فأما النموذج الآخر فهو نموذج الانحراف والفسوق والضلال :
( والذي قال لوالديه : أف لكما ! أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي ? ) . .
فالوالدان مؤمنان . والولد العاق يجحد برهما أول ما يجحد ؛ فيخاطبهما بالتأفف الجارح الخشن الوقح : أف لكما ! . . ثم يجحد الآخرة بالحجة الواهية : أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي ? . . أي ذهبوا ولم يعد منهم أحد . . والساعة مقدرة إلى أجلها . والبعث جملة بعد انتهاء أجل الحياة الدنيا . ولم يقل أحد إنه تجزئة . يبعث جيل مضى في عهد جيل ياتي . فليست لعبة وليست عبثا . إنما هو الحساب الختامي للرحلة كلها بعد انتهائها !
والوالدان يريان الجحود ويسمعان الكفر ، ويفزعان مما يقوله الولد العاق لربه ولهما ؛ ويرتعش حسهما لهذا التهجم والتطاول ؛ ويهتفان به : ( وهما يستغيثان الله . ويلك آمن . إن وعد الله حق ) . . ويبدو في حكاية قولهما الفزع من هول ما يسمعان . بينما هو يصر على كفره ، ويلج في جحوده : ( فيقول : ما هذا إلا أساطير الأولين ) . .
أف : كلمة معناها التضجّر ، وهي مستعملة كثيرا .
خلت القرونُ من قبلي : مضت الأممُ من قبلي ولم يبعث أحدٌ من قبره .
ويلك : دعاء عليه بالهلاك . الهلاك لك .
أساطير الأولين : أباطيلهم وخرافاتهم .
بعد أن مضى الحديث عن حال البررة من الأولاد ، بيّن هنا حالَ الأشقياء العاقّين للوالدَين ، الجاحدين المنكرين للبعث والحساب .
والفريق الثاني من الناس هو الذي ينهر والديه ويقول لهما أفّ لكما ولما تؤمنان به ، أتقولان لي : إني سأُبعث من قبري حيّا بعد موتي ، وقد مات قبلي كثيرٌ من الناس لم يعُدْ منهم أحد ، أنا لا أصدّق هذا ولا أومن به !
ووالداهُ يستصرخان اللهَ مستغيثين أن يوفق ولدهما إلى الإيمان ، ويقولان له : ويلكَ ، آمِنْ قبل أن تهلك وتموتَ ثم تحشَر إلى النار ، { إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } فيردّ عليهم بأنّ كل ما يقولانه خرافاتٌ من أساطير الأقدمين .
قرأ هشام : أتعدانّي بنون واحدة مشددة . والباقون : أتعدانني بنونين بدون تشديد . قراءات :
{ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( 17 ) }
والذي قال لوالديه إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث : قبحًا لكما أتعِدانني أن أُخْرج من قبري حيًا ، وقد مضت القرون من الأمم من قبلي ، فهلكوا فلم يُبعث منهم أحد ؟ ووالداه يسألان الله هدايته قائلَين له : ويلك ، آمن وصدِّق واعمل صالحًا ، إن وعد الله بالبعث حق لا شك فيه ، فيقول لهما : ما هذا الذي تقولانه إلا ما سطَّره الأولون من الأباطيل ، منقول من كتبهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.