تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي : هذه البشارة العظيمة ، التي هي أكبر البشائر على الإطلاق ، بشر بها الرحيم الرحمن ، على يد أفضل خلقه لأهل الإيمان والعمل الصالح ، فهي أجل الغايات ، والوسيلة الموصلة إليها أفضل الوسائل .

{ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } أي : على تبليغي إياكم هذا القرآن ودعوتكم إلى أحكامه . { أَجْرًا } فلست أريد أخذ أموالكم ، ولا التولي عليكم والترأس ، ولا غير ذلك من الأغراض { إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }

يحتمل أن المراد : لا أسألكم عليه أجرا إلا أجرا واحدا هو لكم ، وعائد نفعه إليكم ، وهو أن تودوني وتحبوني في القرابة ، أي : لأجل القرابة . ويكون على هذا المودة الزائدة على مودة الإيمان ، فإن مودة الإيمان بالرسول ، وتقديم محبته على جميع المحاب بعد محبة الله ، فرض على كل مسلم ، وهؤلاء طلب منهم زيادة على ذلك أن يحبوه لأجل القرابة ، لأنه صلى الله عليه وسلم ، قد باشر بدعوته أقرب الناس إليه ، حتى إنه قيل : إنه ليس في بطون قريش أحد ، إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيه قرابة .

ويحتمل أن المراد إلا مودة الله تعالى الصادقة ، وهي التي يصحبها التقرب إلى الله ، والتوسل بطاعته الدالة على صحتها وصدقها ، ولهذا قال : { إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } أي : في التقرب إلى الله ، وعلى كلا القولين ، فهذا الاستثناء دليل على أنه لا يسألهم عليه أجرا بالكلية ، إلا أن يكون شيئا يعود نفعه إليهم ، فهذا ليس من الأجر في شيء ، بل هو من الأجر منه لهم صلى الله عليه وسلم ، كقوله تعالى : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } وقولهم : " ما لفلان ذنب عندك ، إلا أنه محسن إليك "

{ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } من صلاة ، أو صوم ، أو حج ، أو إحسان إلى الخلق { نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } بأن يشرح الله صدره ، وييسر أمره ، وتكون سببا للتوفيق لعمل آخر ، ويزداد بها عمل المؤمن ، ويرتفع عند الله وعند خلقه ، ويحصل له الثواب العاجل والآجل .

{ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } يغفر الذنوب العظيمة ولو بلغت ما بلغت عند التوبة منها ، ويشكر على العمل القليل بالأجر الكثير ، فبمغفرته يغفر الذنوب ويستر العيوب ، وبشكره يتقبل الحسنات ويضاعفها أضعافا كثيرة .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

قوله تعالى : { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ( 23 ) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } .

يبشر الله عباده المؤمنين الصالحين بالنعيم المقيم في روضات الجنات . وهو قوله : { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } والإشارة عائدة إلى الفضل الكبير . وثمة حذف . والتقدير هو : ذلك الذي يبشر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ؛ فقد عجَّل الله لهم البشرى ليتعجلوا السرور ويزدادوا رغبة في الطاعة وعمل الصالحات .

قوله : { قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } قال ابن عباس : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يديه لذلك سعة فقال الأنصار : إن هذا الرجل قد هداكم الله تعالى به وهو ابن أختكم وتنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة ، فاجمعوا له من أموالكم ما لا يضرُّكم ففعلوا ثم أتوا به فقالوا : يا رسول الله إنك ابن أختنا وقد هدانا الله تعالى على يديك وتنوبك نوائب وحقوق ، وليست لك عندنا سعة فرأينا أن نجمع لك من أموالنا فنأتيك به فتستعين على ما ينوبك وهو هذا فنزلت هذه الآية .

وقيل : اجتمع المشركون ف مجمع لهم ، فقال بعضهم لبعض : أترون محمدا صلى الله عليه وسلم يسأل على ما يتعاطاه أجرا . فأنزل الله تعالى هذه الآية{[4101]} { قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لقريش : لا أسألكم على دعائي لكم وتبليغي إياكم رسالة الله أجرا أو جعلا . والجعل بالضم ، هو ما جُعل للإنسان من شيء على فعل . وكذا الجعالة . {[4102]}

قوله : { إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } { المودّة } منصوب على الاستثناء من غير الجنس{[4103]} والمعنى : إلا أن تودوني لقرابتي منكم فتحفظوني . قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط الناس في قريش . فليس بطن من بطونهم إلا قد ولده . فقال الله له : { قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } أي لا أسألكم ثوابا ولا نفعا إلا أن تودوني في قرابتي منكم فتراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني . والمراد بالقربى هنا ، قرابة الرحم . فكأنه قال لقريش : اتبعوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة وتذكِّرنا هذه الآية بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجوب حبهم وإكرامهم وعدم الإساءة إليهم بقول أو فعل . وأيما إساءة من ذلك على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الأبرار الأطهار ، فإنها ( الإساءة ) عصيان وخطيئة . وأهل بيته عليه الصلاة والسلام من ذرية طاهرة فُضْلى بل إن هذا البيت المصون الطهور لهو أشرف بيت على وجه الأرض ، ولاسيما إن كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة ، ملتزمين شرع الله وأحكام دينه الحنيف .

قوله : { وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } { يَقْتَرِفْ } من الاقتراف وهو الاكتساب . يعني ومن يكتسب حسنة ، وهو أن يعمل عملا فيه طاعة لله { نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } أي نضاعف له الحسنة بعشر أمثالها فأكثر { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } غفور لذنوب عباده ، شكور لحسناتهم وطاعاتهم .


[4101]:أسباب النزول للنيسابوري ص 251.
[4102]:مختار الصحاح ص 105.
[4103]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 347.