تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

يخبر تعالى أنه المنفرد بالهداية والإضلال ، فمن يهده ، فييسره لليسرى ويجنبه العسرى ، فهو المهتدي على الحقيقة ، ومن يضلله ، فيخذله ، ويكله إلى نفسه ، فلا هادي له من دون الله ، وليس له ولي ينصره من عذاب الله ، حين يحشرهم الله على وجوههم خزيًا عميًا وبكمًا ، لا يبصرون ولا ينطقون .

{ مَأْوَاهُمْ } أي : مقرهم ودارهم { جَهَنَّمُ } التي جمعت كل هم وغم وعذاب .

{ كُلَّمَا خَبَتْ } أي : تهيأت للانطفاء { زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } أي : سعرناها بهم لا يفتر عنهم العذاب ، ولا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يخفف عنهم من عذابها ، ولم يظلمهم الله تعالى ، بل جازاهم بما كفروا بآياته وأنكروا البعث الذي أخبرت به الرسل ونطقت به الكتب وعجزوا ربهم وأنكروا تمام قدرته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

73

أما عاقبته فيرسمها في مشهد من مشاهد القيامة مخيف :

( ومن يهد الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ، ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ، مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا . ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا ، وقالوا : أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ? أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ? وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ، فأبى الظالمون إلا كفورا ) . .

ولقد جعل الله للهدى وللضلال سننا ، وترك الناس لهذه السنن يسيرون وفقها ، ويتعرضون لعواقبها . ومن هذه السنن أن الإنسان مهيأ للهدى وللضلال ، وفق ما يحاوله لنفسه من السير في طريق الهدى أو طريق الضلال . فالذي يستحق هداية الله بمحاولته واتجاهه يهديه الله ؛ وهذا هو المهتدي حقا ، لأنه اتبع هدى الله . والذين يستحقون الضلال بالإعراض عن دلائل الهدى وآياته لا يعصمهم أحد من عذاب الله : ( فلن تجد لهم أولياء من دونه ) ويحشرهم يوم القيامة في صورة مهينة مزعجة : على وجوههم يتكفأون ( عميا وبكما وصما ) مطموسين محرومين من جوارحهم التي تهديهم في هذا الزحام . جزاء ما عطلوا هذه الجوارح في الدنيا عن إدراك دلائل الهدى . و ( مأواهم جهنم ) في النهاية ، لا تبرد ولا تفتر ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

يقول تعالى مخبرًا عن تصرفه في خلقه ، ونفوذ حكمه ، وأنه لا معقب له ، بأنه من يهده فلا مضلّ له { وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ } أي : يهدونهم ، كما قال : { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا } [ الكهف : 17 ] .

وقوله : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ } قال الإمام أحمد :

حدثنا ابن نمير ، حدثنا إسماعيل عن نُفَيْع قال{[17854]} : سمعت أنس بن مالك يقول : قيل : يا رسول الله ، كيف يحشر{[17855]} الناس على وجوههم ؟ قال : " الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " . وأخرجاه في الصحيحين{[17856]} .

وقال الإمام أحمد أيضًا : [ حدثنا يزيد ]{[17857]} ، حدثنا الوليد بن جُمَيْع القرشي ، عن أبيه ، حدثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة ، عن حذيفة بن أسيد قال : قام أبو ذر فقال : يا بني غفار ، قولوا ولا تحلفوا ، فإن الصادق المصدوق حدثني : أن الناس يحشرون على ثلاثة أفواج : فوج راكبين طاعمين كاسين ، وفوج{[17858]} يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار . فقال قائل منهم : هذان قد عرفناهما ، فما بال الذين يمشون ويسعون{[17859]} ؟ قال : يلقي الله ، عز وجل ، الآفة على{[17860]} الظهر حتى لا يبقى ظهر ، حتى إن الرجل لتكون له الحديقة المعجبة ، فيعطيها بالشارف ذات القتب ، فلا يقدر عليها{[17861]} .

وقوله : ( عُمْيًا ) أي : لا يبصرون ( وَبُكْمًا ) يعني : لا ينطقون ( وَصُمًّا ) : لا يسمعون . وهذا يكون في حال دون حال جزاء لهم كما كانوا في الدنيا بكمًا وعميًا وصمًا عن الحق فجوزوا في محشرهم بذلك أحوج ما يحتاجون إليه ( مَأْوَاهُمْ ) أي : منقلبهم{[17862]} ومصيرهم ( جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ ) قال ابن عباس : سكنت{[17863]} . وقال مجاهد : طفئت ( زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ) أي : لهبًا ووهجًا وجمرًا ، كما قال : { فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا } [ النبأ : 30 ] .


[17854]:في ت: "نفيع كذا قال".
[17855]:في ف: "تحشر".
[17856]:المسند (3/167) وصحيح البخاري برقم (4760) وصحيح مسلم برقم (2806).
[17857]:زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
[17858]:في ف: "وقوم".
[17859]:في ت: "ويسقون".
[17860]:في ت: "الأئمة هل"، وفي ف: "الأئمة على".
[17861]:المسند (5/164).
[17862]:في أ: "مقبلهم".
[17863]:في ت: "ستكتب".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

القول في تأويل قوله تعالى { وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مّأْوَاهُمْ جَهَنّمُ كُلّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } .

يقول تعالى ذكره : ومن يهد الله يا محمد للإيمان به ، ولتصديقك وتصديق ما جئت به من عند ربك ، فوفّقه لذلك ، فهو المهتد الرشيد المصيب الحقّ ، لا من هداه غيره ، فإن الهداية بيده . ومن يضلل يقول : ومن يضلله الله عن الحقّ ، فيخذله عن إصابته ، ولم يوفّقه للإيمان بالله وتصديق رسوله ، فلن تجد لهم يا محمد أولياء ينصرونهم من دون الله ، إذا أراد الله عقوبتهم والاستنقاذ منهم . ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ يقول : ونجمعهم بموقف القيامة من بعد تفرّقهم في القبور عند قيام الساعة على وجوههم عُمْيا وَبُكْما وهو جمع أبكم ، ويعني بالبُكْم : الخُرْس ، كما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَبُكْما قال : الخرس وَصُمّا وهو جمع أصمّ .

فإن قال قائل : وكيف وصف الله هؤلاء بأنهم يحشرون عميا وبكما وصما ، وقد قال ورأى المُجْرِمون النّارَ فَظَنّوا أنّهُمْ مُوَاقِعُوها فأخبر أنهم يرون ، وقال : إذَا رأتْهُمْ مِنْ مكانٍ بَعيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيّظا وزَفِيرا وإذَا أُلْقُوا مِنْها مَكانا ضَيّقا مُقَرّنِينَ دَعَوْا هُنالكَ ثُبُورا فأخبر أنهم يسمعون وينطقون ؟ قيل : جائز أن يكون ما وصفهم الله به من العَمي والبكم والصمم يكون صفتهم في حال حشرهم إلى موقف القيامة ، ثم يجعل لهم أسماع وأبصار ومنطق في أحوال أُخر غير حال الحشر ، ويجوز أن يكون ذلك ، كما روي عن ابن عباس في الخبر الذي :

حدثنيه عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عمْيا وَبْكْما وصُمّا ثم قال : ورأى المُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنّوا وقال : سَمِعُوا لَهَا تَغَيّظا وَزَفِيرا وقال دَعَوْا هُنالكَ ثُبُورا . أما قوله : عُمْيا فلا يرون شيئا يسرّهم . وقوله : بُكْما لا ينطقون بحجة . وقوله : صُمّا لا يسمعون شيئا يسرّهم . وقوله : مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ يقول جلّ ثناؤه : ومصيرهم إلى جهنم ، وفيها مساكنهم ، وهم وَقُودها ، كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : مَأءْوَاهُمْ جَهَنّمُ يعني إنهم وقودها .

وقوله : كُلّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا يعني بقوله خبت : لانت وسكنت ، كما قال عديّ بن زيد العبادي في وصف مزنة :

وَسْطُهُ كالْيَرَاعِ أوْ سُرُجِ المِجْدَلِ *** حِينا يَخْبُو وحِينا يُنِيرُ

يعني بقوله : يخبو السرج : أنها تلين وتضعف أحيانا ، وتقوى وتنير أخرى ، ومنه قول القطامي :

*** فَيَخْبو ساعَةً ويَهُبّ ساعا ***

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة عن تأويله . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : كُلّما خَبَتْ قال : سكنت .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، كُلّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا يقول : كلما أحرقتهم تسعر بهم حطبا ، فإذا أحرقتهم فلم تبق منهم شيئا صارت جمرا تتوهّج ، فذلك خُبُوّها ، فإذا بدّلوا خلقا جديدا عاودتهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن مجاهد حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس كُلّما خَبَتْ قال : خبوّها أنها تَسَعّر بهم حطبا ، فإذا أحرقتهم ، فلم يبق منهم شيء صارت جمرا تتوهج ، فإذا بُدّلوا خلقا جديدا عاودتهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : كُلّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا يقول : كلما احترقت جلودهم بُدّلوا جلودا غيرها ، ليذوقوا العذاب .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : كُلّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا قال : كلما لان منها شيء .

حُدثت عن مروان ، عن جويبر ، عن الضحاك كُلّما خَبَتْ قال : سكنت . وقوله : زِدْناهُمْ سَعيرا يقول : زدنا هؤلاء الكفار سعيرا ، وذلك إسعار النار عليهم والتهابها فيهم وتأججها بعد خبوّها ، في أجسامهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

{ ومن يهد الله فهو المُهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه } يهدونه . { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم } يسبحون عليها أو يمشون بها . روي ( أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يمشون على وجوهم قال : إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ) { عُميا وبكما وصمّاً } لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم ، لأنهم في ديناهم لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن استعماع الحق وأبو أن ينطقوا بالصدق ، ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار مؤفي القوى والحواس . { مأواهم جهنم كلما خبت } سكن لهيها بأن أكلت جلودهم ولحومهم . { زدناهم سعيرا } توقدا بأن نبدل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعرة ، كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإعادة والإفناء .