{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
أي : فرض الله عليكم ، يا معشر المؤمنين { إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } أي : أسبابه ، كالمرض المشرف على الهلاك ، وحضور أسباب المهالك ، وكان قد { تَرَكَ خَيْرًا } [ أي : مالا ] وهو المال الكثير عرفا ، فعليه أن يوصي لوالديه وأقرب الناس إليه بالمعروف ، على قدر حاله من غير سرف ، ولا اقتصار على الأبعد ، دون الأقرب ، بل يرتبهم على القرب والحاجة ، ولهذا أتى فيه بأفعل التفضيل .
وقوله : { حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } دل على وجوب ذلك ، لأن الحق هو : الثابت ، وقد جعله الله من موجبات التقوى .
واعلم أن جمهور المفسرين يرون أن هذه الآية منسوخة بآية المواريث ، وبعضهم يرى أنها في الوالدين والأقربين غير الوارثين ، مع أنه لم يدل على التخصيص بذلك دليل ، والأحسن في هذا أن يقال : إن هذه الوصية للوالدين والأقربين مجملة ، ردها الله تعالى إلى العرف الجاري .
ثم إن الله تعالى قدر للوالدين الوارثين وغيرهما من الأقارب الوارثين هذا المعروف في آيات المواريث ، بعد أن كان مجملا ، وبقي الحكم فيمن لم يرثوا من الوالدين الممنوعين من الإرث وغيرهما ممن حجب بشخص أو وصف ، فإن الإنسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم أحق الناس ببره ، وهذا القول تتفق عليه الأمة ، ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين ، لأن كلا من القائلين بهما كل منهم لحظ ملحظا ، واختلف المورد .
فبهذا الجمع ، يحصل الاتفاق ، والجمع بين الآيات ، لأنه{[122]} مهما أمكن الجمع كان أحسن من ادعاء النسخ ، الذي لم يدل عليه دليل صحيح .
القول في تأويل قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتّقِينَ }
يعني بقوله تعالى ذكره : كتب عليكم : فرض عليكم أيها المؤمنون الوصية إذا حضر أحدكم الموت إنْ تَرَكَ خَيْرا ، والخير : المال ، للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ الذين لا يرثونه ، بالمَعْرُوفِ وهو ما أذن الله فيه وأجازه في الوصية مما لم يجاوز الثلث ، ولم يتعمد الموصي ظلم ورثته ، حَقّا على المُتّقين ، يعني بذلك : فرض عليكم هذا وأوجبه ، وجعله حقّا واجبا على من اتقى الله فأطاعه أن يعمل به .
فإن قال قائل : أَوَ فرض على الرجل ذي المال أن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه ؟ قيل : نعم .
فإن قال : فإن هو فرّط في ذلك فلم يوص لهم أيكون مضيعا فرضا يحرج بتضييعه ؟ قيل : نعم .
فإن قال : وما الدلالة على ذلك ؟ قيل : قول الله تعالى ذكره : كُتِبَ عَلَيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِين فأعلم أنه قد كتبه علينا وفرضه ، كما قال : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ ولا خلاف بين الجميع أن تارك الصيام وهو عليه قادر مضيع بتركه فرضا لله عليه ، فكذلك هو بترك الوصية لوالديه وأقربيه وله ما يوصي لهم فيه ، مضيعٌ فرض الله عز وجل .
فإن قال : فإنك قد علمت أن جماعة من أهل العلم قالوا : الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ منسوخة بآية الميراث ؟ قيل له : وخالفهم جماعة غيرهم فقالوا : هي محكمة غير منسوخة : وإذا كان في نسخ ذلك تنازع بين أهل العلم لم يكن لنا القضاء عليه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها ، إذ كان غير مستحيل اجتماع حكم هذه الآية وحكم آية المواريث في حال واحدة على صحة بغير مدافعة حكم إحداهما حكم الأخرى ، وكان الناسخ والمنسوخ هما المعنيان اللذان لا يجوز اجتماع حكمهما على صحة في حالة واحدة لنفي أحدهما صاحبه .
وبما قلنا في ذلك قال جماعة من المتقدمين والمتأخرين . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك أنه كان يقول : من مات ولم يوصِ لذوي قرابته فقد ختم عمله بمعصية .
