تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } حيث حضر الهيجاء بنفسه الكريمة ، وباشر موقف الحرب ، وهو الشريف الكامل ، والبطل الباسل ، فكيف تشحون بأنفسكم ، عن أمر جاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بنفسه فيه ؟ "

فَتأَسَّوْا به في هذا الأمر وغيره .

واستدل الأصوليون في هذه الآية ، على الاحتجاج بأفعال الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وأن الأصل ، أن أمته أسوته في الأحكام ، إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به .

فالأسوة نوعان : أسوة حسنة ، وأسوة سيئة .

فالأسوة الحسنة ، في الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فإن المتأسِّي به ، سالك الطريق الموصل إلى كرامة اللّه ، وهو الصراط المستقيم .

وأما الأسوة بغيره ، إذا خالفه ، فهو الأسوة السيئة ، كقول الكفار{[698]}  حين دعتهم الرسل للتأسِّي[ بهم ]{[699]} { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ }

وهذه الأسوة الحسنة ، إنما يسلكها ويوفق لها ، من كان يرجو اللّه ، واليوم الآخر ، فإن ما معه{[700]}  من الإيمان ، وخوف اللّه ، ورجاء ثوابه ، وخوف عقابه ، يحثه على التأسي بالرسول صلى اللّه عليه وسلم .


[698]:- في ب: المشركين.
[699]:- زيادة من: ب.
[700]:- في ب: فإن ذلك ما معه.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

قوله تعالى :{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } قرأ عاصم : أسوة حيث كان ، بضم الهمزة ، والباقون بكسرها ، وهما لغتان ، أي : قدوة صالحة ، وهي فعلة من الائتساء ، كالقدوة من الاقتداء ، اسم وضع موضع المصدر ، أي : به اقتداء حسن أن تنصروا دين الله وتؤازروا الرسول ولا تتخلفوا عنه ، وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ كسرت رباعيته وجرح وجهه ، وقتل عمه وأوذي بضروب من الأذى ، فواساكم مع ذلك بنفسه ، فافعلوا أنتم كذلك أيضاً واستنوا بسنته ، { لمن كان يرجو الله } بدل من قوله : لكم وهو تخصيص بعد تعميم للمؤمنين ، يعني : أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله ، قال ابن عباس : يرجو ثواب الله . وقال مقاتل : يخشى الله ، { واليوم الآخر } أي : يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال ، { وذكر الله كثيراً } في جميع المواطن على السراء والضراء .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " هذا عتاب للمتخلفين عن القتال ، أي كان لكم قدوة في النبي صلى الله عليه وسلم حيث بذل نفسه لنصرة دين الله في خروجه إلى الخندق . والأسوة القدوة . وقرأ عاصم " أسوة " بضم الهمزة . الباقون بالكسر ، وهما لغتان . والجمع فيهما واحد عند الفراء . والعلة عنده في الضم على لغة من كسر في الواحدة : الفرق بين ذوات الواو وذوات الياء ، فيقولون كسوة وكسا ، ولحية ولحى . الجوهري : والأسوة والإسوة بالضم والكسر لغتان . والجمع أسى وإسى . وروى عقبة بن حسان الهجري عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " قال : في جوع النبي صلى الله عليه وسلم . ذكره الخطيب أبو بكر أحمد وقال : تفرد به عقبة بن حسان عن مالك ، ولم أكتبه إلا بهذا الإسناد .

الثانية-قوله تعالى " أسوة " الأسوة القدوة . والأسوة ما يتأسى به ، أي يتعزى به . فيقتدى به في جميع أفعاله ويتعزى به في جميع أحواله ، فلقد شج وجهه ، وكسرت رباعيته ، وقتل عمه حمزة ، وجاع بطنه ، ولم يلف إلا صابرا محتسبا ، وشاكرا راضيا . وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا{[12780]} عن حجر حجر ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين . خرجه أبو عيسى الترمذي وقال فيه : حديث غريب . وقال صلى الله عليه وسلم لما شج : ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) وقد تقدم . " لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " قال سعيد بن جبير : المعنى لمن كان يرجو لقاء الله بإيمانه ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأفعال . وقيل : أي لمن كان يرجو ثواب الله في اليوم الآخر . ولا يجوز عند الحذاق من النحويين أن يكتب " يرجو " إلا بغير ألف إذا كان لواحد ؛ لأن العلة التي في الجمع ليست في الواحد . " وذكر الله كثيرا " خوفا من عقابه ، ورجاء لثوابه . وقيل : إن " لمن " بدل من قوله : " لكم " ولا يجيزه البصريون ؛ لأن الغائب لا يبدل من المخاطب ، وإنما اللام من " لمن " متعلقة ب " حسنة " ، و " أسوة " اسم " كان " و " لكم " الخبر . واختلف فيمن أريد بهذا الخطاب على قولين : أحدهما : المنافقون ، عطفا على ما تقدم من خطابهم . الثاني : المؤمنون ؛ لقوله : " لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " واختلف في هذه الأسوة بالرسول عليه السلام ، هل هي على الإيجاب أو على الاستحباب ، على قولين : أحدهما : على الإيجاب حتى يقوم دليل على الاستحباب . الثاني : على الاستحباب حتى يقوم دليل على الإيجاب . ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدين ، وعلى الاستحباب في أمور الدنيا .


[12780]:زيادة عن سنن الترمذي.