تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا} (36)

{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا }

يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له ، وهو الدخول تحت رق عبوديته ، والانقياد لأوامره ونواهيه ، محبة وذلا وإخلاصا له ، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة .

وينهى عن الشرك به شيئا لا شركا أصغر ولا أكبر ، لا ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا غيرهم من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، بل الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه أحد . ثم بعد ما أمر بعبادته والقيام بحقه أمر بالقيام بحقوق العباد الأقرب فالأقرب . فقال : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } أي : أحسنوا إليهم بالقول الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة أمرهما واجتناب نهيهما والإنفاق عليهما وإكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا بهما . وللإحسان ضدان ، الإساءةُ وعدمُ الإحسان . وكلاهما منهي عنه .

{ وَبِذِي الْقُرْبَى } أيضا إحسانا ، ويشمل ذلك جميع الأقارب ، قربوا أو بعدوا ، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل ، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله .

{ وَالْيَتَامَى } أي : الذين فقدوا آباءهم{[208]}  وهم صغار ، فلهم حق على المسلمين ، سواء كانوا أقارب أو غيرهم بكفالتهم وبرهم وجبر خواطرهم وتأديبهم ، وتربيتهم أحسن تربية في مصالح دينهم ودنياهم .

{ وَالْمَسَاكِين } وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر ، فلم يحصلوا على كفايتهم ، ولا كفاية من يمونون ، فأمر الله تعالى بالإحسان إليهم ، بسد خلتهم وبدفع فاقتهم ، والحض على ذلك ، والقيام بما يمكن منه .

{ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى } أي : الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة ، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف . { و } كذلك { الْجَارِ الْجُنُبِ } أي : الذي ليس له قرابة . وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا ، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل .

{ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ } قيل : الرفيق في السفر ، وقيل : الزوجة ، وقيل الصاحب مطلقا ، ولعله أولى ، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة . فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه ، من مساعدته على أمور دينه ودنياه ، والنصح له ؛ والوفاء معه في اليسر والعسر ، والمنشط والمكره ، وأن يحب له ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه ، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد .

{ وَابْنَ السَّبِيلِ } وهو : الغريب الذي احتاج في بلد الغربة أو لم يحتج ، فله حق على المسلمين لشدة حاجته وكونه في غير وطنه بتبليغه إلى مقصوده أو بعض مقصوده [ وبإكرامه وتأنيسه ]{[209]} .

{ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } : أي : من الآدميين والبهائم بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم وإعانتهم على ما يتحملون ، وتأديبهم لما فيه مصلحتهم . فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه ، المتواضع لعباد الله ، المنقاد لأمر الله وشرعه ، الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل ، ومن لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه ، غير منقاد لأوامره ، ولا متواضع للخلق ، بل هو متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور بقوله ، ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا } أي : معجبا بنفسه متكبرًا على الخلق { فَخُورًا } يثني على نفسه ويمدحها على وجه الفخر والبطر على عباد الله .


[208]:- كذا في ب، وفي أ: الذين فقد آباؤهم.
[209]:- زيادة من هامش ب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا} (36)

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ( 36 ) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ( 37 ) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ( 38 ) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا ( 39 ) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ( 40 ) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ( 41 ) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ( 42 )

قال القرطبى ما ملخصه : أجمع العلماء على أن هذه الآية - وهى قوله - تعالى - { واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } - من المحكم المتفق عليه - ليس منها شئ منسوخ . وكذلك هى فى جميع الكتب . ولو لم يكن كذلك لعرف ذلك من جهة العقل وإن لم ينزل به الكتاب . والعبودية هى التذلل والافتقار لمن له الحكم والاختيار . فالآية أصل فى خلوص الأعمال لله وتصفيتها من شوائب الرياء وغيره . وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله - تعالى - أنا أغنى الشركاء عن الشرك . من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه " .

والمعنى : عليكم أيها الناس أن تخلصوا لله - تعالى - العبادة والخضوع ، وأن تتجهوا إليه وحده فى كل شئونكم بدون أن تتخذا معه أى شريك لا فى عقيدتكم ولا فى عبادتكم ولا فى أقوالكم ولا فى أعمالكم ، كما قال - تعالى - { وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين حُنَفَآءَ } وهذه العبادة الخالصة لله - تعالى - هى حقه - سبحانه - علينا ، فهو الذى خلقنا وهو الذى رزقنا وهو المتفضل علينا فى جميع الحالات .

روى البخارى " عن معاذ بن جبل قال : كنت ردف النبى - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له عفيرة . فقال : يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله ؟ قلت الله ورسوله أعلم . قال : فان حق الله على العبادة ان يبعدوه ولا يشركوا به شيئا . وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا . فقلت : يا رسول الله ! أفلا أبشر به الناس ؟ قال : لا تبشرهم فيتكلوا " .

وقد صدر سبحانه - تلك الوصايا الحكيمة التى اشتملت عليها الآية الكريمة بالأمر بعبادته والنهى عن أن نشرك به شيئا ، لأن إخلاص العبادة له أساس الدين ، ومداره الأعظم الذى بدونه لا يقبل الله من العبد عملاما ، ولأن فى ذلك إيماء إلى ارتفاع شأن تلك الوصايا التى سيقت بعد ذلك ، إذ قرنا بالعبادة والتوحيد يكسبها عظمة وجلالا .

وعطف النهى عن الشرك على الأمر بالعبادة لله - تعالى - من باب عطف الخاص على العام ، لأن الإِشراك ضد التوحيد فيفهم من النهى عن الإِشراك الأمر بالتوحيد .

ثم أوصى - سبحانه - بالإِحسان إلى الوالدين فقال : { وبالوالدين إِحْسَاناً } .

أى : عليكم أن تخلصوا لله العبادة ولا تشركوا معه شيئا ، وعليكم كذلك أن تحسنوا إلى الوالدين بأن تطيعوهما وتكرموهما وتستجيبوا لمطالبهما التى يرضاها الله ، والتى فى استطاعتكم أداؤها .

وقد جاء الأمر بالإِحسان إلى الوالدين عقب الأمر بتوحيد الله ، لأن أحق الناس بالاحترام والطاعة بعد الله - عز وجل - هما الوالدان ؛ لأنهما هما السبب المباشر فى وجود الإِنسان .

ومن الآيات التى قرنت الأمر بالإِحسان إلى الوالدين بالأمر بطاعة الله قوله - تعالى - : { وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً } وقوله - تعالى - : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وبالوالدين إِحْسَاناً } وقوله - تعالى - : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله وبالوالدين إِحْسَاناً } ومن الأحاديث التى أمرت بالإِحسان إلى الوالدين ونهت عن الإِساءة إليهما ما رواه الترمذى عن عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رضا الله فى رضا الوالدين وسخط الله فى سخط الوالدين " .

وروى أبو داود والبيهقى عن رجل من بنى سلمة أنه جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رسول الله هل بقى على من بر أبوى شئ أبرهما به بعد موتهما ؟ قال : نعم . الصلاة عليهما . والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما " .

وقد جاءت هذه الجملة وهى قوله تعالى { وبالوالدين إِحْسَاناً } فى صورة الخبر إلا أن المراد بها الأمر بالإِحسان إليهما ، ففى الكلام محذوف والتقدير : وأحسنوا بالوالدين إحسانا . فقوله وبالوالدين متعلق بالفعل المقدر .

ثم أمر - سبحانه - بالإِحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين فقال : وبذى القربى واليتامى والمساكين .

أى وأحسنوا كذلك إلى أقاربكم الذين جمعت بينكم وبينهم رابطة القرابة والنسب ، وإلى اليتامى الذين فقدوا الأب الحانى بأن تعطفوا عليهم ، وترحموا ضعفهم ، وتحسنوا تربيتهم ورعايتهم . وإلى المساكين الذين هم فى حاجة إلى العون والمساعدة لفقرهم وضعفهم وعدم وجود ما يقوم بكفايتهم .

وقد وردت آيات كثيرة فى القرآن الكريم تدعو المسلمين إلى الإِحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين ، ومن ذلك قوله - تعالى - { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله وبالوالدين إِحْسَاناً وَذِي القربى واليتامى والمساكين } وقوله - تعالى - { وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ والمسكين وابن السبيل وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } ومن الأحاديث التى وردت فى هذا المعنى ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سره أن يبسط له فى رزقه وأن ينسأ له فى أثره فليصل رحمه " ، وروى الشيخان أيضا عن سهل بن سعد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى - أى أشار وفرج بين السبابة والوسطى " .

وروى البخارى غيره عن صفوان بن سليم عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله ، أو كالذى يصم النهار ويقوم الليل " .

ثم أمر - سبحانه - بالإِحسان إلى طائفة أخرى من الناس فقال - تعالى - : { والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } .

والجار ذو القربى : هو الجار الذى قرب جواره . أو هو الذى له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين ، فإن له مع حق الجوار حق القرابة .

والجار الجنب : هو الجار الذى بعد جواره عن جوارك من الجنابة ضد القرابة . يقال : اجتنب فلان فلانا إذا بعد عنه . وقيل هو الجار الذى لا قرابة فى النسب بينه وبين جاره ، ويقابله الجار ذو القربى .

وقد ساق ابن كثير عند تفسيره لهذه الجملة أكثر من عشرة أحاديث تتعلق بالإِحسان إلى الجار ومنها ما رواه الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .

وروى الترمذى عن عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه . وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره " .

والصاحب بالجنب : هو الرفيق فى كل أمر حسن : كتعليم أو تجارة أو سفر أو غير ذلك .

قال صاحب الكشاف : " والصاحب بالجنب : هو الذى صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقا فى سفر ، وإما جارا ملاصقا ، وإما شريكا فى تعلم علم أو حرفة ، وإما قاعدا إلى جنبك فى مجلس أو مسجد أو غير ذلك فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإِحسان . وقيل : الصاحب بالجنب المرأة .

وابن السبيل : هو المسافر الذى انقطع عن بدله ، ونفد ما فى يده من مال يوصله إلى مبتغاه .

والسبيل : الطريق فنسب المسافر إليه لمروره عليه وملابسته له .

ومن الإِحسان إليه . إيواؤه وإطعامه ومساعدته بما يوصله إلى موطنه .

والمراد بقوله { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } العبيد الأرقاء الذين ملكت رقابهم ، فصاروا ضعاف الحيلة لامتلاك غيرهم لهم .

وقد أوصى النبى صلى الله عليه وسلم بالإِحسان إليهم فى كثير من الأحاديث ومن ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه عن على بن أبى طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جعل يوصى أمته فى مرض موته فيقول : الصلاة الصلاة . اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم " .

وروى الإِمام أحمد والنسائى عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة . وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة . وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة . وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة " .

وروى الشيخان عن أبى ذر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " هم إخوانكم خولكم . جعلكم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبكم . فإن كلفتموهم فأعينوهم " .

وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد أمرت الناس بإخلاص العبادة لله - تعالى - ، كما أمرتهم بالإِحسان إلى آبائهم وإلى أقاربهم وإلى البائسين والمحتاجين وغيرهم ممن هم فى حاجة إلى مدّ يد العون والمساعدة .

وبتنفيذ هذه الوصايا السامية تسعد الإِنسانية ، وتنال ما تصبوا إليه من رقى واستقرار . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } .

والمختال : هو المتكبر المعجب بنفسه : سمى بذلك لأنه يتخيل لنفسه من السجايا والصفات والأفعال ما ليس فيه . فيستغلى على الناس ولا يلتفت إليهم .

والفخور : هو الشديد الفخر بما يقول أو يفعل ، المكثر من ذكر مزاياه ومناقبه ، والمحب لأن يحمد بما لم يفعل .

أى : إن الله لا يحب من كان متكبراً معجبا بنفسه ، ومن كان كثير الفخر بما يقول أو يفعل لأن من هذه صفاته برعاية حقوق الناس بل إن غروره ليجعله يستنكف عن الاتصال بهم وإن فخره ليحمله على التطاول عليهم .

والجملة الكريمة علة لكلام محذوف والتقدير : لا تفتخروا ولا تختالوا فإن الله لا يحب من كان متصفا بهذه الصفات القبيحة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا} (36)

{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا } صنما أو غيره ، أو شيئا من الإشراك جليا أو خفيا { وبالوالدين إحسانا } وأحسنوا بهما إحسانا . { وبذي القربى } وبصاحب القرابة . { واليتامى والمساكين والجار ذي القربى } أي الذي قرب جواره . وقيل الذي له الجوار قرب واتصال بسبب أو دين . وقرئ بالنصب على الاختصاص تعظيما لحقه . { والجار الجنب } البعيد ، أو الذي لا قرابة له . وعنه عليه الصلاة والسلام : " الجيران ثلاثة . فجار له ثلاثة حقوق : حق الجوار ، وحق القرابة ، وحق الإسلام . وجار له حقان : حق الجوار وحق الإسلام ، وجار له حق واحد : حق الجوار وهو المشرك من أهل الكتاب " . { والصاحب بالجنب } الرفيق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر ، فإنه صحبك وحصل بجنبك . وقيل المرأة . { وابن السبيل } المسافر أو الضعيف . { وما ملكت أيمانكم } العبيد والإماء . { إن الله لا يحب من كان مختالا } متكبرا بأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم . { فخورا } يتفاخر عليهم .