حدثني سالم بن جنادة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق : أنه حضر رجلاً فوصى بأشياء لا تنبغي ، فقال له مسروق : إن الله قد قسم بينكم فأحسن القسم ، وإنه من يرغب برأيه عن رأي الله يضله ، أوص لذي قرابتك ممن لا يرثك ، ثم دع المال على ما قسمه الله عليه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد ، عن الضحاك ، قال : لا تجوز وصية لوارث ولا يوصي إلا لذي قرابة ، فإن أوصى لغير ذي قرابة فقد عمل بمعصية ، إلا أن لا يكون قرابة فيوصي لفقراء المسلمين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، قال : العجبُ لأبي العالية أعتقته امرأة من بني رياح وأوصى بماله لبني هاشم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن رجل ، عن الشعبي ، قال : لم يكن له حال ولا كرامة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب ، عن محمد ، قال : قال عبد الله بن معمر في الوصية : من سَمّى جعلناها حيث سَمّى ، ومن قال حيث أمر الله جعلناها في قرابته .
حدثني محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : حدثنا عمران بن جرير ، قال : قلت لأبي مجلز : الوصية على كل مسلم واجبة ؟ قال : على من ترك خيرا .
حدثنا سوّار بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الملك بن الصباح ، قال : حدثنا عمران بن حرير قال : قلت للاحق بن حميد : الوصية حق على كل مسلم ؟ قال : هي حق على من ترك خيرا .
واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية ، فقال بعضهم : لم ينسخ الله شيئا من حكمها ، وإنما هي آية ظاهرها ظاهر عموم في كل والد ووالدة والقريب ، والمراد بها في الحكم البعض منهم دون الجميع ، وهو من لا يرث منهم الميت دون من يرث . وذلك قول من ذكرت قوله ، وقول جماعة آخرين غيرهم معهم . ذكر قول من لم يذكر قوله منهم في ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن جابر بن زيد في رجل أوصى لغير ذي قرابة ، وله قرابة محتاجون ، قال : يردّ ثلثا الثلث عليهم ، وثلث الثلث لمن أوصى له به .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ ، قال : حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن الحسن وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا في الرجل يوصي لغير ذي قرابته وله قرابة ممن لا يرثه قال : كانوا يجعلون ثلثي الثلث لذوي القرابة ، وثلث الثلث لمن أوصى له به .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حميد ، عن الحسن أنه كان يقول : إذا أوصى الرجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثلث ، وثلثا الثلث لقرابته .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردّت إلى ذوي قرابته .
وقال آخرون : بل هي آية قد كان الحكم بها واجبا وعمل به برهة ، ثم نسخ الله منها بآية المواريث الوصية لوالدي الموصي وأقربائه الذين يرثونه ، وأقرّ فرض الوصية لمن كان منهم لا يرثه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : كُتِبَ عَلَيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ فجعلت الوصية للوالدين والأقربين ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك فجعل لهما نصيب مفروض ، فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون ، وجعل للوالدين نصيب معلوم ، ولا تجوز وصية لوارث .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ قال : نسخ الوالدان منها ، وترك الأقربون ممن لا يرث .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ قال : نسخ من يرث ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون .
حدثنا يحيى بن نصر ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : كانت الوصية قبل الميراث للوالدين والأقربين ، فلما نزل الميراث نسخ الميراث من يرث وبقي من لا يرث ، فمن أوصى لذي قرابته لم تجز وصيته .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إسماعيل المكي ، عن الحسن في قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ قال : نسخ الوالدين وأثبت الأقربين الذين يحرمون فلا يرثون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن في هذه الآية : الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ قال : للوالدين منسوخة ، والوصية للقرابة وإن كانوا أغنياء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم إلا وصية إن كانت للأقربين ، فأنزل الله بعد هذا : ولأبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما السّدسُ ممّا تَرَكَ إنْ كانَ لَه وَلَدٌ فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَه أبَوَاه فَلأُمّهِ الثّلُثُ فبين الله سبحانه ميراث الوالدين ، وأقرّ وصية الأقربين في ثلث مال الميت .
