( ذلك الذي يبشر الله عباده )فهو بشرى حاضرة ، مصداقاً للبشرى السالفة . وظل البشرى هنا هو أنسب الظلال .
وعلى مشهد هذا النعيم الرخاء الجميل الظليل يلقن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يقول لهم : إنه لا يطلب منهم أجراً على الهدى الذي ينتهي بهم إلى هذا النعيم ، وينأى بهم عن ذلك العذاب الأليم . إنما هي مودته لهم لقرابتهم منه ، وحسبه ذلك أجراً :
( قل : لا أسألكم عليه أجرا . إلا المودة في القربى . ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا . إن الله غفور شكور ) . .
والمعنى الذي أشرت إليه ، وهو أنه لا يطلب منهم أجرا ، إنما تدفعه المودة للقربى - وقد كانت لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قرابة بكل بطن من بطون قريش - ليحاول هدايتهم بما معه من الهدى ، ويحقق الخير لهم إرضاء لتلك المودة التي يحملها لهم ، وهذا أجره وكفى !
هذا المعنى هو الذي انقدح في نفسي وأنا أقرأ هذا التعبير القرآني في مواضعه التي جاء فيها . وهناك تفسير مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أثبته هنا لوروده في صحيح البخاري :
قال البخاري حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة ، قال :
سمعت طاووسا يحدث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سأل عن قوله تعالى : ( إلا المودة في القربى )فقال سعيد بن جبير : " قربى آل محمد . فقال ابن عباس : عجلت . إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة . فقال : " إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة " .
ويكون المعنى على هذا : إلا أن تكفوا أذاكم مراعاة للقرابة . وتسمعوا وتلينوا لما أهديكم إليه . فيكون هذا هو الأجر الذي أطلبه منكم لا سواه .
وتأويل ابن عباس - رضي الله عنهما - أقرب من تأويل سعيد بن جبير - رضي الله عنه - ولكنني ما أزال أحس أن ذلك المعنى أقرب وأندى . . والله أعلم بمراده منا .
وعلى أية حال فهو يذكرهم - أمام مشهد الروضات والبشريات - أنه لا يسألهم على شيء من هذا أجراً . ودون هذا بمراحل يطلب عليه الأدلاء أجرا ضخماً ! ولكنه فضل الله الذي لا يحاسب العباد حساب التجارة ، ولا حساب العدل ، ولكن حساب السماحة وحساب الفضل :
( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) . .
فليس هو مجرد عدم تناول الأجر . بل إنها الزيادة والفضل . . ثم هي بعد هذا كله المغفرة والشكر :
الله يغفر . ثم . . الله يشكر ويشكر من ? يشكر لعباده . وهو وهبهم التوفيق على الإحسان . ثم هو يزيد لهم في الحسنات ، ويغفر لهم السيئات . ويشكر لهم بعد هذا وذاك . . فيا للفيض الذي يعجز الإنسان عن متابعته . فضلاً على شكره وتوفيته !
{ ذلك الذي يبشر الله عباده } تقديره : يبشر به وحذف الجار والمجرور .
{ إلا المودة في القربى } فيه أربعة أقوال :
الأول : أن القربى بمعنى : القرابة ، وفي بمعنى : من أجل ، والمعنى : لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم فالمقصد على هذا : استعطاف قريش ولم يكن فيهم بطن إلا وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة .
الثاني : أن القربى بمعنى : الأقارب ، أو ذوي القربى والمعنى : إلا أن تودوا أقاربي وتحفظوني فيهم ، والمقصد على هذا : وصية بأهل البيت .
الثالث : أن القربى قرابة الناس بعضهم من بعض ، والمعنى : أن تودوا أقاربكم ، والمقصود على هذا : وصية بصلة الأرحام .
الرابع : أن القربى التقرب إلى الله ، والمعنى : إلا أن تتقربوا إلى الله بطاعته ، والاستثناء على القول الثالث والرابع منقطع ، وأما على الأول والثاني فيحتمل الانقطاع لأن المودة ليست بأجر ، ويحتمل الاتصال على المجاز كأنه قال : { لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة } فجعل المودة كالأجر .
{ ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور }
{ ذلك الذي يَبْشُرُ } من البشارة مخففاً ومثقلاً به { الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه } على تبليغ الرسالة { أجراً إلا المودة في القربى } استثناء منقطع ، أي لكن أسألكم أن تودوا قرابتي التي هي قرابتكم أيضاً فإن له في كل بطن من قريش قرابة { ومن يقترف } يكتسب { حسنةٌ } طاعة { تزد له فيها حسناً } بتضعيفها { إن الله غفور } للذنوب { شكور } للقليل فيضاعفه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.