في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

43

وهنا يدعوهم دعوة خالصة إلى منهج البحث عن الحق ، ومعرفة الافتراء من الصدق ، وتقدير الواقع الذي يواجهونه من غير زيف ولا دخل :

( قل : إنما أعظكم بواحدة . . أن تقوموا لله مثنى وفرادى ، ثم تتفكروا . ما بصاحبكم من جنة . إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) . .

إنها دعوة إلى القيام لله . بعيداً عن الهوى . بعيداً عن المصلحة . بعيداً عن ملابسات الأرض . بعيداً عن الهواتف والدوافع التي تشتجر في القلب ، فتبعد به عن الله . بعيداً عن التأثر بالتيارات السائدة في البيئة . والمؤثرات الشائعة في الجماعة .

دعوة إلى التعامل مع الواقع البسيط ، لا مع القضايا والدعاوى الرائجة ؛ ولا مع العبارات المطاطة ، التي تبعد القلب والعقل من مواجهة الحقيقة في بساطتها .

دعوة إلى منطق الفطرة الهادى ء الصافي ، بعيداً عن الضجيج والخلط واللبس ؛ والرؤية المضطربة والغبش الذي يحجب صفاء الحقيقة .

وهي في الوقت ذاته منهج في البحث عن الحقيقة . منهج بسيط يعتمد على التجرد من الرواسب والغواشي والمؤثرات . وعلى مراقبة الله وتقواه .

وهي( واحدة ) . . إن تحققت صح المنهج واستقام الطريق . القيام لله . . لا لغرض ولا لهوى ولا لمصلحة ولا لنتيجة . . التجرد . . الخلوص . . ثم التفكر والتدبر بلا مؤثر خارج عن الواقع الذي يواجهه القائمون لله المتجردون .

( أن تقوموا لله . مثنى وفرادى ) . . مثنى ليراجع أحدهما الآخر ، ويأخذ معه ويعطي في غير تأثر بعقلية الجماهير التي تتبع الانفعال الطارى ء ، ولا تتلبث لتتبع الحجة في هدوء . . وفرادى مع النفس وجهاً لوجه في تمحيص هادى ء عميق .

( ثم تتفكروا . ما بصاحبكم من جنة ) . . فما عرفتم عنه إلا العقل والتدبر والرزانة . وما يقول شيئاً يدعو إلى التظنن بعقله ورشده . إن هو إلا القول المحكم القوي المبين .

( إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) . .

لمسة تصور العذاب الشديد وشيكاً أن يقع ، وقد سبقه النذير بخطوة . لينقذ من يستمع . كالهاتف المحذر من حريق في دار يوشك أن يلتهم من لا يفر من الحريق . وهو تصوير - فوق أنه صادق - بارع موح مثير . .

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم بشير ابن المهاجر ، حدثني عبدالله بن بريرة عن أبيه - رضي الله عنه - قال : خرج علينا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يوماً ، فنادى ثلاث مرات : " أيها الناس أتدرون ما مثلي ومثلكم ? " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال - صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدواً يأتيهم . فبعثوا رجلاً يتراءى لهم ، فبينما هو كذلك أبصر العدو ، فأقبل لينذرهم ، وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه ، فأهوى بثوبه . أيها الناس أتيتم . أيها الناس أتيتم . أيها الناس أتيتم " . .

وروي بهذا الإسناد قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " بعثت أنا والساعة جميعاً . إن كادت لتسبقني " . .