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ فنسخ الوصية للوالدين وأثبت الوصية للأقربين الذين لا يرثون .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : كُتِبَ عَلَيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِين بالمعروف . قال : كان هذا من قبل أن تنزل سورة النساء ، فلما نزلت آية الميراث نسخ شأن الوالدين ، فألحقهما بأهل الميراث وصارت الوصيةُ لأهل القرابة الذين لا يرثون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا عطاء بن أبي ميمونة ، قال : سألت مسلم بن يسار ، والعلاء بن زياد ، عن قول الله تبارك وتعالى : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ قالا : في القرابة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن إياس بن معاوية ، قال : في القرابة .
وقال آخرون : بل نسخ الله ذلك كله ، وفرض الفرائض والمواريث ، فلا وصية تجب لأحد على أحد قريب ولا بعيد . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ الآية ، قال : فنسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس : أنه قام فخطب الناس ههنا ، فقرأ عليهم سورة البقرة ليبين لهم منها ، فأتى على هذه الآية : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ قال : نسخت هذه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ نسخت الفرائض التي للوالدين والأقربين الوصية .
حدثني محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن جهضم ، عن عبد الله بن بدر ، قال : سمعت ابن عمر يقول في قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ قال : نسختها آية الميراث . قال ابن بشار : قال عبد الرحمن : فسألت جهضما عنه فلم يحفظه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري ، قالا : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث .
حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي ، قال : زعم قتادة ، عن شريح في هذه الآية : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ قال : كان الرجل يوصي بماله كله حتى نزلت آية الميراث .
حدثنا أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي ، قال : زعم قتادة أنه نسخت آيتا المواريث في سورة النساء الآية في سورة البقرة في شأن الوصية .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبينَ قال : كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين ، وهي منسوخة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كان الميراث للولد ، والوصية للوالدين والأقربين ، وهي منسوخة نسختها آية في سورة النساء : يُوصيكُمُ اللّهُ فِي أوْلادِكُم .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : كُتِبَ عَلَيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِين أما الوالدان والأقربون فيومَ نزلت هذه الآية كان الناس ليس لهم ميراث معلوم ، إنما يوصي الرجل لوالده ولأهله فيقسم بينهم حتى نسختها النساء فقال : يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أوْلاَدِكُمْ .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب ، عن نافع أن ابن عمر لم يوص وقال : أما مالي فالله أعلم ما كنت أصنع فيه في الحياة ، وأما رِباعي فما أحبّ أن يشرك ولدي فيها أحد .
حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا سفيان ، عن نسير بن ذعلوق قال : قال عروة : يعني ابن ثابت لربيع بن خيْثَم : أوص لي بمصحفك قال : فنظر إلى أبيه فقال : وأُولُو الأرْحامِ بَعْضهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا يزيد ، عن سفيان ، عن الحسن بن عبد الله ، عن إبراهيم ، قال : ذكرنا له أن زيدا وطلحة كانا يشددان في الوصية ، فقال : ما كان عليهما أن يفعلا ، مات النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يوص ، وأوصى أبو بكر ، أيّ ذلك فعلتَ فحسن .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن الحسن بن عبد الله ، عن إبراهيم ، قال : ذكر عنده طلحة وزيد ، فذكر مثله .
وأما الخير الذي إذا تركه تارك وجب عليه الوصية فيه لوالديه وأقربيه الذين لا يرثون فهو المال . كما :
حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا يعني مالاً .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : إنْ تَرَكَ خَيْرا مالاً .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إنْ تَرَكَ خَيْرا كان يقول : الخير في القرآن كله المال ( لحبّ الخيرِ لَشديدٌ ) الخير المال ( وأحبَبْتُ حُبّ الخيرِ عَنْ ذِكْرِ رَبي ) المال ( فَكاتِبُوهُم إن عَلِمْتُم فِيهِمْ خَيْرا ) المال و( إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ ) المال .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ أي مالاً .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ أما خيرا فالمال .
حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : إنْ تَرَكَ خَيْرا قال إن ترك مالاً .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا قال : الخير : المال .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرني ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى ، عن الضحاك في قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ قال : المال ، ألا ترى أنه يقول : قال شعيب لقومه : إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ يعني الغنى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا محمد بن عمرو اليافعي ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح قال : كُتِبَ عَلَيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا قال عطاء : الخير فيما يرى المال .
