تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

{ 131 } { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى }

أي : لا تمد عينيك معجبا ، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها ، من المآكل والمشارب اللذيذة ، والملابس الفاخرة ، والبيوت المزخرفة ، والنساء المجملة ، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا ، تبتهج بها نفوس المغترين ، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين ، ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القوم الظالمون ، ثم تذهب سريعا ، وتمضي جميعا ، وتقتل محبيها وعشاقها ، فيندمون حيث لا تنفع الندامة ، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة ، وإنما جعلها الله فتنة واختبارا ، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها ، ومن هو أحسن عملا ، كما قال تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا* وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا }

{ وَرِزْقُ رَبِّكَ } العاجل من العلم والإيمان ، وحقائق الأعمال الصالحة ، والآجل من النعيم المقيم ، والعيش السليم في جوار الرب الرحيم { خير } مما متعنا به أزواجا ، في ذاته وصفاته { وَأَبْقَى } لكونه لا ينقطع ، أكلها دائم وظلها ، كما قال تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }

وفي هذه الآية ، إشارة إلى أن العبد إذا رأى من نفسه طموحا إلى زينة الدنيا ، وإقبالا عليها ، أن يذكرها ما أمامها من رزق ربه ، وأن يوازن بين هذا وهذا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

قال بعض الناس سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزل به ضيف فلم يكن عنده شيء فبعث إلى يهودي ليسلفه شعيراً فأبى اليهودي إلا برهن فبلغ الرسول بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال «والله إني لأمين في السماء وأمين في الأرض » فرهنه درعه فنزلت الآية في ذلك{[8183]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا معترض أن يكون سبباً لأن السورة مكية والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنَّه مات ودرعه مرهونة بهذه القصة التي ذكرت ، وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها وذلك أن الله تعالى وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل ثم أمر نبيه بالاحتقار لشأنهم والصبر على أقوالهم والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا إذ ذاك منحصر عندهم صائر بهم إلى خزي{[8184]} ، وقوله { ولا تمدن عينيك } أبلغ من ولا تنظر ، لأن الذي يمد بصره إنما يحمله على ذلك حرص مقترن ، والذي ينظر قد لا يكون ذلك معه . و «الأزواج » الأنواع فكأنه قال { إلى ما متعنا به } أقواماً منهم وأصنافاً . وقوله تعالى : { زهرة الحياة الدنيا } شبه نعم هؤلاء الكفار بالزهر وهو ما اصفر من النور ، وقيل «الزهر » النور جملة لأن الزهر له منظر ثم يضمحل فكذلك حال هؤلاء ، ونصب { زهرة } يجوز أن ينصب على الحال وذلك أن تعرفها ليس بمحض{[8185]} ، وقرأت فرقة «زهْرة » بسكون الهاء ، وفرقة «زهَرة » بفتح الهاء{[8186]} ثم أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن ذلك إنما هو ليختبرهم به ويجعله فتنة لهم وأمراً يجازون عليه بالسوء لفساد تقلبهم فيه ، { ورزق } الله تعالى الذي أحله للمتقين من عباده { خير وأبقى } أي رزق الدنيا ورزق الآخرة أبقى وبين أنه خير من رزق الدنيا .


[8183]:أخرجه ابن أبي شيبة، وابن راهويه، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخرائطي، وأبو نعيم، عن رافع. (فتح القدير والدر المنثور).
[8184]:نقل القرطبي كلام ابن عطية هذا، ثم عقب عليه بقوله: "قلت: وكذلك ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه مر بإبل بني المصطلق وقد عبست في أبوالها وأبعارها من السمن فتقنع بثوبه ثم مضى لقوله عزز وجل: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم} الآية ". ومعنى "عبست في أبوالها": أن أبوالها وأبعارها قد جفت على أفخاذها، وهذا يكون من الشحم.
[8185]:كثرت الآراء في إعراب قوله تعالى: [زهرة] ـ فقيل: هي مفعول ثان لـ (متعنا) على تضمينه معنى (أعطينا)، وقيل: منصوبة على الذم، وقيل: بل هي بدل من محل الجار والمجرور، وقيل: هي بدل من [أزواجا] على تقدير: ذوي زهرة، وقيل غير ذلك.
[8186]:أجاز الزمخشري في [زهرة] بفتح الهاء أن تكون جمع زاهر، مثل كافر وكفرة، قال: "وصفهم بأنهم زاهرو هذه الدنيا لصفاء ألوانهم مما يلهون ويتمتعون، وتهلل وجوههم، وبهاء زيهم، بخلاف ما عليه المؤمنون من شحوب الألوان وتشقف الثياب.