الظليل يلقن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يقول لهم : إنه لا يطلب منهم أجراً على الهدى الذي ينتهي بهم إلى هذا النعيم ، وينأى بهم عن ذلك العذاب الأليم . إنما هي مودته لهم لقرابتهم منه ، وحسبه ذلك أجراً :

( قل : لا أسألكم عليه أجرا . إلا المودة في القربى . ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا . إن الله غفور شكور ) . .

والمعنى الذي أشرت إليه ، وهو أنه لا يطلب منهم أجرا ، إنما تدفعه المودة للقربى - وقد كانت لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قرابة بكل بطن من بطون قريش - ليحاول هدايتهم بما معه من الهدى ، ويحقق الخير لهم إرضاء لتلك المودة التي يحملها لهم ، وهذا أجره وكفى !

هذا المعنى هو الذي انقدح في نفسي وأنا أقرأ هذا التعبير القرآني في مواضعه التي جاء فيها . وهناك تفسير مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أثبته هنا لوروده في صحيح البخاري :

قال البخاري حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة ، قال :

سمعت طاووسا يحدث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سأل عن قوله تعالى : ( إلا المودة في القربى )فقال سعيد بن جبير : " قربى آل محمد . فقال ابن عباس : عجلت . إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة . فقال : " إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة " .

ويكون المعنى على هذا : إلا أن تكفوا أذاكم مراعاة للقرابة . وتسمعوا وتلينوا لما أهديكم إليه . فيكون هذا هو الأجر الذي أطلبه منكم لا سواه .

وتأويل ابن عباس - رضي الله عنهما - أقرب من تأويل سعيد بن جبير - رضي الله عنه - ولكنني ما أزال أحس أن ذلك المعنى أقرب وأندى . . والله أعلم بمراده منا .

وعلى أية حال فهو يذكرهم - أمام مشهد الروضات والبشريات - أنه لا يسألهم على شيء من هذا أجراً . ودون هذا بمراحل يطلب عليه الأدلاء أجرا ضخماً ! ولكنه فضل الله الذي لا يحاسب العباد حساب التجارة ، ولا حساب العدل ، ولكن حساب السماحة وحساب الفضل :

( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) . .

فليس هو مجرد عدم تناول الأجر . بل إنها الزيادة والفضل . . ثم هي بعد هذا كله المغفرة والشكر :

( إن الله غفور شكور ) . .

الله يغفر . ثم . . الله يشكر ويشكر من ? يشكر لعباده . وهو وهبهم التوفيق على الإحسان . ثم هو يزيد لهم في الحسنات ، ويغفر لهم السيئات . ويشكر لهم بعد هذا وذاك . . فيا للفيض الذي يعجز الإنسان عن متابعته . فضلاً على شكره وتوفيته !

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

{ ذلك الذي يبشر الله عباده } تقديره : يبشر به وحذف الجار والمجرور .

{ إلا المودة في القربى } فيه أربعة أقوال :

الأول : أن القربى بمعنى : القرابة ، وفي بمعنى : من أجل ، والمعنى : لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم فالمقصد على هذا : استعطاف قريش ولم يكن فيهم بطن إلا وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة .

الثاني : أن القربى بمعنى : الأقارب ، أو ذوي القربى والمعنى : إلا أن تودوا أقاربي وتحفظوني فيهم ، والمقصد على هذا : وصية بأهل البيت .

الثالث : أن القربى قرابة الناس بعضهم من بعض ، والمعنى : أن تودوا أقاربكم ، والمقصود على هذا : وصية بصلة الأرحام .

الرابع : أن القربى التقرب إلى الله ، والمعنى : إلا أن تتقربوا إلى الله بطاعته ، والاستثناء على القول الثالث والرابع منقطع ، وأما على الأول والثاني فيحتمل الانقطاع لأن المودة ليست بأجر ، ويحتمل الاتصال على المجاز كأنه قال : { لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة } فجعل المودة كالأجر .

{ يقترف } أي : يكتسب .

{ نزد له فيها حسنا } يعني : مضاعفة الثواب .

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

{ ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور }

{ ذلك الذي يَبْشُرُ } من البشارة مخففاً ومثقلاً به { الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه } على تبليغ الرسالة { أجراً إلا المودة في القربى } استثناء منقطع ، أي لكن أسألكم أن تودوا قرابتي التي هي قرابتكم أيضاً فإن له في كل بطن من قريش قرابة { ومن يقترف } يكتسب { حسنةٌ } طاعة { تزد له فيها حسناً } بتضعيفها { إن الله غفور } للذنوب { شكور } للقليل فيضاعفه .