ثم اختلفوا في مبلغ المال الذي إذا تركه الرجل كان ممن لزمه حكم هذه الآية ، فقال بعضهم : ذلك ألف درهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة في هذه الآية : إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ قال : الخير : ألف فما فوقه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا هشام بن عروة ، عن عروة : أن عليّ بن أبي طالب دخل على ابن عم له يعوده ، فقال : إني أريد أن أوصي ، فقال عليّ : لا توص فإنك لم تترك خيرا فتوصي . قال : وكان ترك من السبعمائة إلى تسعمائة .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عثمان بن الحكم الحزامي وابن أبي الزناد عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عليّ بن أبي طالب : أنه دخل على رجل مريض ، فذكر له الوصية ، فقال : لا توص إنما قال الله : إنْ تَرَكَ خَيْرا وأنت لم تترك خيرا . قال ابن أبي الزناد فيه : فدع مالك لبنيك .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن عبد الله بن عيينة أو عتبة ، الشك مني : أن رجلاً أراد أن يوصي وله ولد كثير ، وترك أربعمائة دينار ، فقالت عائشة : ما أرى فيه فضلاً .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : دخل عليّ على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم ، فقال : ألا أوصي ؟ فقال : لا ، إنما قال الله إنْ تَرَكَ خَيْرا وليس لك كثير مال .
وقال بعضهم : ذلك ما بين الخمسمائة درهم إلى الألف . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أبان بن إبراهيم النخعي في قوله : إنْ تَرَكَ خَيْرا قال : ألف درهم إلى خمسمائة .
وقال بعضهم : الوصية واجبة من قليل المال وكثيره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن الزهري ، قال : جعل الله الوصية حقا مما قل منه أو كثر .
وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : كُتِبَ عَلَيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ ما قال الزهري ، لأن قليل المال وكثيره يقع عليه خير ، ولم يحدّ الله ذلك بحدّ ولا خصّ منه شيئا ، فيجوز أن يحال ظاهر إلى باطن ، فكل من حضرته منيته وعنده مال قلّ ذلك أو كثر فواجب عليه أن يوصى منه لمن لا يرثه من آبائه وأمهاته وأقربائه الذين لا يرثونه بمعروف ، كما قال الله جل ذكره وأمره به .
{ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } أي حضرت أسبابه وظهرت أماراته . { إن ترك خيرا } أي مالا . وقيل مالا كثيرا ، لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه : أن مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة درهم ، فمنعه وقال : قال الله تعالى { إن ترك خيرا } والخير هو المال الكثير . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : أن رجلا أراد أن يوصي فسألته كم مالك ، فقال : ثلاثة آلاف ، فقالت : كم عيالك قال : أربعة ، قالت : إنما قال الله تعالى { إن ترك خيرا } وأن هذا لشيء يسير فاتركه لعيالك . { الوصية للوالدين والأقربين } مرفوع بكتب ، وتذكير فعلها للفصل ، أو على تأويل أن يوصي ، أو الإيصاء ولذلك ذكر الراجع في قوله : { فمن بدله } . والعامل في إذا مدلول كتب لا الوصية لتقدمه عليها . وقيل مبتدأ خبره { للوالدين } ، والجملة جواب الشرط بإضمار الفاء كقوله :
من يفعل الحسنات الله يشكرها *** والشر بالشر عند الله مثلان
ورد بأنه إن صح فمن ضرورات الشعر . وكان هذا الحكم في بدء الإسلام فنسخ بآية المواريث وبقوله عليه الصلاة والسلام " إن الله أعطى كل ذي حق حقه ، ألا لا وصية لوارث " . وفيه نظر : لأن آية المواريث لا تعارضه بل تؤكده حيث إنها تدل على تقديم الوصية مطلقا ، والحديث من الآحاد ، وتلقي الأمة له بالقبول لا يحلقه بالمتواتر . ولعله احترز عنه من فسر الوصية بما أوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين بقوله { يوصيكم الله } أو بإيصاء المحتضر لهم بتوفير ما أوصى به الله عليهم { بالمعروف } بالعدل ، فلا يفضل الغني ، ولا يتجاوز الثلث . { حقا على المتقين } مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا .