{ قَالُوا سُبْحَانَكَ } نزهوا الله عن شرك المشركين به وبرؤوا أنفسهم من ذلك ، { مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا } أي : لا يليق بنا ولا يحسن منا أن نتخذ من دونك من أولياء نتولاهم ونعبدهم وندعوهم ، فإذا كنا محتاجين ومفتقرين إلى عبادتك متبرئين من عبادة غيرك ، فكيف نأمر أحدا بعبادتنا ؟ هذا لا يكون أو ، سبحانك عن { أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ } وهذا كقول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } الآية .
وقال تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } فلما نزهوا أنفسهم أن يدعوا لعبادة غير الله أو يكونوا أضلوهم ذكروا السبب الموجب لإضلال المشركين فقالوا : { وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ } في لذات الدنيا وشهواتها ومطالبها النفسية ، { حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ } اشتغالا في لذات الدنيا وإكبابا على شهواتها ، فحافظوا على دنياهم وضيعوا دينهم { وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } أي : بائرين لا خير فيهم ولا يصلحون لصالح لا يصلحون إلا للهلاك والبوار ، فذكروا المانع من اتباعهم الهدى وهو التمتع في الدنيا الذي صرفهم عن الهدى ، وعدم المقتضي للهدى وهو أنهم لا خير فيهم ، فإذا عدم المقتضي ووجد المانع فلا تشاء من شر وهلاك ، إلا وجدته فيهم ، فلما تبرؤوا منهم قال الله توبيخا وتقريعا للعابدين{[575]} .
( قالوا : سبحانك ! ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء . ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر ، وكانوا قوما بورا ) . .
فهذا المتاع الطويل الموروث - على غير معرفة بواهب النعمة ولا توجه ولا شكر - قد آلهاهم وأنساهم ذكر المنعم ، فانتهت قلوبهم إلى الجدب والبوار . كالأرض البور لا حياة فيها ولا زرع ولا ثمار . والبوار الهلاك ، ولكن اللفظ يوحي كذلك بالجدب والخواء . جدب القلوب ، وخواء الحياة .
قرأ الأكثرون بفتح " النون " من قوله : { نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ } أي : ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدا سواك ، لا نحن ولا هم ، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك ، بل هم قالوا{[21435]} ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا ونحن برآء منهم ومن عبادتهم ، كما قال تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } [ سبأ : 40 - 41 ] . {[21436]} وقرأ آخرون : " مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ " أي : ما ينبغي لأحد أن يعبدنا ، فإنا عبيد لك ، فقراء إليك . وهي قريبة المعنى من الأولى .
{ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ } أي : طال عليهم العمر حتى نَسُوا الذكر ، أي : نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك ، من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك .
{ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } قال ابن عباس : أي هلكى . وقال الحسن البصري ، ومالك عن الزهري : أي لا خير فيهم . وقال ابن الزبعرى حين أسلم :
يا رَسُولَ المَليك إنّ لسَاني *** رَاتقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ
إذْ أجاري الشَّيطَانَ في سَنَن الغ *** يِّ ، وَمَن مالَ مَيْلَه مَثْبُورُ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.