في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

ويعقب على الحديث عن ولاية الظالمين بعضهم لبعض وولاية الله للمتقين ؛ وعن طبيعة هذا القرآن بالقياس إلى المتقين ، وأنه بصائر وهدى ورحمة لأهل اليقين . يعقب على هذا الحديث بالتفرقة الحاسمة بين حال الذين يجترحون السيئات وحال الذين يعملون الصالحات وهم مؤمنون . ويستنكر أن يسوى بينهم في الحكم ، وهم مختلفون في ميزان الله . والله قد أقام السماوات والأرض على أساس الحق والعدل ؛ والحق أصيل في تصميم هذا الكون .

( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات . سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون . وخلق الله السماوات والأرض بالحق ، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ) . .

ويجوز أن يكون الحديث هنا عن أهل الكتاب ، الذين انحرفوا عن كتابهم ، واجترحوا السيئات ، وظلوا يحسبون أنفسهم في صفوف المؤمنين ، ويجعلون أنفسهم أكفاء للمسلمين الذين يعملون الصالحات ، أنداداً لهم في تقدير الله سواء في الحياة أو بعد الممات . أي عند الحساب والجزاء . . كما يجوز أن يكون حديثاً عاماً بقصد بيان قيم العباد في ميزان الله . ورجحان كفة المؤمنين أصحاب العمل الصالح ؛ واستنكار التسوية بين مجترحي السيئات وفاعلي الحسنات ، سواء في الحياة أو في الممات . ومخالفة هذا للقاعدة الثابتة الأصيلة في بناء الوجود كله . قاعدة الحق . الذي يتمثل في بناء الكون ، كما يتمثل في شريعة الله . والذي يقوم به الكون كما تقوم به حياة الناس . والذي يتحقق في التفرقة بين المسيئين والمصلحين في جميع الأحوال ؛ وفي مجازاة كل نفس بما كسبت من هدى أو ضلال ؛ وفي تحقيق العدل للناس أجمعين : ( وهم لا يظلمون ) . .

ومعنى أصالة الحق في بناء الكون ، وارتباطه بشريعة الله للبشر ، وحكمه عليهم يوم الحساب والجزاء ، معنى يتكرر في القرآن الكريم ، لأنه أصل من أصول هذه العقيدة ، تجتمع عليه مسائلها المتفرقة ، وترجع إليه في الأنفس والآفاق ، وفي ناموس الكون وشريعة البشر . وهو أساس " فكرة الإسلام عن الكون والحياة والإنسان "

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ( 21 ) }

بل أظنَّ الذين اكتسبوا السيئات ، وكذَّبوا رسل الله ، وخالفوا أمر ربهم ، وعبدوا غيره ، أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله ، وصدقوا رسله وعملوا الصالحات ، وأخلصوا له العبادة دون سواه ، ونساويَهم بهم في الدنيا والآخرة ؟ ساء حكمهم بالمساواة بين الفجار والأبرار في الآخرة .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

قوله تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم سآء ما يحكمون 21 وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون 22 أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } .

{ أم } هي المنقطعة بمعنى بل ، والهمزة لإنكار الحسبان . و { اجترحوا } بمعنى اكتسبوا ، من الاجتراح وهو الاكتساب {[4186]} .

والمعنى : أم يظن هؤلاء المشركون الذين كذبوا نبيهم ، واتخذوا من دون الله اندادا ، واكتسبوا الآثام والمعاصي في هذه الدنيا – أن نجعلهم في الآخرة كالمؤمنين المتقين . أو أن نسوّي بين الظالمين الفجار ، والمتقين الأبرار فيكونوا في الآخرة سواء .

قوله : { سوآء محياهم ومماتهم } { سوآء } بالنصب ، على الحال من ضمير { نجعلهم } أي نجعلهم سواء . و { محياهم ومماتهم } مرفوع على الفاعلية ، وتقرأ ( سواء ) بالرفع ، على أنها خبر مقدم ، و { محياهم } مبتدأ مؤخر ، { ومماتهم } معطوف عليه{[4187]} .

وقد نزلت هذه الآية في علي وحمزة وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم ، وفي ثلاثة من المشركين هم عتبة وشيبة والوليد بن عتبة قالوا للمؤمنين : والله ما أنتم على شيء ، ولو كان ما تقولون حقا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة ، كما أننا أفضل حالا منكم في الدنيا . فأنكر الله عليهم هذا الكلام وبين أنه لا يستوي حال المؤمن المطيع وحال المشرك العاصي عند الله في الآخرة . فالمشركون فاسقون ضالون ، ظالمون لأنفسهم ، فهم صائرون إلى النار ، أما المؤمنون فهم مصدقون بالنبيين ، موقنون بيوم القيامة ، مذعنون لله بالطاعة والامتثال ، فإنما يجزون الجنة ورضوان ربهم . واختلفوا في المراد بقوله : { محياهم ومماتهم } فقال ابن عباس : يعني أحسبوا أن حياتهم ومماتهم كحياة المؤمنين وموتهم ، كلا فإنهم يعيشون كافرين ، ويموتون كافرين . والمؤمنون يعيشون مؤمنين ، ويموتون مؤمنين ، ذلك لأن المؤمن ما دام في الدنيا فإنه يكون وليه هو الله ، وأنصاره المؤمنون . أما الكافر فهو خلاف ذلك . وعند الدنوّ من الموت فحال المؤمن كما ذكره الله { الذين تتوافهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة } أما حال الكافر فهو ما ذكره الله في قوله : { الذين تتوافهم الملائكة ظالمي أنفسهم } أما في الآخرة فقال الله في التمييز بين الصنفين { وجوه يومئذ مسفرة 38 ضاحكة مستبشرة 39 ووجوه يومئذ عليها غبرة 40 ترهقها قترة } وذلك يشير إلى التفاوت بين المؤمنين السعداء ، والظالمين الأشقياء . وقيل : المراد إنكار التسوية بين الفريقين في الممات كما استووا في الحياة ، وذلك لأن المؤمن والكافر قد يستوي محياهم في الصحة والرزق والكفاية بل ربما يكون الكافر أرجح حالا من المؤمن ، وإنما يظهر الفرق بينهما في الممات .

قوله : { سآء ما يحكمون } إن جعلت { ما } ، معرفة فهي في موضع رفع ، فاعل { سآء } وإن جعلت نكرة كانت في موضع نصب على التمييز{[4188]} وذلك إنكار من الله لهذه التسوية المزعومة ، أي بئس الحكم الذي ظنوا أنا نجعل الذين اكتسبوا السيئات والمؤمنين الذين عملوا الصالحات ، سواء محياهم ومماتهم ، أو ساء حكمهم الذي حكموا به . فأنّى للفريقين المتضادين المختلفين أن يستويا .


[4186]:المصباح المنير جـ 1 ص 104 ومختار الصحاح ص 98.
[4187]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 365.
[4188]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 365.