ذلك هو الإيقاع الأول المؤثر الموحي . يتبعه الإيقاع الثاني . ( قل : ما سألتكم من أجر فهو لكم . إن أجري إلا على الله . وهو على كل شيء شهيد ) . .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

قوله تعالى : " قل إنما أعظكم بواحدة " تمم الحجة على المشركين ، أي قل لهم يا محمد : " إنما أعظكم " أي أذكركم وأحذركم سوء عاقبة ما أنتم فيه . " بواحدة " أي بكلمة واحدة مشتملة على جميع الكلام ، تقتضي نفي الشرك لإثبات الإله قال مجاهد : هي لا إله إلا الله وهذا قول ابن عباس والسدي . وعن مجاهد أيضا : بطاعة الله . وقيل : بالقرآن ؛ لأنه يجمع كل المواعظ . وقيل : تقديره بخصلة واحدة ، " أن تقوموا لله مثنى وفرادى " " أن " في موضع خفض على البدل من " واحدة " ، أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ ، أي هي أن تقوموا . ومذهب الزجاج أنها في موضع نصب بمعنى لأن تقوموا . وهذا القيام معناه القيام إلى طلب الحق لا القيام الذي هو ضد القعود ، وهو كما يقال : قام فلان بأمر كذا ؛ أي لوجه الله والتقرب إليه . وكما قال تعالى : " وأن تقوموا لليتامى بالقسط " {[13072]} [ النساء : 127 ] . " مثنى وفرادى " أي وحدانا ومجتمعين . قاله السدي . وقيل : منفردا برأيه ومشاورا لغيره ، وهذا قول مأثور . وقال القتبي : مناظرا مع غيره ومفكرا في نفسه ، وكله متقارب . ويحتمل رابعا أن المثنى عمل النهار والفرادى عمل الليل ؛ لأنه في النهار معان وفي الليل وحيد ، قاله الماوردي . وقيل : إنما قال : " مثنى وفرادى " لأن الذهن حجة الله على العباد وهو العقل ، فأوفرهم عقلا أوفرهم حظا من الله ، فإذا كانوا فرادى كانت فكرة واحدة ، وإذا كانوا مثنى تقابل الذهنان فتراءى من العلم لهما ما أضعف على الانفراد . والله أعلم . " ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة " الوقف عند أبي حاتم وابن الأنباري على " ثم تتفكروا " . وقيل : ليس هو بوقف لأن المعنى : ثم تتفكروا هل جربتم على صاحبكم كذبا ، أو رأيتم فيه جنة ، أو في أحواله من فساد ، أو اختلف إلى أحد ممن يدعي العلم بالسحر ، أو تعلم الأقاصيص وقرأ الكتب ، أو عرفتموه بالطمع في أموالكم ، أو تقدرون على معارضته في سورة واحدة ؛ فإذا عرفتم بهذا الفكر صدقه فما بال هذه المعاندة . " إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد " وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية " وأنذر عشيرتك الأقربين " [ الشعراء : 214 ] ورهطك منهم المخلصين{[13073]} ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف : يا صباحاه{[13074]} ؟ فقالوا : من هذا الذي يهتف ! ؟ قالوا محمد ؛ فاجتمعوا إليه فقال : ( يا بني فلان يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ) ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا . قال : ( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) . قال فقال أبو لهب : تبا لك ! أما جمعتنا إلا لهذا ؟ ثم قال فنزلت هذه السورة : " تبت يدا أبي لهب وتب " {[13075]} [ المسد : 1 ] كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة .


[13072]:راجع ج 5 ص 402.
[13073]:قال القسطلاني في قوله "ورهطك منهم المخلصين": هو من عطف الخاص على العام، وكان قرآنا فنسخت تلاوته.
[13074]:قوله:" يا صباحاه" بسكون الهاء، وهي كلمة يقولها المستغيث، وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح، ويسمون الغارة يوم الصباح.
[13075]:راجع ج 20 ص 234.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

ولما أبطل شبههم{[57098]} كلها ، وليّن من عريكتهم بالتنبيه على التحذير ، فصاروا جديرين بقبول الوعظ ، وكان مما رموه به - وحاشاه - الجنون وتعمد الكذب{[57099]} ، أمره بالإقبال عليهم به{[57100]} مخففاً له لئلا ينفروا من طوله فقال : { قل } وأكده زيادة في استجلابهم إلى الإقبال عليه فقال : { إنما أعظكم بواحدة } أي فاسمعوا ولا تنفروا خوفاً{[57101]} من أن أملّكم ؛ ثم استأنف قوله بياناً لها : { أن تقوموا } أي توجهوا نفوسكم إلى تعرف الحق ، وعبر بالقيام إشارة إلى الاجتهاد { لله } أي الذي لا أعظم منه على وجه الإخلاص واستحضار ما له من العظمة بما{[57102]} له لديكم{[57103]} من الإحسان لا لإرادة المغالبة{[57104]} حال كونكم { مثنى } أي اثنين اثنين ، وقدمه إشارة ألى أن أغلب الناس ناقص العقل{[57105]} { وفرادى } أي واحداً واحداً ، من وثق بنفسه في رصانه عقله وأصالة رأيه قام وحده ليكون أصفى لسره ، وأعون على خلوص فكره ، ومن خاف عليها ضم إليه آخر ليذكره إن نسي . ويقومه إن زاغ . {[57106]}ولما كان هذا القسم أكثر وجوداً في الناس قدمه{[57107]} ولم يذكر غيرهما من الأقسام ، إشارة إلى أنهم إذا كانوا على هاتين الحالتين كان أجدر لهم بأن يعرفوا الحق من غير شائبة حظ مما يكون في الجمع الكثير{[57108]} من الجدال واللفظ المانع من تهذيب الرأي وتثقيف{[57109]} الفكر وتنقية المعاني .

ولما كان ما طلب منهم هذا لأجله عظيماً جديراً بأن يهتم له هذا الاهتمام ، أشار إليه بأداة التراخي فقال : { ثم تتفكروا } أي تجتهدوا بعد التأني وطول التروي في الفكر فيما وسمتم به صاحبكم من أمر الجنون . ولما كان بعده صلى الله عليه وسلم من هذا آمراً لا يتمارى فيه ، استأنف قوله معيناً بالتعبير بالصاحب{[57110]} مؤكداً تكذيباً لهم وتنبيهاً{[57111]} على ظهور مضمون هذا النفي : { ما بصاحبكم } أي الذي دعاكم إلى الله وقد بلوتموه صغيراً ويافعاً وشاباً وكهلاً ، وأعرق في النفي بقوله : { من جنة } وخصها لأنها مما يمكن طروءه ، ولم يعرّج على الكذب لأنه مما لا يمكن فيمن عاش بين أناس عمراً طويلاً ودهراً دهيراً يصحبهم ليلاً ونهاراً{[57112]} صباحاً ومساءً سراً وعلناً في السراء والضراء ، وهو أعلاهم همة {[57113]}وأوفاهم مروءة ، وأزكاهم خلائق وأظهرهم شمائل ، وأبعدهم عن الأدناس ساحة{[57114]} في مطلق الكذب ، فكيف بما يخالف أهواءهم فكيف بما ينسب إلى الله فكيف {[57115]}وكلامه{[57116]} الذي ينسب فيه إلى الكذب معجز بما فيه من الحكم والأحكام ، والبلاغة والمعاني التي أعيت الأفهام .

ولما ثبت بهذا إعلاماً وإفهاماً براءته{[57117]} مما قذفوه به كله ، حصر أمره في النصيحة من الهلاك ، فقال منبهاً على أن هذا الذي أتاهم به لا يدعيه إلا أحد رجلين : إما مجنون أو صادق هو أكمل الرجال ، وقد انتفى الأول فثبت الثاني : { إن } أي ما { هو } أي المحدث عنه بعينه{[57118]} { إلا نذير لكم } أي خاصاً إنذاره وقصده الخلاص بكم ، وهول أمر العذاب بتصويره صورة من له آلة بطش محيطة بمن تقصده فقال{[57119]} : { بين يدي } أي{[57120]} قبل حلول { عذاب شديد * }{[57121]} قاهر لا خلاص منه ، إن لم ترجعوا إليه حل بكم سريعاً ، روى البخاري{[57122]} عن ابن عباس رضي الله عنهما{[57123]} قال :

" صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال : يا صباحاه ! فاجتمعت إليه قريش فقالوا : ما لك ، فقال : أرأيتم{[57124]} لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى ، فقال : إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تباً لك ، ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله عز وجل { تبت يدا أبي لهب وتب } " .


[57098]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: شبهتهم.
[57099]:زيد من ظ ومد.
[57100]:سقط من ظ.
[57101]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: خوفكم.
[57102]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لديكم له.
[57103]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لديكم له.
[57104]:زيد من ظ ومد.
[57105]:زيد من ظ ومد.
[57106]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[57107]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[57108]:في ظ: الكبير.
[57109]:من م ومد، وفي الأصل وظ: تثقيب.
[57110]:زيد من ظ وم ومد.
[57111]:زيد في الأصل: لهم، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[57112]:زيدت الواو في الأصل:، ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[57113]:العبارة من هنا إلى "ساحة" ساقطة من ظ.
[57114]:من م ومد، وفي الأصل: ساعة.
[57115]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بكلامه.
[57116]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بكلامه.
[57117]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: براة.
[57118]:زيد من ظ ومد.
[57119]:زيد من ظ ومد.
[57120]:زيد من ظ وم ومد.
[57121]:زيد في ظ: أي.
[57122]:زيد من ظ وم ومد.
[57123]:راجع من صحيحه 2/708.
[57124]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أرأيتكم.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينفذ بخطابه إلى قلوب السامعين لعلهم يتدبرون ويدّكرون أو يحدث لهم ذلك ذكرا وموعظة ، والخطاب النافذ إلى أعماق النفس بأسلوب مؤثر نفّاذ ربما لامس شغاف القلب فاسترعى فيه من مكنونات الفطرة الراقدة ما يبعث على التململ والحركة واستجاشة الضمير كيما يفيق ويَرِفّ ويهتف بكلمة الحق والصدق .

وهذه الآية ضرب من النمط القرآني النفّاذ الذي يلامس أهداب الفطرة ويهتف الضمير ليصدع بمقالة اليقين ظاهرة مكشوفة ، ومن هنا يأمر الله رسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه المشركين المكذبين : { إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } أي أُذكِّركم بكلمة واحدة وهي طاعة الله ، وقيل : بخصلة واحدة ، وهذا القول أظهر فقد بيَّنه بقوله : { أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } في موضع جر ورفع ؛ أما الجر على البدل من قوله : { بِوَاحِدَةٍ } وتقديره : إنما أعظكم بأن تقوموا لله مثنى وفرادى . وأما الرفع فهو على أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، وتقديره : وهي أن تقوموا لله { مَثْنَى وَفُرَادَى } {[3826]} أي اثنين اثنين ، وواحدا واحدا . أو أن يقوم الرجل منكم مع آخر فيتصادقان فيما بينهما على الحديث ، هل علمتم بمحمد أيَّما جنون أو من أحواله وسيرته وسلوكه أيَّما فساد ، أو علمتم أنه تعلَّم السحر من أحد فيكون ساحرا ، أو تعلَّم الكهانة من الكهان فيكون كاهنا ، أو أنه تلقى العلوم من أهل العلم ، أو أنكم قدرتم على معارضته في سورة واحدة ، فإذا تبين لكم خلاف ذلك كله أفلا تعلمون إذن أنه صادق ، وتستيقنون أنه نبي مرسل من ربه ؟

وهو قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } يعني : ما محمد صلى الله عليه وسلم إلا رسول مبعوث من ربه إليكم ليبلغكم دعوة الله ويحذركم بطش ربه وعقابه قبل أن يحيق بكم . {[3827]}


[3826]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 282
[3827]:تفسير الطبري ج 22 ص 71 وتفسير القرطبي ج 14 ص 311